توفي الشاب المصري حسام أبو العباس مصطفى مرسي (26 عاما) داخل سجن الوادي الجديد بعد تعرضه لتعذيب وحشي استمر ساعات متواصلة، في حادثة تُسلّط الضوء من جديد على واقع السجون المصرية وما تشهده من انتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوق المعتقلين، في ظل غياب أي مساءلة فعلية أو رقابة مستقلة.
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الوفاة وقعت في 17 أغسطس/آب 2024، بعد ستة أيام فقط من وصول أبو العباس إلى السجن، حيث اقتحمت زنزانته مجموعة مكوّنة من عناصر أمنية وضباط تحقيقات، ترافقهم أدوات تعذيب من عصي وأسلاك وصواعق كهربائية.
وتعرض الضحية لصعق كهربائي مباشر وضرب مبرح في أنحاء متفرقة من جسده، ما تسبب في تدهور حالته الصحية بصورة حرجة، دون توفير أي تدخل طبي مناسب، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أيام من المعاناة.
وتمت الوفاة، بحسب الشهادات، داخل ما يعرف بـ”العنبر 4″ سيّئ السمعة، وهو القسم ذاته الذي شهد وفاة معتقل آخر، الضابط السابق طارق أبو العزم، قبل شهر ونصف، في ظروف مشابهة.
وقضى أبو العباس شهراً ونصفاً في الإخفاء القسري قبل أن يُعرض على النيابة التي قررت حبسه احتياطياً، دون وجود اتهامات واضحة أو ضمانات قانونية كافية. وكان قد سبق اعتقاله لعام كامل بسبب وجود محتوى ديني على هاتفه، ليصبح نموذجاً جديداً لحالة مواطن يُنتزع من حياته الطبيعية لمجرد الاشتباه في أفكاره أو اهتماماته.
وتعكس عملية نقل حسام بين مقار الاحتجاز واحتجازه في سجون تفتقر إلى الحد الأدنى من الرعاية الصحية، وتسليمه إلى بيئة معروفة بكونها أداة لتصفية المعتقلين نفسياً وجسدياً، سياسة متعمدة لإضعاف المعتقلين وتهشيم كرامتهم. كما تشير الشهادات إلى محاولات منظمة للتلاعب بالأدلة، من خلال إجبار زملاء الضحية في الزنزانة على تغيير أقوالهم تحت التهديد، ما يؤكد تواطؤ الأجهزة الأمنية في طمس الحقائق ومنع تحقيق العدالة.
وتمثل هذه الواقعة جزءاً من نمط موسّع من الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز المصرية، حيث التعذيب ليس استثناءً بل ممارسة روتينية، والإهمال الطبي شكل آخر من أشكال القتل البطيء، والتحقيقات غالباً شكلية تنتهي إلى تبرئة الجناة أو تجاهل القضية بالكامل.
وتعيد واقعة مقتل حسام أبو العباس التأكيد على أن مراكز الاحتجاز في مصر تحولت من مؤسسات قانونية إلى ساحات مفتوحة لانتهاك الكرامة الإنسانية، وعلى أن العدالة في هذه السياقات لا تتحقق من تلقاء نفسها، بل تحتاج إلى مساءلة مستقلة، وضمانات حقيقية لحماية أرواح المحتجزين، ووقف سياسة القتل داخل السجون، سواء بالعنف المباشر أو بالإهمال المتعمد.
وما لم يُفتح تحقيق جاد ومستقل في مثل هذه الجرائم، وتُحاسب الجهات المتورطة على مختلف مستوياتها، ستبقى حياة آلاف المعتقلين في مصر عرضة للمصير ذاته.