عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا الثلاثاء 04 أبريل/نيسان 2023 ندوة حول أوضاع حقوق الإنسان في تونس وتزايد حملات الاعتقالات التعسفية ضد المعارضين ومحاولات القضاء على استقلالية كافة السلطات في البلاد.
الباحثة رُبى صليبي أدارت الندوة بحضور الأكاديمي والدبلوماسي الأمريكي نبيل الخوري، والمحامي الفرنسي إيلي حاتم، ووزيرة شؤون المرأة التونسية السابقة سهام بادي، والسياسي الإيطالي إبرامو إيميليانو، والمحلل السياسي وأستاذ علم الاجتماع الفرنسي فينست جاسير، كما شارك في الندوة نجل القاضي المعتقل بشير العكرمي، وابنة المعارض السياسي البارز المعتقل سيد فرجاني.
في كلمته بدأ نبيل الخوري بالإشارة إلى إخفاق قيس سعيد في تحقيق أي إنجازات سياسية أو اقتصادية طوال فترته رئاسته التي قاربت على أربع سنوات، لافتا أن مستوى المعيشة في تدهور مستمر من سيء لأسوأ منذ توليه منصبه، وفي المقابل ترتفع نسبة التضخم بصورة مرعبة.
على المستوى السياسي أشار الخوري أن سياسات قيس سعيد الخارجية وضعت تونس في مأزق، وفي قرار مفاجئ أرسل سفيرًا إلى دمشق في إعلان للتطبيع مع نظام الأسد، مشيرًا أن النظامين السعودي والإماراتي هم وراء هذه الفكرة التي ستورط النظام التونسي في خلافات مع إدارة بايدن، لكن سعيد “خاطر بالعلاقات الأمريكية مقابل المال الخليجي”.
وأكد الخوري أن عنف السلطة في مواجهة المعارضين لن يؤدي إلا إلى الفوضى وسيعرقل أي إصلاحات أو تقدم في البلاد على مختلف الأصعدة.
وشدد الخوري على ضرورة إشراك المجتمع المدني في التغيير وخلق أفكار لإنقاذ البلاد من الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها حاليًا، مضيفًا أن “التونسيون هم أفضل من يعلم مصلحة بلدهم، والحل في أيديهم لإنهاء الأزمات التي تمر بها البلاد”.
ولتسليط الضوء على الأوضاع التونسية عن قرب تحدثت الوزيرة السابقة سهام بادي التي بدأت كلمتها بدعوة إلى الحكومات الأوروبية المختلفة بإعادة التفكير في علاقتها مع نظام قيس سعيد ووقف التعاون معه بسبب تدخلاته المستمرة لتقويض استقلال مؤسسات الدولة وانتهاكات حقوق الإنسان.
وأضافت “بادي” أنه على السلطات التونسية وقف كافة أشكال القمع في مواجهة المعارضة والعمل المدني في تونس، والإفراج الفوري عن الصحفيين والمحاميين والنشطاء وجميع معتقلي الرأي الذين سُجنوا لرفضهم سياسات النظام واعتراضهم على قرارته، كما طالبت بوقف كافة المحاكمات العسكرية للمدنيين.
وانتقدت بادي التدخل المستمر والمنهجي من قبل سعيد في عمل القضاء والتحكم في قرارته وتقويض إرادته، مؤكدة أنه يجب عودة المؤسسة الديمقراطية كما يجب الانخراط في حوار وطني متكافئ للخروج من هذه الأزمة.
وشددت بادي على أن ما يفعله قيس سعيد غير مقبول على كل الأصعدة خاصة مع تصاعد نبرة الكراهية في كل خطاباته والتي طالت حتى العمال المهاجرين، مؤكدة أن على تونس الرجوع إلى دستور 2014 والبدء في حوار قومي وطني يقوم على حرية الرأي والتنوع.
واختتمت الوزيرة سهام بادي كلامها مطالبة بإحداث توازن حقيقي بين السلطات التنفيذية والتشريعية والتنفيذية في تونس بعد أن أصبحت جميعها في قيس سعيد، مشيرة أن الوضع في تونس أصبح غير مستقر بشكل متزايد مع استمرار التضخم وغلاء المعيشة.
السياسي الإيطالي أبرامو إيميليانو قال في بداية كلمته إنه حسب التحليلات والتقارير الدولية المختلفة فإن “تونس لم تعد ديموقراطية، لقد شهدت تحول استبدادي لافت على يد قيس سعيد الذي استخدم السلطة التي حصل عليها من الشعب في الانتخابات لإنهاء كل شيء بدءً من البرلمان إلى المجلس الأعلى للقضاء، وسجن المعارضين السياسيين والصحفيين وحارب المنصات الإعلامية المستقلة وسجن العاملين عليها مثل نور الدين بيطار من إذاعة موزاييك”.
وسلط إيميليانو الضوء على أزمة المهاجرين التي ظهرت مؤخرًا في تونس بعد الخطاب العنصري للرئيس قيس سعيد، لافتًا أن أزمة المهاجرين دولية وموجوة حتى في إيطاليا، مشيرًا أن هؤلاء العمال أصبح البحر هو مقبرتهم الحقيقية التي لا مفر منها بسبب السياسيات التعسفية في التعامل معهم، وقد سجلت لقطات فيديو وحشية الأمن التونسي في التعامل مع هؤلاء المهاجرين في البحار.
الخبير والمحلل السياسي الفرنسي وأستاذ علم الاجتماع فينست جاسير عبر في بداية كلمته عن أسفه على تدهور أوضاع حقوق الإنسان في تونس، مشيرًا أن البلاد تشهد “حقبة قمع غير مسبوقة على مدار التاريخ التونسي”.
