عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة عبر الإنترنت مساء الأربعاء 15 فبراير/شباط 2023 حول تضاعف معاناة الشعب السوري في أعقاب أزمة الزلزال الأخيرة نتيجة تخاذل المجتمع الدولي في توفير المساعدات الإنسانية اللازمة في الوقت المناسب.
أدارت الندوة الباحثة في جامعة أوكسفورد “رُبى صليبي”، والتي بدأت كلمتها بتوجيه التعازي للشعبين السوري والتركي في ضحايا الزلزال المُدمر الذي ضرب المنطقة قبل نحو عشر أيام، مشيرة إلى أن الزلزال أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا بسبب تأخر استجابة المجتمع الدولي من جهة، وبسبب الحصار المفروض من قبل النظام السوري من جهة أخرى، لافتة أن تسييس المساعدات الإنسانية يساهم في تقويض حصول السوريين على حقوقهم الأساسية.
وأضافت “رُبى” أن العقوبات الغربية المفروضة على سوريا شكلت إحدى العقبات التي اعترضت إيصال المساعدات، لافتة أن الشعب السوري فعليًا هو من يدفع ثمن هذه العقوبات.
وأكدت “رُبى” أن عدم توفير المساعدات في الوقت المناسب يفضح التعاطف الانتقائي للمجتمع الدولي الذي يفضل أرواح شعوب معينة على أخرى، مشددة على أن المساعدات الإنسانية يجب أن تتوفر على أساس العدل والمساواة.
انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى نائب مدير هيئة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) فاروق حبيب، الذي بدأ كلمته بالتعبير عن صدمته وخيبة أمل السوريين من المعاملة غير العادلة والاستجابة غير المتوازنة لاحتياجات المتضررين من الزلزال في شمال سوريا.
وأضاف “حبيب” أن موقف الأمم المتحدة والوكالات الدولية المختلفة كان متخاذلًا بصورة أحبطت الجميع، رغم ذلك شدد على الحاجة الشديدة لتوفير المساعدات الإنسانية إلى جميع المتضررين أكثر من أي وقت مضى.
ولفت “حبيب” إلى أن انتظار الأمم المتحدة موافقة نظام الأسد وكذلك قرار مجلس الأمن على مرور المساعدات أمر غير مبرر ويؤثر سلبًا على حياة المتضررين من الزلزال، مشيرًا إلى أنه رغم أن العديد من الدول، لاسيما دول الجوار، تمتلك كافة الوسائل الممكنة لتقديم المساعدة على الفور، إلا أن استجابتهم لم تكن سريعة، ومات الكثيرون تحت الأنقاض بالرغم من أنه كانت توجد طرق لإبقائهم على قيد الحياة، “لكن كالعادة، تُركنا بمفردنا”.
رُبى صليبي وجهت سؤالًا إلى النائبة الفرنسية “سليمة ينبو” -عضو البرلمان الأوروبي- حول السُبل الممكنة التي يمكن من خلالها الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي على حد سواء إيجاد حلول فعالة لإنهاء معاناة الشعب السوري وتوفير المساعدات اللازمة لهم.
ردًا على السؤال، قالت النائبة “سليمة ينبو” إن الاتحاد الأوروبي والبرلمان كذلك يعملان على توفير اللازم من أجل إنقاذ الشعب السوري، لكن الأزمة التي تحول بين نجاح هذه المحاولات هي أنهم لا يريدون أي تعاون مع نظام الأسد يساعد في إضفاء الشرعية على تواجده، وبالتالي يتأخر الدعم.
وأضافت السيدة “ينبو” أن الوضع في سوريا كان معقدًا بالفعل وجاء الزلزال ليضاعف المعاناة، مشيرة إلى أن سوريا قبل الزلزال كانت تشهد قمعًا واسع النطاق وعنف لا محدود من قبل النظام السوري تسبب في مقتل 500 ألف شخصًا على الأقل حسب إحصاءات الأمم المتحدة ونزوح نحو 7 ملايين شخصًا.
