عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة مساء الاثنين 8 يوليو/تموز 2024 حول الأزمة الإنسانية المتزايد في غزة، خاصة في ظل تفاقم المجاعة وارتفاع عدد الوفيات بسبب سوء التغذية، وتجاهل التحذيرات الأممية من تفاقم الأزمة نتيجة الحصار الإسرائيلي، كما سلطت الندوة الضوء على التأثير الشديد للإبادة الجماعية المستمرة والحاجة الملحة للتضامن الدولي والعمل لدعم الشعب الفلسطيني.
ضمت الندوة متحدثين بارزين من خلفيات مختلفة، بينهم أكاديميين وصحفيين ونشطاء حقوقيين وسياسيين، هم البروفيسور ستيفن زونيس– أستاذ الأمن الدولي والسياسة الخارجية بجامعة سان فرانسيسكو، والأكاديمي والدبلوماسي الأمريكي نبيل الخوري، وبوكر أوميلو – ناشط سياسي كيني، وكولن كوبر– عضو “الأصدقاء الاسكتلنديين من أجل فلسطين”، وستيف سوسيبي– مؤسس منظمة HEAL Palestine، وأوليفيا زيمور – ناشطة حقوقية فرنسية، سونجا فان دن إندي – صحفية هولندية وناشطة سياسية
بدأ البروفيسور ستيفن زونس كلمته بإلقاء الضوء على الدور المهم الذي تلعبه الولايات المتحدة في تسهيل العمليات الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة، قائلًا إن الفظائع المستمرة التي ترتكبها إسرائيل يتم تمكينها من قبل الولايات المتحدة، التي توفر المساعدات العسكرية والغطاء الدبلوماسي من خلال حق النقض في الأمم المتحدة، والحماية القانونية من خلال تقويض الهيئات القانونية الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية.
ووفقًا لزونيس، فإن هذا الدعم ينتهك العديد من القوانين الأمريكية، بما في ذلك قانون مراقبة تصدير الأسلحة لعام 1961 وقوانين ليهي لعام 1990، بالإضافة إلى مذكرة الأمن القومي للرئيس بايدن، مشددًا على أن السياسة الأمريكية ليست فقط غير أخلاقية وغير قانونية، ولكنها أيضًا راسخة بعمق في تاريخ دعم حروب الإبادة الجماعية.
كما شدد زونيس على الآثار الأوسع للإمبريالية الأمريكية، مقارنًا الوضع في غزة بعمليات الإبادة الجماعية السابقة التي دعمتها الولايات المتحدة في أماكن مثل بنجلاديش، وغواتيمالا، وتيمور الشرقية. وشدد كذلك على أن القضية لا تتعلق فقط باللوبي المؤيد لإسرائيل، بل بنمط أكبر من الإمبريالية الأمريكية التي تدعم الأنظمة القمعية. وعلى الرغم من هذه الظروف القاتمة، رأى زونيس أن هناك أمل بسبب الرأي العام الأمريكي المتغير، وخاصة بين جيل الشباب، مشيرًا إلى أن نسبة كبيرة من الأمريكيين تدعم الآن وقفًا دائمًا لإطلاق النار وإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، مما يمثل تحولًا كبيرًا في المشاعر العامة.
وهذا التحول، وفقا لزونيس، يفرض بعض التغييرات في سياسة الولايات المتحدة، وإن كانت محدودة وغير متسقة. وأشار إلى أن ملايين الأمريكيين، ومن بينهم العديد من اليهود الأمريكيين، يحتجون على السياسات الأمريكية ويطالبون بالعدالة في فلسطين، لافتًا أن هذه الاحتجاجات، وهي الأكبر منذ عقود، أدت إلى بعض التعديلات في السياسات، رغم أنها لا ترقى إلى مستوى التغيير الشامل الضروري. واختتم زونيس كلمته بالتأكيد على المسؤولية السياسية المتزايدة لدعم إسرائيل بين السياسيين الأمريكيين، وتوقع أن الموقف المؤيد للفلسطينيين والمعادي للصهيونية للجيل الأصغر سنا سيشكل السياسات الأمريكية المستقبلية.
