في استمرار لمسلسل الانتهاكات الممنهجة داخل سجون الاحتلال، توفي المعتقل الفلسطيني رائد سليمان عصاعصة (57 عاماً) من بلدة علار بمحافظة طولكرم، وذلك بعد أيام من نقله إلى مستشفى إسرائيلي في ظروف غامضة.
وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت عصاعصة قبل 27 يوماً، بزعم دخوله الأراضي المحتلة عام 1948 دون تصريح، أثناء سعيه لتأمين قوت يومه.
ولا تزال ملابسات وفاته غامضة، في ظل تعتيم متعمد من سلطات الاحتلال، التي لم تصدر أي توضيحات رسمية بشأن وضعه الصحي، أو أسباب نقله للمستشفى بتاريخ 9 يونيو، مما يثير شبهات جدية بحدوث تعذيب أو إهمال طبي متعمد أدى إلى وفاته.
عصاعصة الذي سُمي لاحقاً بـ”قتيل لقمة العيش” ليس الحالة الوحيدة، بل هو أحد عشرات العمال الفلسطينيين الذين تعرضوا خلال الشهور الماضية لاعتقالات تعسفية، واحتجازات دون محاكمة، وتعذيب جسدي ونفسي ممنهج، تحت ذريعة “التسلل” إلى الداخل المحتل للعمل. وقد شكّل ذلك نمطاً من العقاب الجماعي الذي يستهدف الفئات الأكثر فقراً وهشاشة، وخاصة في ظل انهيار الاقتصاد الفلسطيني بفعل العدوان المستمر على غزة والضفة الغربية.
ومع وفاة عصاعصة؛ يرتفع عدد المعتقلين الفلسطينيين الذين فقدوا حياتهم منذ اندلاع حملة الإبادة في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 72 معتقلاً معروفي الهوية، بينهم خمسة عمال على الأقل، في وقت لا تزال سلطات الاحتلال تحتجز جثامين عدد غير معلوم من المعتقلين من سكان قطاع غزة، رافضة الكشف عن مصيرهم أو تسليمهم لذويهم، ما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، التي تحظر إخفاء مصير المحتجزين أو استخدامهم كرهائن.
ومنذ عقود؛ وثّقت حالات الوفاة داخل سجون الاحتلال بسبب الإهمال الطبي، وغياب الرعاية الصحية، وسوء أوضاع الاحتجاز، والتعذيب أثناء التحقيق. وتعد هذه العوامل أدوات متكررة تستخدمها سلطات الاحتلال ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة الأسرى واستهداف حياتهم، وهي جزء من بنية أوسع من الانتهاكات التي تُمارس ضد الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
ويشير الواقع الراهن إلى أن سجون الاحتلال تحوّلت إلى مساحات خارجة عن الرقابة والمحاسبة، حيث يُعتقل الآلاف بلا محاكمات عادلة، ويتعرضون لصنوف من الانتهاكات التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. ورغم تزايد عدد الضحايا، تواصل سلطات الاحتلال التمتع بحصانة غير مبررة من المجتمع الدولي، ما يشجعها على المضي قدماً في سياسات القتل البطيء داخل السجون.
إن وفاة رائد عصاعصة، في هذا السياق، ليست حادثاً عرضياً، بل نتيجة مباشرة لبنية قمعية تحميها أنظمة قانونية وأمنية تشرّع الانتهاك بدلاً من منعه، وترفض الالتزام بالمعايير الدنيا لمعاملة المحتجزين. ومع تصاعد أعمال القتل التعذيب والإخفاء القسري في سجون الاحتلال؛ يصبح الصمت الدولي جزءاً من الجريمة لا مجرد تقاعس.