عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الاثنين 08 أبريل/نيسان 2024 ندوة بعنوان “أوقفوا تسليح الاحتلال الإسرائيلي.. احموا العاملين في المجال الإنساني” لمناقشة مسؤولية المجتمع الدولي في وقف تسليح إسرائيل وضمان حماية جميع العاملين في المجال الإنساني في ضوء الهجوم الوحشي الأخير الذي استهدف 7 من عمال الإغاثة داخل غزة، تابعين للمطبخ المركزي العالمي.
أدارت الندوة الناشطة البريطانية إنسيا راجا، بحضور نخبة من الأكاديميين والمدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم، من بينهم كريس غونيس- المتحدث السابق باسم الأونروا، ود. لولا بانون- أستاذة الصحافة في كلية الإعلام جامعة فالينسيا، والبروفيسور مايكل لينك – المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان بالأرض الفلسطينية المحتلة، ودياب أبو جهجه- رئيس حركة 30 مارس.
في مداخلته، سلط كريس غونيس، المتحدث الرسمي السابق باسم الأونروا الضوء على التناقضات العميقة وازدواجية المعايير الواضحة في سياسات حكومة المملكة المتحدة تجاه العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وخاصة في أعقاب الهجمات الإسرائيلية على عمال المطبخ المركزي العالمي الأجانب في غزة، حيث راح ضحيته 6 أجانب من بينهم ثلاثة بريطانيين.
انتقد غونيس حكومة المملكة المتحدة بسبب التحول الواضح في نهجها – الذي كان دافعه، كما يرى، مقتل مواطنيها – بينما تجاهلت المأساة واسعة النطاق المتمثلة في عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين، وعبر عن خيبة أمله من سياسة حكومته التي لم يحركها وقوع أكثر من 30 ألف مدني في فلسطين نصفهم من الأطفال على يد القوات الإسرائيلية، بينما تحركت لمقتل ستة أجانب.
ولفت غونيس إلى حقيقة أنه ما من منظمة إغاثية توجد في غزة إلا وبينها وبين القوات الإسرائيلية تنسيق دقيق، مؤكدًا أن القوات الإسرائيلية كانت على علم جيد بتفاصيل تحركات القافلة، ومعها الإحداثيات الدقيقة لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، مما يجعل القصف الذي استهدف القافلة تبدو بعيد كل البعد عن الصدفة. وقال إن هذا الحادث يجسد قضية أوسع تتعلق بالمساءلة والعدالة، والتي لم تثير جنونًا إعلاميًا في المملكة المتحدة فحسب، بل أثارت أيضًا نقاشًا حول حظر الأسلحة، والإمدادات العسكرية، والعلاقة الأوسع بين المملكة المتحدة وإسرائيل.
وكان رد الفعل داخل المملكة المتحدة كبيرًا، حيث دعت شخصيات بارزة ووسائل إعلام إلى إعادة تقييم الدعم العسكري الذي تقدمه المملكة المتحدة لإسرائيل. وأشار غونيس إلى مقابلة تليفزيونية أجراها أحد أعضاء حزب المحافظين، آلان دنكان، الذي انتقد تأثير الفصائل المؤيدة لإسرائيل داخل الحكومة، وحث على تعليق المساعدات العسكرية والمبيعات لإسرائيل، مضيفًا أن ذلك جاء وسط الكشف عن أن المستشارين القانونيين للمملكة المتحدة اعترفوا بانتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي من قبل إسرائيل، وهو اعتراف زاد من إلحاح الدعوات إلى إعادة تقييم السياسات.
كما سلط غونيس الضوء على الانقسام داخل حزب العمال البريطاني حول موقفه من فلسطين، مما يشير إلى تفكير أوسع في السياسة الخارجية للمملكة المتحدة وتأثيراتها على القانون الدولي والعدالة. من ناحية أخرى قال غونيس إن القرار الذي قام به رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بإقالة الضباط المتورطين في الهجوم على القافلة هو غير كاف لتحقيق المساءلة الحقيقية، مما يعكس التداعيات الأوسع على العدالة الدولية، ومفاوضات وقف إطلاق النار، ومشروعية الأعمال العسكرية.
وفي ختام كلمته، أعرب غونيس عن أسفه للتخفيض الكبير في مساعدات المملكة المتحدة للأونروا، ودعا إلى التزام ثابت بالمساءلة للجميع، وليس فقط المواطنين البريطانيين. وشدد على أهمية تذكر تضحيات عمال الإغاثة، وحث على إجراء تحقيق غير متحيز في كل حالة وفاة، مشددًا على مسؤولية المملكة المتحدة التاريخية ودورها في تعزيز العدالة والمساءلة على الساحة الدولية.
