عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا الخميس 08 ديسمبر/كانون الأول 2022 ندوة إليكترونية حول شكوى تقدمت بها المنظمة عبر فريق قانوني يقوده البروفيسور وليام شاباس إلى المحكمة الجنائية الدولية حول الاعتداءات المنهجية على المسجد الأقصى التي يقودها سياسيون وعسكريون ومستوطنون في مسعى واضح لفرض واقع جديد تمهيدًا لبناء ما يسمى الهيكل، وقد أدار الندوة المحامي البريطاني ريس ديفيس بحضور برلمانيين وقانونيين ودبلوماسيين.
في كلمته الافتتاحية رحب السيد محمد جميل -رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا- بالحضور لافتًا إلى أهمية هذا الشكوى التي جاءت بعد عقود من الاحتلال الإسرائيلي تخللها جرائم وانتهاكات جسيمة ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى.
وأشار السيد جميل في كلمته إلى تفشي حالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها المسؤولين في الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما شجعهم على ارتكاب تلك الانتهاكات الوحشية دون خوف من ملاحقة إذ لم يتعرض أي من المسؤولين الإسرائيليين للمسائلة عن أي جريمة ارتكبت في الأراضي المحتلة.
وأوضح السيد جميل أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سواء من اليمين أو اليسار تصدر قرارات مستمرة تسمح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى والاعتداء على حرمته تحت حماية جنود الاحتلال الذين بدورهم يمارسون أبشع أنواع الانتهاكات ضد المسلمين عبر الاعتداء عليهم أو منعهم من الصلاة أو طردهم من المسجد، بالإضافة إلى إطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز عليهم.
وحذر السيد جميل من تصاعد الهجمات على المسجد الأقصى بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وتشكيل حكومة برئاسة نتنياهو المعروف بمواقفه المتطرفة هو وجماعته، خاصة وأن الدعوات لاقتحام الأقصى في يوم عيد الحانوكا الذي يوافق 12 ديسمبر/كانون الأول قد بدأت من الآن.
وأكد جميل في كلمته أن الشعب الفلسطيني غاضب من سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها الولايات المتحدة والغرب في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان، إذ يتمتع الإسرائيليون الذين ارتكبوا جرائم وحشية بحصانة مطلقة، بينما يتعرض الفلسطينيون للعقاب الجماعي والاعتقال والمحاكمة، لافتًا أن عدم تحرك المجتمع الدولي وانعدام الإرادة السياسية يشجعان الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب مزيد من الجرائم.
واختتم السيد جميل كلمته بدعوة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، التي تعتبر الوسيلة الوحيدة لتحقيق العدالة للفلسطينيين، لاتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق في القضايا المعروضة عليه.
وحول تفاصيل الشكوى، قال البروفيسور ويليام شاباس إن “الشكوى التي قُدمت صباح اليوم أمام مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية تتألف من 40 صفحة اعتمدت على مقاطع فيديو وصور من أرض الواقع وشهادات حية لشهود عيان ووثائق مختلفة عن المسجد الأقصى صادرة عن هيئات مثل اليونسكو والجمعية العامة للأمم المتحدة خلال السنوات الماضية”.
وأكد شاباس في كلمته أن الهدف من هذه الشكوى هو لفت انتباه المحكمة الجنائية الدولية إلى ما يحدث في المسجد الأقصى من أجل اتخاذ اللازم، مشيرًا أن المحكمة اتخذت قرارها قبل عام ونصف تقريبا بفتح تحقيق فيما يحدث في فلسطين من جرائم حرب، لكن حتى الآن لم يُتخذ إجراء حقيقي وفعال، وعليه جاءت هذه الشكوى كتذكير بما يجب فعله.
