عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول 2024 ندوة بعنوان “تصاعد الانتهاكات ضد الأسرى الفلسطينيين: بين تحريض الوزراء الإسرائيليين وتقاعس المجتمع الدولي”. جمعت الندوة مجموعة متميزة من المتحدثين الذين شاركوا رؤاهم حول الظروف المتدهورة التي يواجهها الأسرى الفلسطينيون داخل السجون الإسرائيلية، وتأثير حملات التحريض السياسي التي يشنها كبار المسؤولين الإسرائيليين، وعواقب التقاعس الدولي عن هذه الانتهاكات.
وقد ضمت الندوة شخصيات بارزة من مختلف المجالات، بينهم جيريمي كوربين، عضو البرلمان البريطاني، والدكتور ويليام بوث، محاضر في تاريخ أمريكا اللاتينية في جامعة كوليدج لندن؛ الدكتور ديفيد مونياي، المدير المشارك لـ UJCI والخبير في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية؛ وأليشيا كوتسوليريس، مديرة الاتصالات في منظمة شركاء من أجل فلسطين؛ وماكس جيلر، المتحدث باسم Palestine Action؛ وآدم هورويتز، مدير تحرير مجلة موندويس؛ ونعومي باراسا، ناشطة كينية في مجال العدالة الاجتماعية.
بدأ آدم هورويتز كلمته بتقديم آخر المستجدات بشأن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، مشيرًا إلى حجم الكارثة الإنسانية المتزايدة في شمال غزة على وجه الخصوص بسبب الحصار الشامل الذي وصل يومه السبعين. وسلط الضوء على عملية التطهير العرقي واسعة النطاق التي تهدف إلى طرد الفلسطينيين من شمال مدينة غزة والمناطق المحيطة بها. وأوضح أن هذه العملية شملت هجمات على المستشفيات، واعتقالات جماعية، وتدمير البنية التحتية المدنية، إلى جانب منع المساعدات الطبية والغذائية والإنسانية، مُشددًا على أن هذه الأعمال تشكل إبادة جماعية، حيث يُقدر أن أكثر من 200 ألف فلسطيني قد قُتلوا حتى الآن.
وتحدث هورويتز بمزيد من التفصيل عن الاعتقالات الجماعية للفلسطينيين، مشيراً إلى أن الأعداد الدقيقة لا تزال غير معروفة، ولكنها بالتأكيد كبيرة. ولفت الانتباه إلى القصص المروعة التي تخرج من مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، والتي وصفها بـ “معسكرات الاعتقال”، حيث يتعرض المعتقلون للتعذيب والعنف الجنسي. كما تحدث بالتفصيل كذلك عن استخدام القوات الإسرائيلية لبرامج التعرف على الوجه والذكاء الاصطناعي لإنشاء قاعدة بيانات للفلسطينيين في غزة، لافتًا الأنظار إلى العواقب طويلة الأجل لهذه التكنولوجيا.
وفي ختام مداخلته، وضع هورويتز الإبادة الجماعية في سياق أجندة إسرائيل الأوسع لاستعمار والسيطرة على كل فلسطين التاريخية، مؤكدًا أن محو المجتمع والحياة الفلسطينية هو جزء من خطة منهجية تمتد إلى ما هو أبعد من غزة إلى الضفة الغربية ومناطق أخرى. ودعا هورويتز إلى مواصلة المناقشات حول العواقب الأوسع لهذه الإجراءات، مؤكداً على الحاجة الملحة للمساءلة والعدالة.
في بداية مداخلته، استند الدكتور ديفيد مونياي إلى تحليل هورويتز حول استمرار الإبادة الجماعية، متسائلاً عن سبب سماح المجتمع الدولي باستمرار هذه الفظائع. وسلط الضوء على إخفاقات الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن مبادئها الأساسية وشرعيتها على المحك إذا استمرت هذه الانتهاكات دون رادع. وانتقد مونياي المعايير المزدوجة للعديد من الدول المتقدمة، وقارن بين ردود أفعالها على الصراعات في أوكرانيا وسوريا مقابل صمتها المخز بشأن غزة، محذرًا من أن هذه “الأخلاق الانتقائية” تهدد بتقويض مصداقية النظام الدولي، مشيرًا إلى انهيار عصبة الأمم قبل الحرب العالمية الثانية.