في كلمتها، ركزت الدكتورة لولا باعون على الوضع الإنساني الكارثي في غزة، والذي اتسم بالاستهداف الممنهج والقتل للمدنيين الفلسطينيين وعمال الإغاثة من خلال الضربات الإسرائيلية المتعمدة. وأشارت إلى حجم الدمار الهائل الناجم عن القصف الإسرائيلي الذي لم يتوقف منذ 6 أشهر، وسلطت الضوء على الحادث الذي راح ضحيته موظفو المطبخ المركزي العالمي كجزء من نمط أوسع من العنف ضد الجهود الإنسانية في المنطقة.
وبتسليط الضوء على الواقع المرير الذي يواجهه موظفو الأونروا، مع مقتل 196 من زملائهم من العاملين في مجال الإغاثة منذ بداية الحرب، كشفت بانون عن الخسائر الشخصية العميقة التي خلفها العنف الإسرائيلي على مجتمع عمال الإغاثة، الذي يتألف من الأطباء والمعلمين والمهندسين وغيرهم من الموظفين الأساسيين. وانتقدت التباين الكبير في اهتمام وسائل الإعلام والاستجابة السياسية لمقتل الضحايا الغربيين مقابل الضحايا الفلسطينيين، مما يشير إلى وجود تحيز غير إنساني في تصوير الفلسطينيين في روايات وسائل الإعلام الغربية.
وأشارت بانون إلى عدد الضحايا المروع، الذي فاق 32 ألف شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى عشرات القتلى من الصحفيين والعاملين في المجال الطبي، مشددة على أن هذا الرقم يؤكد الطبيعة العشوائية للقصف الإسرائيلي والحاجة الملحة إلى المساءلة. وانتقدت المعاملة الانتقائية للمجتمع الدولي ووسائل الإعلام للضحايا على أساس جنسيتهم، ودعت إلى الاعتراف العالمي بإنسانية ومعاناة جميع الأفراد الذين وقعوا في الحرب.
كما تطرقت كلمتها إلى ضرورة تعريض الجناة الإسرائيليين للمساءلة عن عشرات الآلاف من الأرواح التي زُهقت في هذه الحرب، خاصة الذين قُتلوا خلال تجمعهم لأخذ المساعدات الإنسانية، مؤكدة على الأثر النفسي لاستهداف العاملين في مجال الرعاية الصحية ومرافقها. وانتقدت بانون عدم وجود آلية دولية لحماية عمال الإغاثة الذين يقومون بتوصيل المساعدات الإنسانية وإنقاذ المدنيين، مشددة على أنه من المستحيل ألا تكون القوات الإسرائيلية على علم بهويات الأشخاص في المركبات المستهدفة، نظراً لتنسيق التحركات من خلال الأمم المتحدة.
ودعت بانون إلى صحافة عالية الجودة تلتزم بمعايير محددة، بما في ذلك إعطاء صوت للمصادر الأولية – وخاصة الفلسطينيين، الذين غالبًا ما يتم تهميش وجهات نظرهم وأصواتهم في التغطية الإعلامية، كما طالبت بسيادة الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وشددت على أن الاعتراف بإنسانية الضحايا أمر ضروري للعمل العادل، واختتمت بانون خطابها بالدعوة إلى وقف تصدير الأسلحة لإسرائيل وشددت على دور الصحافة في تعزيز تمثيل أكثر إنصافًا وعدالة للحرب.
في كلمته، أكد البروفيسور مايكل لينك على وجود رابط مشترك بين وقف تجارة الأسلحة مع إسرائيل وحماية العاملين في مجال المساعدات الإنسانية في غزة، مبينًا أنه بدون تسليح إسرائيل لن تتمكن من ارتكاب كل هذه الجرائم، كما سلط الضوء على مفارقة أخرى تحدث بسبب تسليح إسرائيل، مشيرًا إلى المساعدات الإنسانية الأمريكية التي يتم إسقاطها على غزة على خلفية الدمار الناجم عن القصف والعدوان الإسرائيلي، في وقت تقوم فيه الولايات المتحدة بتسليح إسرائيل وتقديم كل الدعم العسكري والمالي لها في هذه الحرب.
