يشهد قطاع غزة كارثة إنسانية متصاعدة في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال منذ أكتوبر 2023، والتي طالت كافة مناحي الحياة، لا سيما المنظومة الصحية التي باتت عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من احتياجات الجرحى والمرضى، وسط انهيار البنية التحتية ونفاد المستلزمات الطبية الأساسية.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة عن وجود نقص حاد وخطير في وحدات الدم بمستشفيات القطاع، في وقت يتزايد فيه عدد المصابين نتيجة تصعيد الاحتلال لهجماته الجوية والبرية، وتعجز المرافق الصحية عن التعامل مع هذا التزايد بسبب الاستنزاف الكامل لمواردها.
وأكدت الوزارة أن هذا النقص ناجم عن التزايد المستمر في أعداد الجرحى جراء عمليات القصف المكثف، إضافة إلى عجز المواطنين عن التبرع بالدم بسبب تفشي الجوع وسوء التغذية، في ظل الحصار الشامل الذي يمنع دخول الغذاء والدواء والوقود منذ مارس الماضي.
ودعت الوزارة إلى تدخل عاجل من قبل المجتمع الدولي لإدخال كميات كافية من وحدات الدم ومستلزماتها، محذّرة من أن حياة مئات الجرحى في خطر داهم، في ظل عجز المستشفيات المتبقية في القطاع عن مواصلة تقديم العلاج.
ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة الصحة في أبريل الماضي، فإن أكثر من 37 بالمئة من قائمة الأدوية الأساسية و59 بالمئة من المستهلكات الطبية غير متوفرة، مما يجعل المستشفيات عاجزة عن تقديم أبسط أشكال الرعاية الطبية، في ظل تدفق يومي للمصابين.
وفي تصعيد خطير؛ أطلق الاحتلال في 17 مايو الماضي عملية عسكرية حملت اسم “عربات جدعون”، أدت إلى موجات جديدة من القتل الجماعي بحق المدنيين، ودفعت أعداداً متزايدة من الجرحى إلى المستشفيات المتهالكة.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، أقدم الاحتلال على استهداف مباشر لمستشفيات القطاع ومنشآته الصحية، فأخرج معظمها عن الخدمة، ما أدى إلى حرمان آلاف الجرحى والمرضى من العلاج، وعرّض حياتهم للخطر، في وقت كان فيه يفترض أن تكون تلك المرافق ملاذاً آمناً.
وقد تسببت هذه الإبادة الجماعية في مقتل وإصابة أكثر من 182 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود ومئات آلاف النازحين الذين يواجهون ظروفاً معيشية قاسية، تشمل المجاعة وانعدام المياه النظيفة والخدمات الأساسية.
ويتحمل المجتمع الدولي ومؤسسات العدالة الدولية، المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن استمرار هذا الواقع الكارثي، نتيجة لصمتها وعجزها عن إيقاف آلة القتل والتدمير، ولعدم محاسبة الاحتلال على جرائم تُصنَّف ضمن أخطر الجرائم في القانون الدولي، وعلى رأسها جريمة الإبادة الجماعية.
وفي ظل هذا الوضع؛ لا تكفي بيانات الإدانة أو الدعوات إلى “التهدئة”، بل يتطلب الأمر تحركاً عملياً وجاداً من أجل فرض حماية دولية للمدنيين، وإنهاء الحصار، وضمان تدفق الإمدادات الطبية والغذائية بشكل مستدام وفوري، بما يضمن الحد الأدنى من الكرامة والحياة الإنسانية لمليوني إنسان يقبعون تحت النيران والحصار.