وأكد جاسير أن عهد قيس سعيد أسوأ وأكثر ظلامًا واستبدادًا من عهد بن علي الذي كان ديكتاتوريًا أيضًا، لكنه على الأقل كان يسمح لبعض التيارات المدنية في الظهور على الساحة، على عكس قيس سعيد الذي يحارب الجميع: الإسلاميين، الليبراليين، اليسار، والنسويين، فضلًا عن العزلة الدولية التي فرضها الرئيس الحالي على تونس وجعلها بعيدة عن العالم العربي والأفريقي والأوروبي.
وبين جاسير أن الاختلاف بين نظام قيس سعيد وبن علي يرجع إلى أن نظام قيس سعيد يقوم على “هوية استبدادية” مدعومة بأيدلوجية “تونس قبل كل شيء”، “فهو يروج لفكرة أن التدخل الأجنبي هو سبب تدهور الأوضاع في تونس، وعليه يجب التصدي لكل ما هو غير تونسي والإيمان بأيدلوجيته التي ستنقذ البلاد”.
وأشار جاسير إلى أن “نظرية المؤامرة” التي يتبناها قيس سعيد تُفسر النهج العدواني الذي يتعامل به مع منظمات حقوق الإنسان والمنظمات النسوية وغيرها من الحركات والجماعات التي يتهمها في خطاباته بأنها مرتبطة بجماعات مسلحة خارجية ويعملون كجواسيس لجهات أجنبية، وتفسر كذلك عدوانية خطابه تجاه الأجانب والمهاجرين الذين يأتون للعيش في تونس “وما حدث للمهاجرين الأفارقة مؤخرًا هو مثال حي على هذا النهج”.
وأضاف جاسير أن قيس سعيد “يعتبر أن الديمقراطية البرلمانية ليست مصنوعة لتونس”، “إنه ببساطة يريد أن تصبح كافة السلطات في يده… في الدستور الجديد الذي كتبه قيس سعيد البرلمان والنواب ليس لديهم سلطة”.
وتابع “قيس سعيد رئيس يريد أن يحكم بمفرده ويتحكم وحده في كافة مؤسسات وسلطات البلاد… رئيس يعاني مما يسمى بـ سلطوية انفرادية”.
واختتم جاسير كلمته قائلًا “على المجتمع الدولي أن ينتبه لما يحدث في تونس التي تشهد وضعًا غير مسبوقًا من الاستبداد والقمع وضعها في أزمة دبلوماسية واقتصادية وسياسية واجتماعية”.
وفي كلمته، أكد المحامي الفرنسي إيلي حاتم أن القمع والعنف في مواجهة المعارضين بكل أسف هو سمة عامة منتشرة بين السلطات حول العالم وليس فقط في تونس أو الدول العربية، لافتًا أن الحل الأمثل والأفضل لوقف مثل هذه الممارسات هو “أولًا تثقيف الشعوب، ثانيًا التصدي للفساد”.
وأكد حاتم أنه من أجل ” أجل السلام وإعادة بناء عالمنا العربي” يجب مقارنة الأوضاع بتجارب دول أخرى سواء في أوروبا أو في آسيا مثل الصين، مختتمًا حديثه بأن “الحضارة العربية القديمة كانت من أفضل الحضارات على مر التاريخ فيما يتعلق الواقع السياسي ولا يزال الغرب يتعلم منهم حتى الآن”.
في كلمته، قال محمد عزيز العكرمي نجل القاضي بشير العكرمي إن محاربة الفساد ورفض انتهاك القانون شكلا الأسباب الرئيسية لاستهداف السلطات التونسية والده وحرمانه من حريته.
وقال عزيز “سلاح أبي الوحيد في مواجهة الانتهاكات والفساد المتفشي كان تمسكه بالقانون، لكن السلطات لم تسمح له بذلك، لذلك هو رهن الاعتقال حاليًا في ظروف بالغة السوء”.
وسرد عزيز تفاصيل اعتقال والده، وقال “مجموعة من أفراد الأمن بزي مدني ورسمي كان عددهم نحو 50 شخصًا اقتحموا منزلنا وفتشوا كل شيء بما في ذلك الهواتف والحواسيب… لقد أهانوا والدي واقتادوه بصورة غير قانونية إلى مركز الاعتقال دون الإفصاح عن أسباب الاعتقال”، وبين عزيز أن والده تعرض لحملة تشهير إعلامية من الدولة للنيل من سمعته بسبب محاربته الفساد.
كوثر الفرجاني نجلة المعارض السياسي سيد فرجاني تحدثت في بداية كلمتها عن وضع والدها الصحي داخل محبسه والذي يتدهور بسبب سوء الأوضاع التي دفعته إلى الدخول في إضراب عن الطعام.
وأضافت فرجاني ” بعد تدهور حالة والدي الصحية ونقله المستشفى اضطر إلى كسر الإضراب لكن أوضاع الاحتجاز لم تتحسن بعد… إنه يتعرض لانتهاكات أخلاقية جسيمة… في السجن يرفضون إخباره بأوقات الصلاة وأوقات الإفطار والصيام”.
ولفتت فرجاني أن العائلة رفعت شكوى في المملكة المتحدة من أجل توقيع عقوبات على قيس سعيد ووزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين ووزيرة العدل ليلى جفال ووزير الدفاع عماد مميش، ووزير الداخلية السابق بالإنابة رضا غرس الله، لارتكابهم جرائم جسيمة ضد والدها وضد حقوق الإنسان.