في حلقة جديدة من سلسلة الموت البطيء داخل السجون المصرية، توفي مساء الإثنين الدكتور ناجي البرنس (69 عاما) أستاذ جراحة الوجه والفكين بكلية طب الأسنان في جامعة الإسكندرية، داخل محبسه، بعد شهور من الاعتقال التعسفي والحرمان من الرعاية الصحية.
ووفق ما توفر من معلومات؛ فإن الدكتور البرنس واجه تدهوراً صحياً متصاعداً داخل سجن “بدر3” دون أن يتم تمكينه من العلاج أو نقله إلى مستشفى مناسب.
والمتوفى هو شقيق الدكتور حسن البرنس، المعتقل السياسي المعروف، والذي دخل في وقت سابق في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على ظروف الاحتجاز القاسية ومنع الزيارات، في ذات السجن الذي توفي فيه شقيقه.
وباتت السجون في مصر بيئة طاردة للحياة، لا تراعي الحد الأدنى من معايير السلامة الجسدية أو الكرامة الإنسانية. وبدلاً من كونها مراكز لإصلاح السلوك، أصبحت مواقع لتصفية الخصوم وإذلالهم، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، وعلى رأسها الحق في الحياة والرعاية الصحية.
وتمثل الإجراءات التي تُمارس بحق المعتقلين، مثل منع الزيارات والعزل الانفرادي والحرمان من العلاج والتغذية السيئة، انتهاكاً صارخاً للمواثيق الدولية الخاصة بمعاملة السجناء، لا سيما القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والتي تنص بوضوح على وجوب توفير الرعاية الطبية المكافئة لما هو متاح خارج السجن.
وتأتي وفاة الدكتور ناجي البرنس ضمن سلسلة طويلة من الوفيات التي وقعت داخل السجون خلال السنوات الأخيرة نتيجة الإهمال الطبي والحرمان من الدواء، في مؤشر إلى نمط متعمد من التنكيل الممنهج، لا إلى خلل إداري عارض.
وقد وثّقت حالات مماثلة لأكاديميين، وشخصيات سياسية، وشباب اعتُقلوا لمجرد تعبيرهم عن الرأي، ثم لقوا حتفهم بصمت بين جدران الزنازين، دون أن تُفتح أي تحقيقات شفافة أو تُوجَّه اتهامات للمسؤولين.
ومع تزايد أعداد المعتقلين المرضى، واستمرار منع دخول الأدوية من ذويهم؛ يُخشى من أن تتحول السجون إلى مقابر جماعية صامتة، يدفن فيها الإنسان حيّاً، ثم يموت دون أن يُعرف مصيره.
إن هذه السياسات لا تُمثل فقط انتهاكاً لحقوق المعتقلين، بل تمثل إهانة للعدالة، وتحدياً سافراً للمسؤولية الأخلاقية والقانونية لأي نظام يدّعي احترام الدستور أو المواثيق الدولية.