ودافعت السيدة “ينبو” عن العقوبات المفروضة على نظام الأسد، مشيرة إلى أنها السبيل الوحيد للتصدي لقمعه اللامتناهي، لافتة إلى أن الدول المعنية تعمل جاهدة كي لا تُشكل هذه العقوبات أي عقبات أمام المساعدات الإنسانية للبلد التي دمرتها الحرب بسبب ممارسات النظام الذي استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه من جهة، والقصف الروسي الذي دمر البنية التحتية من جهة أخرى.
وأرجعت “ينبو” تأخر وصول المساعدات الإنسانية وقلتها إلى تجاهل بعض الدول تقديم اللازم من أجل إنقاذ الشعب السوري، مضيفة أن قلة المعابر المُتاحة حاليًا لمرور المساعدات -بسبب حصار روسيا ونظام الأسد- ساهمت في تفاقم الوضع، خاصة خلال الأيام الثلاثة الأولى التي كان بالإمكان إنقاذ المزيد من السوريين لو لم تتأخر المساعدات.
ولفتت “ينبو” إلى أن النظام السوري يسرق المساعدات المقدمة إلى المتضررين من الزلزال ويبيعها في الأسواق، مضيفة أن التحدي الأكبر الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي حاليًا هو كيفية تقديم المساعدات للشعب السوري دون العمل مع بشار الأسد والحفاظ على عزله وحرمانه من أي شرعية.
السفير الأمريكي السابق لدى سوريا “روبرت فورد” بدأ كلمته بالتشديد على ضرورة بذل جهدًا أكبر من قبل الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، من أجل تقديم المزيد من موارد المساعدات الإنسانية.
وقال “فورد” “يجب أن تتوقف الإدارة الأمريكية عن انتظار موافقة روسيا والصين على فتح مزيد من ممرات الوصول في سوريا، مضيفًا أن العواصم الغربية يجب أن تُدرك أن القانون الدولي يسمح لهم بتنحية المخاوف المؤقتة بشأن سيادة الدولة السورية جانبًا من أجل إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة المنقذة للحياة إلى سوريا دون قرار من مجلس الأمن”.
وتابع “فورد” أنه يجب على الإدارة الأمريكية التأكد من أن العقوبات المفروضة على سوريا لا تؤثر سلبًا على وصول المساعدات الإنسانية والطبية وفرق الإنقاذ إلى سوريا.
ودعا “فورد” الجهات المعنية بالعمل من أجل وقف الفساد المحيط بعمليات إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، كما دعا الدول الغربية بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، إلى مراجعة سياستها بشأن قبول اللاجئين السوريين بشكل عاجل، مشيرًا إلى أن الأعداد المسموح بها أقل بكثير من عدد النازحين.
واختتم كلمته بدعوة المجتمع الدولي بعدم التأخر في توفير المساعدات اللازمة للسوريين بغض النظر عن موقفه من نظام الأسد أو التعلل بأنه لا يحب نظام بشار، مضيفًا “لا أحد يُحب نظام الأسد لكن عرقلة قوافل المساعدات الإنسانية لأسباب سياسية أمر غير مقبول على الإطلاق.”
تحدث بعد ذلك المحلل الأمريكي والرئيس السابق للتحالف الأمريكي الشرق أوسطي لدعم الديمقراطية “توم حرب”، والذي بدأ حديثه بالتأكيد على أن الشعب الأمريكي على المستوى غير الرسمي يحاول مساعدة السوريين بكل الوسائل المتاحة، لافتًا أن المنظمات الخيرية والأفراد والكنائس لم يتوقفوا عن جمع التبرعات.
وطالب “حرب” بضرورة عقد اجتماع فوري في الأمم المتحدة للتأكد من تقديم المساعدات اللازمة للخوذ البيضاء على الأرض، وتوفير وتسهيل ممرات للوصول، كما طالب المجتمع الدولي بإرسال قوات خاصة لحماية المنقذين من الفصائل المختلفة وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين.
