الإصلاحات التي أعلن عنها محمد بن سلمان جاءت مصحوبة بحملة عسكرية وحشية في اليمن وقمع للمدافعين عن حقوق الانسان والحرية السياسية داخل المملكة
المملكة استخدمت قانون مكافحة الإرهاب لسجن المطالبين بالإصلاح
موجة الاعتقالات التي بدأت في سبتمبر 2017 مستمرة حتى الآن مصحوبة بعمليات تعذيب واختفاء قسري
على المجتمع الدولي إعادة النظر في علاقاته بدولة عملت على إعاقة التقدم في مجال حقوق الإنسان في الشرق الأوسط والعالم وليس تعزيزه
عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا بتاريخ 03 يوليو/تموز 2018 ندوة على هامش الدورة الثامنة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تحت عنوان “عام من الخداع والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في المملكة العربية السعودية”.
المتحدثون في الندوة هم – نيكولا فيجا تالامانكا، أيدن أليس، كوكلي باندي، جوناثان ووربويز، هالة الدوسري – الخبراء في شأن الاعتقالات في المملكة العربية السعودية، وسلطت الندوة الضوء على الحوادث التي حصلت على مدار العام الماضي إثر وصول ولي العهد محمد بن سلمان الى السلطة، أدار الندوة المحامي رودني ديكسون المشارك في كتاية تقرير مع المدعي العام البريطاني السابق اللورد ماكدونالد : “مغلف بالسرية: وضع حقوق الانسان في المملكة العربية السعودية ، الاعتقالات في سبتمبر/أيلول 2017”.
بدأت الندوة بعرض نظرة عامة حول الاعتقالات في المملكة العربية السعودية من قبل نيكولا فيجا تالامانكا، الأمين العام لمنظمة حقوق الانسان “لا سلام بدون عدالة” والذي أشار في حديثه إلى أن وضع حقوق الانسان في المملكة العربية السعودية يمر بمرحلة تغيير هامة، موضحا أن المملكة العربية السعودية هي عضو في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ويبدو أنها مهتمة أكثر بصورتها في مجال حقوق الانسان منذ بداية فترة محمد بن سلمان في السلطة.
وأضاف “يتزامن هذا التحول في القيادة في هذا السياق، مع محاولات دفع أجندات أكثر تحرراً في المملكة العربية السعودية، وقد قام محمد بن سلمان بزيارة كلاً من لندن وواشنطن لتعزيز “رؤية 2030″ـ خطة الإصلاح المعلن عنها في المملكة العربية السعودية من خلال التغيير الاقتصادي والاجتماعي- حتى الآن منح بن سلمان المرأة الحق في القيادة وقدم جوانب اجتماعية في محاولة لإعادة توجيه المملكة نحو الغرب”.
وأردف قائلا “وبالرغم من ذلك ففي واقع الأمر فان إصلاحات بن سلمان كانت مصحوبة بحملة عسكرية وحشية واجرامية في اليمن وقمع للداعمين لحقوق الانسان وللحرية السياسية في داخل المملكة.
وأوضح نيكولا أنه “في كثير من الأحيان تستخدم ذريعة محاربة الإرهاب من قبل الغرب والاعلام الغربي كسبب لقبول الممارسات الغير شرعية المصاحبة لحملة الإصلاح التي يقوم بها بن سلمان، ومن الهام في هذا السياق فهم الوضع في المملكة العربية السعودية والنظر له بشكل موضوعي، ودون تبرير للممارسات الغير شرعية التي تقوم بها المملكة بحجة الإصلاحات المقترحة، لأنه في الواقع فإن العديد من المدافعين عن حقوق الانسان والناشطين في المملكة ينتظرون ويواجهون المحاكمات، لمجرد تحدي سجل حقوق الإنسان السعودي أو المطالبة السلمية للحقوق الأساسية”.