وأكد مونياي على أهمية توثيق الجرائم والحفاظ على الأدلة لمحاسبة الجناة، مشيرًا إلى أمثلة تاريخية، مثل الهولوكوست والإبادة الجماعية في رواندا، لتوضيح ضرورة حفظ السجلات في السعي إلى تحقيق العدالة. كما سلط الضوء على دور التضامن الدولي أثناء النضالات مثل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، داعيًا إلى بذل جهود مماثلة لدعم السجناء الفلسطينيين وأسرهم اليوم.
وفي ختام كلمته، حث مونياي المجتمع الدولي على التعامل مع الملف الفلسطيني بشفافية ومقاومة محاولات إسرائيل لتشويه أي صورة من صور التضامن، كما ودعا إلى اليقظة في توثيق الفظائع واستخدام التكنولوجيا لتبادل الأدلة القاطعة على الجرائم المرتكبة في غزة وخارجها.
المدافع عن حقوق الإنسان ماكس غيلر بدأ كلمته بالتعريف بعمل منظمة “فلسطين أكشن”، موضحًا أن المنظمة كانت منخرطة في عمل مباشر ضد منشآت الأسلحة التابعة لشركة إلبيت سيستمز في المملكة المتحدة على مدى السنوات الأربع الماضية. وسلط الضوء على نجاحاتها، بما في ذلك الإغلاق الدائم لثلاث منشآت، ووصف كيف تكثفت حملتها ردًا على الإبادة الجماعية في غزة. وأشاد غيلر بشجاعة الناشطين الذين اتخذوا تدابير جذرية لفرض “حظر الأسلحة على الناس”، على الرغم من مواجهة القمع الشديد من قبل الدولة والسجن.
وأدان غيلر استمرار الحكومة البريطانية في إصدار تراخيص الأسلحة لإسرائيل، على الرغم من الدعم الشعبي الساحق لحظر الأسلحة. واستشهد بالاستخدام الأخير لطائرات إف-35، المجهزة بأجزاء مصنعة في المملكة المتحدة، في المذابح التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في شمال غزة كمثال صارخ على هذا التواطؤ. كما سلط غيلر الضوء على الاستخدام المتزايد لقوانين الإرهاب لاحتجاز الناشطين في المملكة المتحدة إلى أجل غير مسمى، ووصف هذه التدابير بأنها محاولة لقمع الحركة بعد فشل التحديات القانونية في إدانة الناشطين في المحكمة.
وفي ختام حديثه، روى غيلر حكاية عن رواية كتبها أسرى فلسطينيون، تم تهريبها من السجون الإسرائيلية، ويقرأها الآن ناشطون بريطانيون مسجونون بسبب أفعالهم ضد شركة إلبيت. وأكد على الروابط بين حركات التضامن الفلسطينية والدولية، داعياً إلى التركيز المستمر على محنة الأسرى باعتبارها ركيزة أساسية للنضال من أجل العدالة.
عضو البرلمان البريطاني والمدافع البارز عن حقوق الإنسان جيريمي كوربين بدأ مداخلته بالإشارة إلى القمع الطويل الأمد الذي يواجهه الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الإسرائيلي، بدءًا من نكبة عام 1948 والاحتلال اللاحق. وأشار إلى أن الوضع في غزة وصل إلى مستويات غير مسبوقة من الوحشية، حيث تم تأكيد مقتل 45 ألف شخص مع وجود 100 ألف آخرين تحت الأنقاض كتقديرات أولية، واصفًا المذبحة باعتبارها واحدة من أكثر أعمال العنف المخزية في التاريخ الحديث، مؤكدًا على ضرورة التضامن العالمي لدعم الشعب الفلسطيني.
وعندما سُئل عن دور المجتمع الدولي وبرلمان المملكة المتحدة في التصدي لهذه الانتهاكات، قال كوربين إن هناك تحولات بطيئة في المواقف السياسية البريطانية تجاه إسرائيل، ولكنها “ملحوظة”، مشيرًا إلى النشاط الشعبي، بما في ذلك الاحتجاجات والمسيرات في جميع أنحاء المملكة المتحدة، كمحفزات للتغيير. وروى كوربين كيف انخفضت حصة حزب العمال في التصويت في الانتخابات العامة الأخيرة بسبب فشله في اتخاذ موقف حازم بشأن وقف إطلاق النار. كما أشار كوربين إلى أن تحالفًا مستقلًا من النواب، تم تشكيله للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، كان فعالًا في الدفع نحو إجراء تغييرات في البرلمان، بما في ذلك تعليق بعض تراخيص الأسلحة لإسرائيل، رغم أنه أكد أن هذا غير كافٍ.
