عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الإثنين 7 فبراير/شباط ندوة عبر الإنترنت، حول تصاعد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بالاستيطان والتهجير وهدم المنازل، بمشاركة عدد من الأكاديميين والنشطاء والقانونيين الدوليين وممثلين عن المتضررين من الشعب الفلسطيني.
شارك في الندوة نيكولاس سكوايرز – محامي بريطاني ومحاضر سابق في جامعة كوفنتري، جيمس زغبي- رئيس المعهد العربي الأمريكي، والأكاديمي رالف وايلد- الأستاذ المشارك في كلية الحقوق بجامعة لندن، والدكتور والدكتور بلال الشوبكي- رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، والدكتورة شهد أبو سلامة- الكاتبة والناشطة النسوية الفلسطينية، وإيمي شعلان- المدير المشارك لمؤسسة مكان ومقرها بريطانيا، والدكتور خالد صفوري- رئيس مؤسسة National Interest ومقرها واشنطن العاصمة.
كما شارك الندوة المواطن الفلسطيني محمود صالحية، من أهالي حي الشيخ جراح بالقدس، والذي تعرض منزله ومنزل عائلته للهدم في يناير/كانون الثاني المنصرم، حيث قامت بلدية الاحتلال بهدم المنزل دون وجود قرار من المحكمة، حيث كان القرار ينص على إخلاء المنزل وليس هدمه، لكن الاحتلال قام بالهدم واعتقال الذكور من العائلة، ثم الإفراج عنهم بعد أيام مع فرض غرامة وإجبارهم على الإبعاد عن الحي لمدة 30 يوماً.
بدأ جيمس زغبي الندوة بمشاركة تحليله للتغييرات في المواقف العالمية عموما والأمريكية على وجه الخصوص تجاه القضية الفلسطينية، قائلاً “هناك تغييراً إيجابيا في الوعي يتطور ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن على مستوى العالم، خاصة بين الشباب، وبين الشعوب الأوربية”.
وتحدث زغبي في كلمته عن تصاعد العنصرية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين لافتاً أن إسرائيل تعمل على إقامة مناطق كاملة لليهود فقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة بدون أي تواجد فلسطيني، وهو أمر أصبح له ردود فعل مختلفة -عن الماضي- حول العالم.
وأوضح زغبي أن “هناك خطة للاستيلاء على مناطق استراتيجية من الأرض لتشكيل سيطرة يهودية على أرض فلسطين”، متابعاً “لم تهدف فكرة التشجير إلى تجميل المنطقة أو جعلها خضراء، بل كانت لمحو وجود الفلسطينيين في تلك المناطق…. القرى التي دمرت في النكبة وفي أعقاب النكبة هي المناطق التي زرعت كغابات”.
الدكتور رالف وايلد، في تحليله للوضع القانوني الدولي فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، علق قائلاً: “افترض المجتمع الدولي أن حق تقرير المصير [للفلسطينيين] لا يمكن تحقيقه إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام؛ في الواقع، وفقًا للقانون الدولي، هذا ليس صحيحاً…. هناك أساس قانوني لإنهاء فوري للاحتلال من خلال تطبيق القوانين المختصة بالتعامل مع الدول التي تستخدم القوة ضد دول أخرى “.
وأكد وايلد أنه “إذا تم تطبيق القانون الدولي كما يجب سيتحرر الفلسطينيون…. يعود عدم تحرير فلسطين حتى الآن إلى انتهاك القانون مع تمتع إسرائيل بالإفلات من العقاب”.
كما شدد وايلد على أنه من خلال التحليلات فإن “احتلال فلسطين غير شرعي وعدواني، ويشكل جريمة في القانون الدولي”.
من جانبه، نقل المواطن الفلسطيني محمود صالحية تجربته الشخصية في مواجهة عنصرية الاحتلال الإسرائيلي، وتحدث عن معاناته ومعاناة عائلته مع المحاولات الإسرائيلية المستمرة لطردهم من المدينة، أو ممارسة “التطهير العرقي” ضد الوجود الفلسطيني عامة من القدس -على حد وصفه، حيث تحدث عن قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم منزله فجرا دون انتظار انتهاء القضية التي قام برفعها أمام المحكمة العليا، وأنه لم يتمكن من الانتصاف القانوني أمام أي جهة قضائية أو إدارية.
وأضاف صالحية أن نحو 15 شخصاً من أفراد عائلته أصبحوا الآن بلا مأوى بعد هدم المنزل بحجة بناء مدرسة، فضلاً عن العشرات الآخرين الذين يُجبرون على هدم منازلهم بأيديهم.
كما تحدث صالحية عن انتهاكات المستوطنين ضدهم، حيث تسمح لهم قوات الاحتلال بمداهمة المنازل والاعتداء على أهاليها تحت حماية من جنود الاحتلال.
أما الدكتور بلال الشوبكي، شرح في كلمته كيف سعت سياسات إسرائيل في القدس -على مر العقود الماضية- عمداً إلى فصل الفلسطينيين الذين يعيشون داخل المدينة عن سكان المدن المحيطة بها، ولتقليل الوجود الفلسطيني في المدينة نفسها، من خلال هدم المنازل ومنع الاستثمار، من بين ممارسات أخرى.