وأوضح شاباس أن هذه الشكوى تُعد اختبارًا لنزاهة المحكمة، إذ أنها تتمحور حول الاعتداءات على الأماكن المقدسة وحق المرء في ممارسة شعائره الدينية، لافتًا إلى ما حدث سابقًا في مالي وما فعلته المحكمة إبان الانتهاكات التي حدثت عام 2012 خلال الحرب الأهلية، مؤكدًا أن ما يتعرض إليه المسجد الأقصى يستوجب تحقيقًا عاجلًا كي تثبت المحكمة أنها ليست “محكمة الكيل بمكيالين”.
واختتم شاباس حديثه مشيرًا إلى الجرائم المتصاعدة التي يرتكبها المسؤولون الإسرائيليون بسبب ضمانهم عدم الملاحقة والإفلات من العقاب، موضحًا أنهم مسؤولون بشكل مباشر وغير مباشر عن عمليات التحريض على العنف وعلى الاعتداء على المسجد الأقصى والمصلين.
وفي مداخلته قال الشيخ عكرمة صبري -المفتي السابق للقدس- أن لهذه الشكوى أهمية كبيرة في الحفاظ على حقوق الفلسطينيين، لافتًا أنه على مدار عقود لم تتوقف انتهاكات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني لكن “مع الأسف لم يكن هناك أي تجاوب لحماية الأقصى أو حماية المصلين”.
وأكد الشيخ عكرمة صبري أن القوانين الدولية في نصوصها وتشريعاتها هي “سليمة وحضارية” لكن مع ذلك وفي حالة ما يتعرض له الفلسطينيون فإنها “بحاجة إلى قوة دولية فعالة لتنفيذها كي تتحقق العدالة”.
وأضاف الشيخ عكرمة صبري أن هناك قوى دولية تعرقل أي مساع قانونية تهدف لإيصال صوت الفلسطينيين إلى المنصات الدولية القضائية مثل المحكمة الجنائية الدولية، مشيرًا إلى الضغوطات دولية حالت كثيرا بين حصول الفلسطينيين على حقوقهم.
وتابع الشيخ عكرمة صبري أن العديد من الجرائم موثقة جيدًا بالصوت والصورة والتي تظهر تورط قوات الاحتلال في قتل الفلسطينيين العزل بدم بارد، مضيفًا “نأمل أن يصبح تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في مثل هذه الوقائع حياديًا ومستقلًا دون الرضوخ لأي ضغوط سياسية”.
وفي كلمتها أكدت النائبة الفرنسية سليمة ينبو عضو البرلمان الأوروبي أن هذا العام هو الأكثر دموية بالنسبة للشعب الفلسطيني بسبب العنف المتصاعد من الإسرائيليين.
وأشارت ينبو في كلمتها إلى زيارتها للقدس الشهر الماضي في مهمة رسمية والتي تعرضت خلالها إلى هجوم من قبل مستوطنين إسرائيليين، قائلة “استهدفونا بعنف… كان الأمر مرعبًا بالنسبة لي، لكن الأكثر رعبًا رغم أنني تمكنت من المغادرة بسلام هو أن هذا الواقع يعيشه الفلسطينيون بشكل يومي ولا يمكنهم النجاة منه”.
واختتمت سليمة ينبو كلمتها قائلة “ما يحدث في المسجد الأقصى هو مثال حي على ما يتعرض إليه الفلسطينيون على كافة الأصعدة والمستويات”. الكلمة الأخيرة كانت للسفير الأمريكي والدبلوماسي السابق بيتر دبليو جالبريث والذي أكد خلالها على أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي حكومة دموية، تمارس العنف ضد المدنيين الفلسطينيين بصفة منهجية ومتصاعدة”، لافتًا أن حكومة نتنياهو الجديدة تضم اليميني المتطرف إيتمار بن غفير الذي كان ينتمي يومًا لحركة باروخ غولدشتاين وهو إرهابي أمريكي إسرائيلي ومن أتباع كاهانا، قتل 29 من المصلين المسلمين أثناء صلاتهم في الحرم الإبراهيمي في عام 1994″.