وأضاف نيكولا “لتبرير اعتقال هؤلاء الأفراد فان المملكة تستخدم قانون محاربة الإرهاب وهذا في أساسه مشكلة”، ووفقاً لما ذكره نيكولا، نقلاً عن مقرر الأمم المتحدة الخاص: ” إن المملكة السعودية تستخدم بشكل ممنهج، قوانين محاربة الإرهاب لتبرير تعذيب المعتقلين ولسجن المدافعين عن حقوق الإنسان، “يشمل الاعتقال استخدام وسائل التعذيب كالصدمات الكهربائية والحرمان من النوم والحبس الانفرادي على سبيل المثال وليس الحصر لأساليب القمع المستخدمة، وفي ظل اغلاق السبل السلمية للمحاكمات وعدم وجود محاكمات لأولئك الذين يقومون بالإقدام على الممارسات القمعية فإن الوضع بدأ بالتفاقم، ومع استخدام اعترافات المعتقلين تحت التعذيب كأدلة، فان النظام يمارس ثلاثة أخطاء أساسية: الاعتقالات التعسفية، استخدام التعذيب، واستخدام الاعترافات التي تم الحصول عليها تحت التعذيب”.
وذكر نيكولا أنه “علاوة على ذلك فإن الانتهاكات الداخلية لحقوق الإنسان في المملكة امتدت إلى ممارساتها الخارجية، مثال على ذلك الحملة ضد اليمن، وفي دراسة قريبة للجنة التابعة للأمم المتحدة خلصت إلى أن المملكة العربية السعودية استهدفت “سوقًا ليليًا وخمسة مبانٍ سكنية وموتيل”، مما أدى إلى مقتل 157 مدنًيا”.
واختتم نيكولا كلمته أن “هذه الممارسات هي ممارسات قمعية وتمثل اعتداءات سافرة على قوانين حقوق الإنسان بالرغم من أن المملكة العربية السعودية ملزمة بالميثاق العام لحقوق الانسان والقوانين الدولية المتعارف عليها، وبالنظر الشامل إلى درجة الانتهاك من قبل السعودية العربية فإن العالم لا يمكنه الجلوس والتفرج وإنما عليه اتخاذ الاجراءات اللازمة، على سبيل المثال إخراج المملكة العربية السعودية من مجلس حقوق الانسان حيث ستؤدي هذه الخطوة إلى الضغط على المملكة ودفعها لأن تغير بشكل جذري ممارساتها”.
تبع ذلك حديث أيدن إليس ـ المحامي ـ عن موجة الاعتقالات الأخيرة في المملكة العربية السعودية حيث أبدى ملاحظته على أنه بالرغم من أن عدداً من الوكالات التي أبلغت عن عمليات الاعتقال حددت عدد المعتقلين بحوالي عشرين شخصاً، إلا أن التقرير عن موجة الاعتقالات يخلص إلى أن الرقم الحقيقي يبلغ نحو ستون شخصاً، وفي ضوء ذلك، فقد تم حجب عدد المعتقلين بسبب العقوبات المحتملة التي ينطوي عليها تعليق العامة على تلك الاعتقالات.
وفيما يتعلق بالمعتقلين، فقد أشار أيدن إلى أن السلطات لم تقدم سبباً للاعتقال وأن هؤلاء المعتقلين تعرضوا للنمط المألوف المتمثل في التعذيب وسوء المعاملة، ونظراً لعدم توفر معلومات ملموسة عن وضع هؤلاء الأفراد، فإن المملكة العربية السعودية تتصرف ضد الالتزامات الدولية التي ينبغي عليها اتباعها، والتي نصت عليها المادة 14 من الميثاق العربي، التي وقعت عليه المملكة العربية السعودية حيث جاء فيها “ينبغي إبلاغ أي شخص يُعتقل في وقت اعتقاله بأسباب إلقاء القبض عليه”، “يحق له الاتصال بأفراد أسرته، ويكون له الحق في طلب فحص طبي… وأي شخص يتم اعتقاله أو احتجازه بتهمة جنائية، يجب عرضه على وجه السرعة أمام القاضي”.
كما أشار أيدن إلى أنه نظرًا لعدم وجود خيارات لاتخاذ خطوات ملاحقة المملكة العربية السعودية، فإن مجموعة عمل الأمم المتحدة المعنية بالاعتقال التعسفي هي إحدى الخيارات البارزة التي يمكن بحثها.