كما تناول كوربين مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، شارحًا الالتزامات القانونية للمملكة المتحدة بموجب نظام روما لإنفاذ هذه المذكرات، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية. وبينما أعرب عن شكوكه في إقدام نتنياهو على القدوم إلى المملكة المتحدة، أكد كوربين على أهمية الضغط على الحكومة للالتزام بالقانون الدولي ومحاسبة مجرمي الحرب.
وردًا على سؤال حول الإدراج المحتمل لشخصيات مثل سموتريتش وبن غفير في مذكرات المحكمة الجنائية الدولية، أكد كوربين على الدور الحاسم لتوثيق التحريض والتواطؤ في أعمال الإبادة الجماعية لجعل مثل هذا القرار ممكنًا. كما أكد أن القانون الدولي يجب أن يمتد إلى جميع الأفراد الذين يشاركون في مثل هذه الجرائم، بما في ذلك أولئك الذين يحرضون على العنف من خلال الحملات السياسية والمنصات الإعلامية. واختتم كوربين كلمته بالتأكيد على الحاجة إلى المناصرة والتضامن والمقاومة المستمرة ضد استمرار توريد الأسلحة لإسرائيل، التي تعتبر تواطئًا مباشرًا في الإبادة الجماعية، كما دعا إلى مواصلة الجهود العالمية لتمكين الفلسطينيين والحفاظ على ثقافتهم وتفكيك أنظمة القمع التي يواجهونها.
بدأت أليسيا كوتسوليريس كلمتها بالتأكيد على أن أحداث السابع من أكتوبر لم تكن بداية الأزمة، بل كانت رد فعل على عقود من القمع والإبادة الجماعية المنهجية ضد الفلسطينيين. وسلطت الضوء على الظروف المعيشية المزرية في غزة، حيث يعيش 2.2 مليون مدني في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم تحت الحصار الإسرائيلي. وأوضحت أن هذا الحصار يشمل كل جانب من جوانب الحياة في غزة، من الوصول إلى الغذاء والمياه إلى الإمدادات الطبية والبناء، مما يقيد بشدة قدرة السكان على إعادة البناء بعد الصراعات المتكررة.
كما لفتت كوتسوليريس الانتباه إلى تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2022 الذي كشف عن استعانة إسرائيل بمتخصصين لتحديد الحد الأدنى من السعرات الحرارية للبقاء على قيد الحياة، واستخدمت منع المساعدات الغذائية كسلاح بشكل فعال لفرض المجاعة. ووصفت هذا كجزء من استراتيجية إسرائيل الأوسع للسيطرة على الفلسطينيين وقمعهم، والتي تمتد إلى ما هو أبعد من غزة إلى الضفة الغربية المحتلة، حيث تشمل الأوامر العسكرية كل جانب تقريبًا من جوانب الحياة الفلسطينية، بما في ذلك المحاصيل التي يمكن زراعتها، تحت ستار المخاوف الأمنية.
وانتقدت كوتسوليريس الولايات المتحدة بسبب دعمها المالي والعسكري لإسرائيل على مدى عقود من الزمن، مشيرة إلى المساعدات السنوية البالغة 3.8 مليار دولار، والتي يستخدم الكثير منها لتمويل العمليات العسكرية. وزعمت كوتسوليريس أن هذا الدعم الثابت مكّن إسرائيل من التصرف دون عقاب، مما أدى إلى إدامة دورات العنف والقمع. وأعربت عن خيبة أملها في القيادة الأمريكية، وخاصة نائبة الرئيس هاريس، لفشلها في محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي، على الرغم من الأدلة الواضحة على الإبادة الجماعية والفصل العنصري.