في كلمتها، قدمت الصحفية الهولندية سونيا فان دن إندي لمحة عامة قاتمة عن الأزمة الإنسانية في غزة، حيث تناولت بالتفصيل النقص الحاد في الغذاء والمجاعة واسعة النطاق الناجمة عن الحصار والقصف الإسرائيلي. وذكرت أن ما يقرب من 69% من سكان غزة يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء، وأن أكثر من 495,000 شخص، بما في ذلك العديد من الأطفال، معرضون لخطر المجاعة والمرض.
ولفتت أن أسفرت الهجمات الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر تسببت في مقتل ما يقرب من 38 ألف فلسطيني، وهو رقم من المرجح أنه أقل من العدد الحقيقي، حيث لا تزال العديد من الجثث مدفونة تحت الأنقاض.
وأدانت فان دن إندي تواطؤ الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في دعم أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، وانتقدت على وجه الخصوص هولندا لاستمرارها في إنتاج وتوريد أجزاء الطائرات المقاتلة التي تستخدمها إسرائيل، على الرغم من إدانة المحكمة الهولندية.
وأعربت فان دن إندي عن أسفها لنفاق أوروبا، التي تعهدت “بعد الحرب العالمية الثانية” أنها لن تنخرط في أعمال كهذه مرة أخرى، ولكنها تؤيد الآن الإبادة الجماعية. وفي معرض تسليطها الضوء على ما وصفته بـ “البث المباشر” لهذه الإبادة الجماعية على وسائل التواصل الاجتماعي، أشارت فان دن إندي إلى أن التطرف في المجتمعات الغربية، مدفوعًا بالأيديولوجيات الصهيونية التي تنظر بعين العنصرية إلى العرب والمسلمين.
وشددت فان دن إندي على أن أهداف النظام الإسرائيلي واضحة: مواصلة قصف غزة وذبح شعبها. ودعت إلى وحدة العالم العربي لمقاومة النظام الإسرائيلي وهزيمته، مؤكدة أن الحل لن يأتي من الغرب، كما أشارت إلى إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق القادة الإسرائيليين، على الرغم من إدراكها أن عدم اعتراف إسرائيل بالمحكمة يجعل تنفيذه غير مطروحًا.
الناشط الأسكتلندي كولن كوبر سلط الضوء في كلمته على تفاوت وجهات النظر بين المؤسسة البريطانية الحكومية والناشطين الداعمين لفلسطين، مسلطًا الضوء على الحادثة الأخيرة التي وقعت في اسكتلندا حيث تجنب رئيس وزراء المملكة المتحدة مواجهة المتظاهرين الذين كانوا يحملون الأعلام الفلسطينية. وأشار كوبر إلى أن المملكة المتحدة لديها شكل راسخ من العنصرية وهو ما يفسر الموقف الرسمي من الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل على غزة، مشددًا على ضرورة التثقيف حول الأحداث التاريخية مثل وعد بلفور والنكبة لمحاربة هذا الجهل وتعزيز التفاهم.
وقال كوبر إنه بالرغم من التضامن واسع النطاق مع القضية الفلسطينية، فإن التضييق عليه من قبل الحكومات أصبح مشكلة كبيرة، مع انخفاض عدد الأشخاص الذين يحضرون المظاهرات الأسبوعية. وشدد على أهمية الاستفادة من التقاليد القوية لاسكتلندا في مجالي التعليم والطب لدعم غزة، مشيراً إلى ضرورة مشاركة المجتمع المدني بشكل أكثر نشاطاً.
وانتقد كوبر أيضًا نقص الدعم من الكنيسة والحكومة، اللذين يتأثران بجماعة ضغط قوية مؤيدة لإسرائيل، داعيًا إلى التركيز على الحفاظ على الثقافة الفلسطينية وإعادة بناء غزة، وقارن ذلك بتدمير الخمير الحمر للثقافة الكمبودية والجهود اللاحقة لاستعادتها.