المحامية كوكولي باندي ركزت في كلمتها على تقرير الاعتقال في المملكة العربية السعودية الذي كتبه المقرر الخاص بن إيميرسون، وأشارت كوكولي إلى أن إميرسون، في تقريره، الذي استند إلى زيارة للمملكة، وجد قضايا محددة في قانون 2014 بشأن الإرهاب والجرائم وتمويلها، كان هذا القانون إشكاليا، وفقا لإمرسون، في أن طبيعته الواسعة تعني أن أي شخص “يتحدى سلطة أو سياسات الدولة يمكن أن يكون معرضاً لاعتباره إرهابي”، والأكثر من ذلك، فإن المحاكمات التي تجري في المحكمة الجنائية (المتخصصةSCC) لأولئك الذين قضت بأن تصرفاتهم فيها انتهاك لقانون مكافحة الإرهاب” كانت في جوهرها غير عادلة وجرت تحت سرية تامة”، وتزعم الحكومة السعودية، في هذا السياق، أن سبب قانون الإرهاب وقمع الأفراد هو نتيجة العقود الثلاثة الأخيرة والهجمات الإرهابية التي نفذت على الأراضي السعودية، فيما أكدت كوكلي أنه “في الأساس، وجد المقرر الخاص أن القوانين السعودية المتعلقة بالإرهاب لا تمتثل للمعايير الدولية، لا سيما فيما يتعلق بالمادتين 1 و3 من قانون 2014”.
وأشارت كوكولي إلى أنه بدلاً من العمل على معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، قامت المملكة بتوسيع القانون ليشمل المزيد من انتهاك الحقوق المدنية والسياسية المحمية دوليًا، ومن الحالات التي تسلط الضوء على طبيعة النظام، هي قضية وليد أبو الخير، الذي حكمت عليه المحكمة الجنائية العليا بالسجن لمدة 15 سنة بعد إدانته “بعصيان الحاكم، والسعي إلى إزالة شرعيته، وإهانة السلطة القضائية، وإنشاء منظمة غير مرخصة تضر بسمعة الدولة، وأضافت “أن النمط الذي ظهر في مواجهة وليد وغيره لا يتماشى مع المعايير الدولية وأن مثل هذه الأعمال تمثل انتهاكًا للقانون الدولي ولحقوق الإنسان”.
وتحدث المحامي جوناثان ووربويز عن الإجراءات التي يمكن اتخاذها داخل هيئات الأمم المتحدة والولايات القضائية المحلية لمكافحة ومعالجة المظالم التي تسببها ممارسة السعودية للاحتجاز التعسفي والتعذيب، وذلك من خلال: 1) الهيئات الدولية، 2) القانون القضائي المحلي 3) آليات جديدة ومبتكرة. وفي التعامل أولاً مع الهيئات الدولية، أشار جوناثان إلى أنه نظراً لأن السعودية ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية(ICC) ، فإن الفرص محدودة نوعاً ما، إلا أنه مع ذلك فإن الفرص متاحة من خلال مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة. وبالانتقال إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإن إحدى وسائل متابعة هذه المسألة هي من خلال هذه الهيئة ويمكن اعتبارها من ناحية امكانية تقديم الشكاوى والإحالات إلى مجموعات العمل التي تتناول قضايا احتجاز محددة.
وأضاف أن “هذا كان مفيدًا في توثيق المعلومات الواقعية عن الوضع في المملكة بالإضافة إلى مساعدة تحقيقات المقرر الخاص، وهذا من شأنه أن يولد توصيات مهمة يمكن للمنظمات غير الحكومية والدول أن تستمع إليها”.
وفيما يتعلق بالجمعية العامة للأمم المتحدة، لفت جوناثان إلى أنه في سياق الاحتجاز التعسفي، يتمثل أحد الخيارات هي تعليق عضوية المملكة العربية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهناك سابقة موجودة بشأن التعليق – كما هو الحال في حالة ليبيا – وهذا سيكون وسيلة قوية لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والدفع تجاه التغيير.