وعندما سُئلت عن إمكانية وجود آليات قانونية دولية لمحاسبة إسرائيل، أعربت كوتسوليريس عن تشككها، مستشهدة بتردد الولايات المتحدة في دعم قرارات المحكمة الجنائية الدولية وإنفاذ القانون الإنساني الدولي. وأكدت أن المساءلة العالمية تتطلب من الولايات المتحدة اتخاذ موقف، حيث يمكن أن يحفز نفوذها التغيير. وحذرت من أنه بدون هذه القيادة، فإن الجهود الرامية إلى معالجة تصرفات إسرائيل من المرجح أن تتوقف، مما يترك الفلسطينيين يواجهون الفظائع المستمرة.
تناول الدكتور ويليام أ. بوث التفاوتات الصارخة في كيفية الاعتراف بحقوق الإنسان وتطبيقها على مستوى العالم، مسلطًا الضوء على المعايير المزدوجة التي يطبقها المجتمع الدولي. واستعان بخبرته كمؤرخ لأمريكا اللاتينية، ورسم أوجه التشابه بين الوضع الحالي في فلسطين والأمثلة التاريخية للقمع المدعوم من الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية. وأشار بوث إلى تورط إسرائيل في دعم الأنظمة القمعية خلال السبعينيات، على الرغم من الطبيعة المعادية للسامية لبعض تلك الأنظمة، موضحًا كيف أن ديناميكيات القوة العالمية غالبًا ما تعطي الأولوية للتحالفات السياسية على حقوق الإنسان.
وأكد بوث على دور التكنولوجيا في تمكين التكتيكات القمعية لإسرائيل، والتي تبرز من خلال التجسس على كل جوانب الحياة للفلسطينيين، كما سلط الضوء على حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) في جامعة كوليدج لندن، حيث تعهد أكثر من 850 موظفًا بدعم سحب الاستثمارات من الشركات الإسرائيلية مثل Cisco Systems ، وأوضح بوث أن هذه الشركات توفر التقنيات المستخدمة لتحديد هوية الفلسطينيين وسجنهم، مما يجعلها مذنبة مثل شركات تصنيع الأسلحة في إدامة انتهاكات حقوق الإنسان.
واختتم بوث كلمته بالتأكيد على أهمية التضامن الدولي، وعقد مقارنات مع الحركات السابقة التي دعمت أميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا في نضالهما ضد القمع، وحث على مواصلة الدعوة على مستوى القاعدة الشعبية. وأكد بوث أن العمل الجماعي، وخاصة من خلال تنظيم أماكن العمل وحملات سحب الاستثمارات، أمر حيوي لتحدي الأنظمة التي تدعم القمع وتضخيم أصوات أولئك الذين يقاومون الظلم.
الناشطة الكينية نعومي باراسا ركزت في كلمتها على الاستخدام الواسع النطاق للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية للسجناء الفلسطينيين من قبل الحكومة الإسرائيلية، والتي تمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان. كما تحدثت بالتفصيل عن هذه الانتهاكات، بدءًا الاعتقالات الإدارية، وحرمان المعتقلين من الوصول القانوني والعائلي، والزنازين المكتظة، والعقوبات الجماعية، وكلها ترقى إلى المعاملة القاسية والمهينة. وربطت باراسا هذه التكتيكات باستراتيجية أوسع نطاقًا للإبادة الجماعية والاستعمار، محذرة من أنها تقوض مصداقية آليات حقوق الإنسان الدولية.
كما انتقدت باراسا دور وسائل الإعلام السائدة في تطبيع هذه الانتهاكات، بحجة أن الروايات المتحيزة تساهم في التقاعس العالمي. وأكدت على الحاجة إلى جهود جريئة ومنسقة لمحاسبة ليس فقط إسرائيل، ولكن أيضًا ممكِّنيها، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على تمويل ودعم هذه الفظائع. وأكدت أن غزة نفسها تعتبر سجن مفتوح، حيث يتم تكرار التكتيكات المستخدمة ضد السجناء على نطاق أوسع ضد سكانها بالكامل.
وفي ختام كلمتها، دعت باراسا إلى ممارسة ضغوط عالمية عاجلة لفرض المساءلة ومنع تآكل أطر حقوق الإنسان الدولية. وحذرت من أن السماح باستمرار هذه الانتهاكات يشكل سابقة خطيرة تهدد نزاهة المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية. وحثت باراسا المجتمع الدولي على التصرف بحزم، مؤكدة أن الفشل في القيام بذلك من شأنه أن يمثل موت آليات حقوق الإنسان الدولية.