كما قارن الحكومة الإسرائيلية بالفصل العنصري في جنوب إفريقيا، مستخدمًا كلمات الأسقف توتو للتأكيد على الحاجة إلى الضغط الدولي لعزل إسرائيل ونزع الشرعية عنها. واختتم كوبر كلمته بالدعوة إلى الشجاعة للنظر إلى ما هو أبعد من الدمار المباشر والتخطيط لمستقبل يستطيع فيه الأطفال الفلسطينيون أن يعيشوا حياة طبيعية وصحية.
الناشط الكيني بوكر نجيسا أومولي بدأ كلمته بالتعبير عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن النصر لا يتحقق إلا بالمقاومة. وانتقد السلطة الفلسطينية لمحاولتها التفاوض مع إسرائيل، معتبراً أن التفاوض مع قوة إمبريالية لا جدوى منه. وشدد أومولي على أن الدعم الأمريكي للإبادة الجماعية في غزة تحركه المصالح وليس المبادئ، مما يسلط الضوء على النفاق المتمثل في توصيل المساعدات الغذائية وفي نفس الوقت منع الإمدادات الأساسية ودعم الأعمال العسكرية.
وقارن أومولي بين النضال الفلسطيني والمقاومة الأفريقية ضد الاستعمار، وخاصة الكفاح ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مشيرًا إلى أن تكثيف القصف في غزة يهدف إلى زرع الخوف واليأس، لكن التاريخ أظهر أنه حتى الجيوش القوية يمكن هزيمتها من خلال المقاومة الحازمة.
في ذات السياق أدان أومولي الاستخدام الصهيوني للخطاب المسيحي لتبرير سرقة الأراضي والقتل، منتقدًا وسائل الإعلام الغربية لتأطير الإبادة الجماعية بطريقة متحيزة تلقي باللوم على الضحايا.
وقال أومولي إن حل الدولتين هو أمل زائف ودعا إلى دولة ديمقراطية واحدة حيث يمكن لجميع الناس، بما في ذلك اليهود والعرب، أن يتعايشوا بسلام، مشددًا على أهمية التضامن الدولي وضرورة تكثيف الجهود ضد الإمبريالية الأمريكية وحلفائها. واختتم كلمته بتسليط الضوء على الدعم المتزايد لفلسطين في كينيا وأجزاء أخرى من الجنوب العالمي، معربًا عن الثقة في انتصار الشعب الفلسطيني في نهاية المطاف.
تحدثت أوليفيا زيمور، رئيسة يوروبالستين، عن القمع الشديد للنشاط المؤيد للفلسطينيين في فرنسا، وسلطت الضوء على منع الحكومة الفرنسية للتظاهر ضد القصف الإسرائيلي، والذي استمر لعدة أسابيع، ورافقه غرامات واعتقالات. وعلى الرغم من ذلك، استمر النشطاء في الاحتجاج، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي لتداول أفعالهم على نطاق واسع.
وانتقدت زيمور وسائل الإعلام الرئيسية في فرنسا لصمتها بشأن غزة، مشيرة إلى أنه على عكس الدول الغربية الأخرى، تتجاهل وسائل الإعلام الفرنسية الأزمة إلى حد كبير.
تحدثت زيمور كذلك الطرق الإبداعية التي تعمل بها منظمتها على رفع مستوى الوعي حول الإبادة الجماعية في غزة، مثل تنظيم عروض الشوارع والمظاهرات باستخدام ملصقات تصور الأطفال الذين يتضورون جوعا. بالإضافة إلى الاحتجاجات التي تتمركز في المناطق العامة، مثل مطعم وزارة الخارجية الفرنسية، لإجبار الناس على مواجهة حقيقة الوضع.
وشددت زيمور على أهمية الجمع بين النشاط والأنشطة الثقافية، مثل الغناء والرقص، للحفاظ على الروح المعنوية وجذب المزيد من المؤيدين.
