عقدت مؤسسة Busboys and Poets الأمريكية، الأحد 7 ديسمبر 2025، ندوة في واشنطن العاصمة حول ضرورة مساءلة إسرائيل عن الإبادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة في غزة، أدارت الندوة الصحفية الأمريكية كايتي هالبر، وشارك فيها كل من كريغ مخيبر، المدير السابق لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ونورة عريقات، المحامية والأكاديمية المختصة في القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين.
جاءت الندوة في سياق تصاعد الضغوط الدولية المطالبة بإخضاع إسرائيل للمحاسبة على جرائمها، وسط انتقادات متزايدة لأداء المؤسسات الدولية التي فشلت حتى الآن في فرض أي آلية فعّالة لوقف ما يصفه المشاركون بـ الإبادة الأكثر توثيقًا في العصر الحديث.
في مداخلته، قدّم كريغ مخيبر قراءة صريحة وحادّة للوقائع الميدانية والقانونية، مؤكدًا أن الأدلة التي قُدّمت أمام محكمة العدل الدولية تُبيّن بوضوح وجود نية إبادية وأفعال إبادية تمارسها إسرائيل ضد سكان غزة. وقال إن الرد الذي قدّمته إسرائيل أمام المحكمة كان “خاليًا من أي مضمون قانوني” وموجّهًا للاستهلاك الإعلامي الغربي أكثر من كونه دفاعًا يستند إلى القانون الدولي.
وانتقد مخيبر بشدّة قرار مجلس الأمن رقم 2803، واصفًا إياه بأنه “أكبر خيانة للشعب الفلسطيني” منذ عقود، لأنه جاء – على حدّ قوله – لعرقلة الزخم القانوني الدولي المتجه نحو محاسبة إسرائيل. وأضاف أن النظام الدولي “يفقد مصداقيته أمام أعين العالم” بسبب استمرار التعامل مع إسرائيل باعتبارها دولة فوق القانون، محميةً بتحالفات سياسية تتيح لها الإفلات من المحاسبة.
وأشار مخيبر كذلك إلى أن الصهيونية، بوصفها أيديولوجيا سياسية، تقوم على بنية عنصرية واستعمارية ينبغي مواجهتها بشكل مباشر، مؤكدًا أن أي حل سياسي لا يقوم على المساواة الكاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو “حل محكوم عليه بالفشل”. كما تطرّق إلى القيود المتزايدة على حرية التعبير داخل الولايات المتحدة، قائلاً إن التعديل الأول يجري “تفريغه من مضمونه” لحماية إسرائيل ومنع انتقادها، وهو ما يؤدي إلى قمع المنظمات، والطلاب والصحفيين والنشطاء.
من جانبها، قدّمت نورة عريقات تفكيكًا قانونيًا معمّقًا للكيفية التي صُمّم بها النظام القانوني الدولي تاريخيًا ليمنح إسرائيل استثناءً دائمًا من القواعد التي تُطبَّق على بقية دول العالم. وأوضحت أن هذا الاستثناء يعود جذوره إلى فترة الانتداب البريطاني، حين كان الدعم للمشروع الصهيوني يجري رغم مخالفته الصريحة للقانون، ليُعاد إنتاجه لاحقًا داخل بنية النظام الدولي.
وأكدت عريقات أن الصهيونية ليست مجرد حركة سياسية، بل مشروع استعماري عنصري توسّعي يجب تسميته بدقّة. وانتقدت التردّد في استخدام مصطلحات فلسطينية أصيلة – مثل النكبة بوصفها جريمة مستمرة – لصالح استعارة مفاهيم “الفصل العنصري” أو “الإبادة” من تجارب أخرى، معتبرة أن الحالة الفلسطينية تمتلك بنيتها القانونية التحليلية الخاصة التي لا تحتاج إلى استعارة نماذج خارجية.
وتحدثت عريقات عن دور الشركات الخاصة العالمية التي أسهمت في الإبادة، مشيرة إلى أن إبادة غزة هي أول إبادة عالمية تشارك فيها شبكات واسعة من الشركات عبر تزويد إسرائيل بالسلاح والتقنيات والخدمات اللوجستية. ودعت إلى بناء استراتيجيات قانونية تستهدف هذه الشركات، معتبرة أن خلق تكلفة اقتصادية على الجهات المتورطة يشكّل ركيزة أساسية في مسار إنهاء الإفلات من العقاب.
وشددت عريقات على أن مساءلة إسرائيل لن تتم عبر القضاء وحده، بل عبر الجمع بين العمل القانوني والنضال الشعبي، لأن القانون – كما قالت – “لا يتحرك إلا عندما يفرض عليه الناس ذلك”. ودعت إلى إعادة بناء لغة فلسطينية قانونية واضحة، تربط بين النكبة المستمرة، والاستعمار الصهيوني، والإبادة الجارية.
اختتمت الندوة بتأكيد مشترك من المتحدثين على أن اللحظة الحالية تمثل فرصة تاريخية لإعادة فتح ملف المساءلة الدولية، شرط أن تترافق الجهود القانونية مع ضغط سياسي وشعبي واسع قادر على مواجهة منظومة النفوذ الدولي التي تحمي إسرائيل. ورأى كل من مخيبر وعريقات أن بناء مستقبل قائم على العدالة للفلسطينيين يتطلب تفكيك الاستثناء القانوني الذي تتمتع به إسرائيل، ومواجهة البنية الأيديولوجية والسياسية التي تتيح استمرار الجرائم.
