وتحدث “حرب” عن المفاوضات القائمة مع الحكومة اللبنانية من أجل السماح باستخدام مطارين في شمال لبنان لتسهيل وتسريع عملية إيصال المساعدات للسوريين.
وعبر “حرب” عن صدمته من موقف الدول العربية الذي وصفه بـ “المتخاذل”، قائلًا: “نشعر بخيبة أمل من تعامل الدول العربية مع الكارثة والأزمات الإنسانية التي واجهها الشعب السوري بسبب الزلزال، داعيًا الأنظمة العربية لاتخاذ إجراءات عاجلة لمساعدة الفرق المختلفة في عمليات الإنقاذ، وكذلك توفير مستشفيات متنقلة وخيام وأي مستلزمات أخرى.
واختتم “حرب” كلمته بالتأكيد على حق الشعب السوري في البقاء في أرضه آمنًا، مشددًا على أن ذلك مسؤولية المجتمع الدولي، محذرًا من ضرورة اتخاذ اللازم من أجل التأكد من أن النظام الإيراني لن يستغل الوضع من أجل تغيير التركيبة السكانية داخل سوريا.
السياسي التركي وأستاذ علم الاجتماع ياسين أقطاي بدأ كلمته بتقديم التعازي للشعبين السوري والتركي على ضحايا الزلزال الضخم الذي تسبب في كارثة إنسانية في البلدين، مشيرًا إلى أن الأزمة الإنسانية في سوريا ليست شيئًا جديدًا “للأسف”، فهي ممتدة منذ 12 عامًا، مضيفًا أن الوضع لم يكن أفضل بكثير أو حتى أسوأ مما فعله الزلزال.
وأضاف “أقطاي” أن النظام السوري يتحمل المسؤولية عن الوضع الراهن المعقد في سوريا، مدينًا رد فعل بشار الأسد على الكارثة “إنه أمر مخز للغاية.. عندما زار بشار الأسد أماكن الكارثة تصرف وكأنه في حفل زفاف، اعتلت الابتسامة وجهه وكان يلتقط صورًا بصورة استفزازية وكأنه ينتقم من الشعب السوري”.
وأشاد “أقطاي” بموقف الشعب السوري نفسه من الأزمة، قائلًا إنه “رغم وجود نقص في المساعدات الدولية، إلا أن السوريين ساعدوا أنفسهم لأن لديهم بعض الخبرة في مواجهة أزمات مماثلة بسبب القصف المستمر الذي يتعرضون إليه من قبل نظام الأسد وروسيا”.
وطالب “أقطاي” المجتمع الدولي بضرورة إيجاد حل سريع لمساعدة الشعب السوري دون انتظار قرار من مجلس الأمن، مضيفًا أن الولايات المتحدة والدول الأخرى ليس لديهم أي عذر أو مبرر للتباطؤ في تقديم المساعدات، مشددًا على أن تسييس التضامن الإنساني منع وصول المساعدات للمتضررين في سوريا.
نبيل خوري – المدير السابق لمكتب الاستخبارات والبحوث في وزارة الخارجية الأمريكية- بدأ كلمته بالإشارة إلى أن الأزمة الحالية تُشكل “ضربة ثلاثية” للشعب السوري، واحدة من الطبيعة، وأخرى من النظام السوري المستمر في حصاره وقمعه رغم المعاناة، والثالثة من النظام الدولي الذي فشل بصورة مخزية في الاستجابة السريعة للكارثة بسبب حسابات سياسية.
وأشار “خوري” إلى إخفاق الأمم المتحدة في التعامل بمهنية مع الأمر، مضيفًا أنه “مع ذلك، نعلم أنه من الصعب إصلاح سياسات الأمم المتحدة… مجلس الأمن التابع لها يُدار بواسطة خمس قوى كبرى، تمتلك كل منهم حق النقض وبالتالي يُمكن لأي جهة عرقلة وصول المساعدات”.