وشدد الشوبكي على أنه “من الضروري للغاية تسليط الضوء على الخطط التي تروج لها الحكومات الإسرائيلية كل عام لمواصلة السيطرة على الأراضي الفلسطينية وخاصة القدس”.
وأوضح الشوبكي أنه “بعد إقامة جدار الفصل العنصري، نجحت إسرائيل في فصل 140 ألف فلسطيني خارج حدود القدس”، مشيراً أن الاحتلال يسعى جاهداً لتحويل القدس “من مدينة تاريخية لها قدسية إلى مدينة صناعية”.
ولفت إلى أنه في أواخر ستينيات القرن الماضي “بعد بناء 15 مستوطنة حول القدس، حقق الاحتلال هدفين رئيسيين، الأول: السيطرة على منطقة جديدة حول القدس، والثاني: فصل المجتمع الفلسطيني في القدس عن المجتمع الفلسطيني خارجها، ما يعني أن يفقد الفلسطينيون في القدس مركزية هذه المدينة في تاريخ فلسطين”.
إيمي شعلان وشهد أبو سلامة تحدثا عن الضغوط المتزايدة على فلسطينيو الخارج أبناء وأحفاد الذين هُجروا من أراضيهم بعد النكبة، وناقشا التحديات التي تواجه المتضامنين مع القضية الفلسطينية في بريطانيا.
في كلمتها، ركزت إيمي شعلان على الضغوط الأخيرة التي تُمارس على المؤسسات المختلفة، لا سيما التعليمية، لتبني تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) لمعاداة السامية، وهو تعريف مناهض للفلسطينيين وقضيتهم، ولفتت إلى أنه يتم الخلط بين معاداة السامية، وبين معاداة الصهيونية التي يُرتكب بسببها الانتهاكات والجرائم ضد الفلسطينيين.
وتابعت “لم تكتف بريطانيا بتكثيف جهودها على الساحة الدولية، حيث تبنت نهجاً رجعياً تجاه المنصات التي قد تتاح للفلسطينيين فيها فرصة لتأكيد حقوقهم، مثل مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، ولكن أيضاً من خلال سياساتها الداخلية في التعامل مع قضيتنا”.
وأضافت “يطرح دعم الحرية الفلسطينية وتقلص المساحة المتاحة لها في الخارج أسئلة جدية -يحب عدم تجاهلها- حول حرية التعبير والتعبير السياسي”.
وأكدت أنه “في حين أنه من الصعب ألا تشعر بالإحباط من نهج السياسيين البريطانيين البارزين، يجب أن نعترف أيضاً علامة على نجاح النضال من أجل الحقوق الفلسطينية حيث يستخدم المزيد من الناس ومنظمات حقوق الإنسان مصطلحات الفصل العنصري والاستعمار لوصف قمع إسرائيل للفلسطينيين”.
وفي مشاركتها أكدت الناشطة والصحفية الفلسطينية شهد أبو سلامة على مشروعية الحقوق التي ينادي بها الفلسطينيون حول العالم، حيث قالت “الإسرائيليون ماهرون جداً في التلاعب بالحقائق، لكن قضيتنا عادلة ومطالبنا مشروعة… ما نطالب به حقوق أساسية: نريد الحرية والعدالة والمساواة والعودة إلى أراضينا “.
ولفتت أبو سلامة إلى ما أطلقت عليه “الضغط الصهيوني” على المجتمع، حيث كلفها انتقادهم تعليق عملها في جامعة شيفلد هالام في المملكة المتحدة، قبل أن تتراجع الجامعة عن القرار وتسمح لها بالعودة مرة أخرى.
وأكدت أبو سلامة “إذا كان العالم حقاً مناهضاً للعنصرية، عليهم دعم سعي الفلسطينيين للحرية والعدالة، عليه أن يدعم مقاومتنا للحصول على مطالبنا، والانضمام إلينا في كفاحنا لتحقيق ما نسعى إليها”.
الدكتور خالد صفوري أشار في كلمته إلى تصاعد التضامن الدولي بشكل كبير مع القضية الفلسطينية، وتزايد الوعي العالمي بما يتعرض له الفلسطينيون من انتهاكات، مشيراً إلى أنه في حين أن تغطيات وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية للقضية الفلسطينية كانت نادرة بصورة كبيرة على مر السنوات الماضية، فإن تغطية العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2021.
وقال “إن حقيقة عدم نشر تقرير منظمة العفو عن اعتبار إسرائيل دولة فصل عنصري في أي صحيفة، يعطي مثالاً على كيفية تغطية وسائل الإعلام في الولايات المتحدة للقضية الفلسطينية… يُقتل الفلسطينيون طوال الوقت، لكن لا يتم تغطيتهم في وسائل الإعلام الأمريكية. عندما يُقتل مستوطن إسرائيلي أو يُجرح، تقوم وسائل الإعلام بتغطية الخبر بكثافة”.
لكنه أكد أن “المواقف المتغيرة لمختلف مجموعات حقوق الإنسان الدولية في التعاطي مع ما يحدث، تشير إلى تغير إيجابي بالنسبة للقضية”.