في جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات، قصفت مقاتلات الاحتلال، فجر الأحد، مستشفى المعمداني في قلب مدينة غزة، ما أدى إلى تدمير مبنى الاستقبال واشتعال النيران في عدد من أقسام المستشفى الحيوية، بينها الطوارئ والمختبر والصيدلية، وتسبب في خروجه الكامل عن الخدمة.
وجاء الهجوم الذي نُفذ بصاروخين، بعد تهديدات مسبقة أطلقها جيش الاحتلال بقصف المستشفى، ما اضطر المرضى والجرحى إلى إخلائه وسط أجواء برد قارس، وافتراش الشوارع المحيطة به في مشهد مأساوي.
وأسفر القصف المباشر عن وفاة طفلة مصابة كانت من بين من تم إجلاؤهم قسراً، بينما يواجه عدد من الجرحى مصيرًا مجهولاً نتيجة غياب الرعاية الطبية العاجلة.
وتُعد هذه الجريمة الثانية من نوعها بحق المستشفى ذاته، بعد المجزرة التي وقعت في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأسفرت عن مقتل 471 فلسطينيًا وإصابة مئات آخرين، خلال وجود المئات من النازحين داخله. واليوم؛ يعاد استهداف المستشفى الذي تديره الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية، رغم معرفته كمرفق صحي مدني يخدم أكثر من مليون فلسطيني في غزة وشمالها.
ويُشكل مستشفى المعمداني أحد آخر المرافق الطبية القليلة التي ما زالت قادرة على استقبال الجرحى في ظل انهيار شبه كامل للقطاع الصحي نتيجة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتركّزه على استهداف المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية.
من جهته؛ أقر جيش الاحتلال عبر منصته على “إكس” بمسؤوليته عن القصف، زاعمًا أن المستشفى كان يُستخدم كمقر قيادة وسيطرة من قبل حركة “حماس” للتخطيط لهجمات. وهي ذريعة كُشف كذبها عشرات المرات، حيث طالما استخدمها الاحتلال لتبرير قصف المرافق المدنية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، رغم مخالفتها الصريحة للقانون الدولي الإنساني.
ويُعد هذا النوع من التبرير انتهاكًا لمبدأ التناسب والتمييز الذي يُعد أحد أهم أسس اتفاقيات جنيف، والتي تنص بشكل واضح على حماية المرافق الطبية والعاملين فيها من أي هجوم، حتى في حال استخدامها المزعوم لأغراض عسكرية، ما لم يُثبت ذلك بشكل قاطع وتُتخذ إجراءات احترازية تقلل من الأذى بحق المدنيين.
ويشكل استهداف المستشفيات جريمة حرب بموجب القانون الدولي، وتحديدًا المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد ضرورة احترام وحماية المستشفيات المدنية تحت جميع الظروف. كما أن المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تُدرج تعمّد شن هجمات ضد المستشفيات ضمن الجرائم التي تستوجب الملاحقة الدولية.
وفي المحصلة، يعيد قصف المستشفى المعمداني فتح ملف الجرائم المنظمة ضد القطاع الصحي في غزة، ويكشف هشاشة النظام الدولي القائم على حماية المدنيين زمن الحرب، حين يُصبح المرضى والكوادر الطبية أهدافًا مباشرة لصواريخ دولة تمارس الإبادة بتغطية دولية.