وأضاف “خوري” أن الأمم المتحدة تستطيع التدخل دون انتظار قرار من مجلس الأمن أو موافقة أي جهة من الخمسة الكبار، لافتًا أن الأمم المتحدة تأخرت ثمانية أيام كاملة لفتح ممر آخر للعبور، مشيرًا أنه خلال تلك الأيام كان من الممكن إنقاذ آلاف الأرواح، وكان من الممكن مساعدة آلاف آخرين في توفير الطعام والرعاية الطبية.
وسلط “خوري” الضوء على تعاطي النظام السوري مع الأزمة موضحًا أن نظام الأسد يعرف أن مرور المساعدات عبر دمشق يُشكل طريقة لاستعادة الاعتراف به وإعادته إلى المجتمع الدولي، لافتًا أن الروس يعملون بالفعل على مساعدة بشار الأسد ونظامه على استعادة الاعتراف الدولي به.
وأكد “خوري” أن المجتمع الدولي لن يتفق على قضايا معينة، لكن هذا يجب ألا يؤثر على تقديم المساعدات الإنسانية، مشددًا على ضرورة تحديد نقاط الوصول، داعيًا الأنظمة المختلفة أن تركز على ضمان وصول المساعدات عبر المعابر المختلفة بغض النظر عما إذا كانت خاضعة لسيطرة الأسد.
وأضاف خوري “إذا كان لدى الأمريكيين ودول أوروبا مخاوف أو تحفظات على التواجد بشكل مباشر في سوريا، يمكنهم توفير المساعدات عبر المنظمات والجمعيات الخيرية الناشطة في هذا المجال والتي تمتلك بالفعل قنوات اتصال مع المتضررين وفرق الإنقاذ هناك”.
واختتم “خوري” كلمته محذرًا من تفاقم الوضع واستمرار تأخر المساعدات، مشيرًا إلى أنه رغم فقدان آلاف الأرواح في سوريا بسبب الزلزال، فإن آلاف آخرين بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية الآن.
رائد صالح -مدير هيئة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)- سلط الضوء على العقبات والعراقيل التي واجهت فرق الإنقاذ أثناء التعامل مع هذه الكارثة التي فاقمت الوضع في سوريا، مشيرًا إلى أن حجم الدمار الذي خلفه الزلزال كان بحاجة إلى فرق إنقاذ وفرق طبية إضافية إذ أن قدرة الهيئة على الإنقاذ من تحت الأنقاض لم تكفي للتعامل مع الأزمة.
وأضاف “الصالح” أن المنطقة التي تعرضت للزلزال في سوريا تعاني بالفعل من تدمير في البنية التحتية وخصوصًا الخدمات الصحية والمعدات الطبية بسبب القصف والهجمات العسكرية.
وأضاف إلى أنه بالرغم من نقص المساعدات الدولية المقدمة إلينا، إلا أننا تمكنا من تحقيق تقدم ملحوظ في عمليات الإنقاذ بفضل الجهود الشعبية.
ولفت “الصالح” إلى أن “الشعب السوري لم يتأخر في تقديم ما يقدر عليه من معدات بناء وأموال للمساعدة في عمليات إنقاذ المتضررين من الزلال في الشمال السوري… الأطفال أيضًا لم يتأخروا في تقديم المساعدات، بعض الأطفال تبرعوا بمدخراتهم للمساهمة في أعمال الإنقاذ”.
واستنكر “الصالح” موقف الأمم المتحدة في الاستجابة للكارثة، مشيرًا إلى أن “الأمم المتحدة قدمت معلومات مضللة في بداية الأزمة، وبعد ذلك رفضت تقديم المساعدات إلا عن طريق معابر خاضعة لسيطرة بشار الأسد، في رسالة واضحة للمتضررين أنه لا ملجأ إليهم إلا النظام الذي تسبب في أزمتهم منذ البداية”.