وبالانتقال إلى إمكانات تحقيق العدالة من خلال آليات الولاية القضائية المحلية، أشار جوناثان إلى أن مثل هذه الآليات “يصعب تحقيقها في الممارسة الواقعية”، وعلى الرغم من ذلك، فإن لدى الدول الأخرى خيار تقديم الأفراد للعدالة وهذا الخيار يرسل رسالة قوية إلى كل الدول بأن مرتكبي التعذيب سيحاسبون ويواجهون العدالة، بالإضافة إلى ذلك، تتمثل آلية المساءلة الأخرى في “مبدأ الشخصية السلبية” يشير هذا المفهوم إلى فكرة الولاية القضائية من قبل الدولة على الأفعال التي يرتكبها مواطنون أجانب في الخارج.
وتناولت المتحدثة الأخيرة، الناشطة السعودية، هالة الدوسري، نظام الحكم في المملكة العربية السعودية والصعوبات في الحراك حوله، وأشارت إلى أن المملكة، نظراً لنظامها الملكي، تعمل من خلال حكم الرجل الواحد حيث أن النظام لديه القدرة على إصدار أي قانون يريده عن طريق المرسوم الملكي، فلا تكاد توجد سيادة للقانون، حتى الالتزامات الدولية للمملكة العربية السعودية، يتم تجاهلها في هذا الضوء، وهذا يخلق مناخًا اجتماعيًا صعباً حيث المساحة الوحيدة التي يتم فيها توضيح المظالم والتواصل مع الآخرين هي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الفضاء يتعرض للرقابة بشكل متزايد لأنه “يتم السيطرة عليه من قبل حسابات وسائل الإعلام الرسمية ووكلاء الدولة” وفي المقابل، يتم الآن استهداف المزيد من المدونين والناشطين، وتشويههم ومن ثم اعتقالهم بسبب كتاباتهم ووجودهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتحدثت هالة أنه كان العديد من المعتقلين في موجة الاعتقالات في سبتمبر/ أيلول 2017: “أصوات ناشطة في الحد من نفوذ المؤسسة الدينية الرسمية وشرعيتها”، ومن الأمثلة البارزة على ذلك، عبد الله المالكي، وهو عالم ديني مستقل كان صوتًا أساسياً في التعليق على النظام السعودي، والذي تم تصنيفه على أنه “متشدد” من قبل النظام، وهو أبعد ما يكون عن كونه متشدداً، فهو معلم للمجتمعات وساهم في رفع الوعي حول “وجهات النظر التعددية للإسلام”.
وتحدثت هالة عن عملية الإصلاح في المملكة العربية السعودية والتي سوقتها المملكة للغرب بأنها “ضرورية لتحقيق أهداف اقتصادية للمملكة العربية السعودية”، اضطرت المملكة العربية السعودية لها، حيث تواجه انخفاضا في قدرتها على الوصول إلى الإيرادات، حيث ترتبط استمرارية الدولة بشكل كبير باستثمارات القطاع الخاص والحد من الاعتماد على الدولة، ولكي يحدث هذا ولتحقيق نتائج ملموسة، يجب أن يكون هناك، أصوات أكثر للأفراد في عملية صنع القرار، إلا أن نوع الإصلاحات في مواجهة التغيير الاجتماعي الذي تدفعه الحكومة هو الإصلاح على نطاق دقيق للغاية، ومن عجيب المفارقات، أن حملة الدعاية من أجل التغيير الذي تم سنه الآن، مثل الحق في قيادة النساء، يتم احتجاز الأفراد الذين كانوا وراء ذلك بسبب محاولتهم رفع الوعي وتشجيع التغيير في نفس القضايا التي تم تغييرها الآن من قبل الحكومة.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تدعو المجتمع الدولي إلى التحرك من أجل كبح جماح انتهاكات ولي العهد السعودي لمنظومة حقوق الانسان داخل المملكه وخارجها .
كما تدعو المنظمة المجتمع الدولي إلى الكف عن الإذعان لانتهاكات السلطات السعوديه الداخلية والخارجية على السواء، وتطالب بالإفراج عن جميع سجناء الرأي.