كما ناقشت الأثر الاقتصادي لمقاطعة المنتجات والشركات الإسرائيلية الداعمة لإسرائيل، مسلطة الضوء على نجاح هذه الجهود في فرنسا. وشككت زيمور في المشهد السياسي الأمريكي، متسائلة عما إذا كان هناك بدائل لبايدن وترامب يمكن أن تحدث التغيير، واختتمت كلمتها بالتأكيد على الحاجة إلى نشاط مستمر وحازم وأهمية دمج العناصر الثقافية للحفاظ على نشاط الحركة المتضامنة مع فلسطين.
في كلمته، شارك الناشط الحقوقي ستيف سوسيبي رحلته من ناشط طلابي خلال الانتفاضة الأولى إلى تأسيس صندوق إغاثة أطفال فلسطين (PCRF) حتى منظمة “شفاء فلسطين”. مؤكدًا على التزامه بالقضية الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني.
ركز سوسبي على الجانب الإنساني من عمله، وخاصة جلب الأطفال الفلسطينيين المصابين إلى الولايات المتحدة للحصول على الرعاية الطبية، وكيف ساعد هذا الجهد في رفع مستوى الوعي بين الأميركيين حول الحقائق في غزة.
وشدد سوسبي على الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية الفورية في غزة، في ظل الإبادة الجماعية المستمرة.
وتحدث عن أهداف منظمته الجديدة “شفاء فلسطين”، والتي تهدف إلى توفير ليس فقط الرعاية الطبية، ولكن أيضًا دعم الصحة النفسية والتدريب المهني لمساعدة الأطفال الفلسطينيين على إعادة بناء حياتهم والشفاء من الصدمات التي ترافقهم جراء ما يتعرضون له، مشددًا على أهمية إظهار التضامن والدعم للأطفال الفلسطينيين، الذين غالبا ما يشعرون بالتقليل من قيمتهم من قبل المجتمع الدولي.
وناقش سوسبي الأهداف الأوسع لبرنامج منظمة “شفاء فلسطين”، والتي تشمل تمكين الفلسطينيين في الشتات لدعم مجتمعهم وبناء جيل جديد من القادة في غزة. وسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الأطفال المصابون الذين ترفض إسرائيل منحهم تصاريح السفر، مشددًا على الحاجة إلى المناصرة والدعم المستمرين. واختتم سوسبي كلمته معربًا عن أمله في أن تنتهي الإبادة الجماعية قريبًا، مؤكدًا على استمراره في دعم القضية الفلسطينية والمساعدة في إيصال صوت الفلسطينيين للعالم.
في نهاية الندوة، قدم الدبلوماسي والأكاديمي الأمريكي نبيل الخوري تحليلًا واقعيا للوضع في غزة، وقارن بين الفظائع التاريخية مثل تلك التي ارتكبتها ألمانيا النازية والفايكنج. وأعرب عن إحباطه العميق إزاء عجز العالم عن وقف الإبادة الجماعية المستمرة، منتقدا الزعماء الإسرائيليين والأمريكيين، واعترف الخوري بالجهود البطولية التي تبذلها المنظمات الإنسانية ونشطاء المجتمع المدني لكنه مع ذلك أكد أنهم وحدهم ليسوا قادرون على إنهاء الحرب دون تغيير سياسي كبير.
وحدد الخوري عدة سيناريوهات محتملة للتغيير، بما في ذلك تحول جذري في السياسة الإسرائيلية أو تغيير في القيادة الأمريكية، ومع ذلك، فقد كان متشائمًا بشأن هذه التوقعات، نظرًا للقوة الراسخة للوبي المؤيد لإسرائيل وعدم وجود بديل مناسب لهذا الدور لبايدن وترامب في الولايات المتحدة.
واختتم الخوري كلامه بالقول إن الرد العسكري القوي من جانب محور المقاومة قد يكون هو السبيل الوحيد للضغط على إسرائيل لوقف أعمال الإبادة الجماعية. وحذر الخوري من أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من العنف والمعاناة، لكنه لا يرى أي طريق واقعي آخر لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. وشدد تحليله على الوضع المزري والحاجة الملحة لرد قوي وموحد على الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.