وأدان لينك مليارات الدولارات التي تم تحويلها إلى إسرائيل للحصول على مساعدات عسكرية من قبل دول شمال العالم، والتي قال إنها تدعم حرب الإبادة الجماعية ضد غزة. وانتقد العشوائية التي يتم بها إسقاط المساعدات بالمظلات والتي تتسبب في مقتل عشرات المواطنين الذين يحاولون الحصول على هذه المساعدات، لافتًا أن الطرق البرية أكثر أمانًا لكن إسرائيل فرضت عليها حصارًا ولم تستجب للمطالبات الدولية والقرارات الأممية بضرورة إدخال المساعدات.
ركزت تصريحات لينك على الطلب المتزايد من جانب المجتمع الدولي لحقوق الإنسان بوقف فوري وكامل لعمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، واستشهد بتصريحات أكثر من 40 من المقررين الخاصين للأمم المتحدة وخبراء حقوق الإنسان، والأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية ومحكمة الاستئناف الهولندية، التي تشير جميعها إلى الالتزامات القانونية والأخلاقية بوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بسبب استخدامها في ارتكاب إبادة جماعية وانتهاكات للقانون الإنساني الدولي.
وأشار لينك إلى الإجراءات الأخيرة، بما في ذلك تجميد كندا تصاريح تصدير الأسلحة الجديدة إلى إسرائيل وقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي يحث الدول على وقف مبيعات المعدات العسكرية إلى إسرائيل، وعلى الرغم من هذه التطورات، أعرب عن شكوكه بشأن استعداد كبار موردي الأسلحة مثل الولايات المتحدة للامتثال لهذه المطالبات، نظرا لترددهم التاريخي في تطبيق معايير حقوق الإنسان على إسرائيل.
في كلمته، تحدث دياب أبو جهجه، رئيس حركة 30 مارس، عن الخطوات القانونية التي تتخذها الحركة لإحالة الجناة الإسرائيليين للمساءلة الدولية، وتحدث عن استراتيجية قانونية جديدة في هولندا وبلجيكا، وقريباً في فرنسا، تستهدف الجنود مزدوجي الجنسية الذين هم مواطنون في هذه البلدان ويخدمون في الوقت نفسه في الجيش الإسرائيلي الذي يرتكب جرائم وحشية في غزة.
ولفت جهجه أن هذا النهج هدفه التحايل على تعقيدات الولاية القضائية الدولية والحصانة من خلال مساءلة هؤلاء الأفراد على المستوى الوطني لتورطهم في الفظائع والإبادة الجماعية في غزة.
وأشار إلى عدم كفاءة سبل التقاضي الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، مشددًا على الأهمية الاستراتيجية لمتابعة الإجراءات القانونية داخل الولايات القضائية الوطنية. ومن خلال استهداف مواطني الدول الأوروبية المتورطين في جرائم الجيش الإسرائيلي في غزة، سلط جهجه الضوء على أسلوب يتجاوز القيود الجيوسياسية ويركز على المساءلة المباشرة.
وأوضح جهجه الآليات القانونية في بلجيكا التي تسمح بإجراء تحقيق فوري من قبل المدعي العام بمجرد توجيه الاتهامات ضد هؤلاء الأفراد، مقارناً ذلك بالولايات القضائية الأخرى حيث قد تكون العملية أقل وضوحاً. وتتجذر هذه المبادرة التي تقودها حركة 30 مارس في مبدأ الاستفادة من القوانين الوطنية ضد مواطنيها الذين يشاركون في الأعمال العسكرية في غزة، وبالتالي تسهيل الطريق إلى المساءلة التي تتجنب مخاطر الإجراءات القانونية الدولية.
وقد أعدت الحركة عدة قضايا تتعلق بضحايا مباشرين من غزة ويقيمون الآن في بلجيكا، بهدف توجيه اتهامات ضد مواطنين بلجيكيين يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي. وقال جهجه إن هذا المسار القانوني يوفر طريقة عملية ومؤثرة لجلب النقاش إلى المحاكم الوطنية، حيث يتم تقليل التأثيرات الجيوسياسية إلى الحد الأدنى، وينصب التركيز بشكل مباشر على الجرائم المرتكبة.
وفي الختام، أكد خطاب جهجه على التزام الحركة باستخدام الأنظمة القانونية الوطنية كوسيلة فعالة لتحقيق العدالة لضحايا الإبادة الجماعية في غزة من خلال محاسبة المواطنين الأوروبيين على مشاركتهم في الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، وبالتالي المساهمة في الجهد الأوسع الذي تبذله المنظمات الدولية والسعي لتحقيق العدالة والمساءلة.