قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إنه على الرغم من الرفض المبكر لنظام توزيع المساعدات الإنسانية الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عبر ما يسمى “مؤسسة غزة الإنسانية” وصدور بيانات وتصريحات عن مسؤولين أمميين وغربيين رفيعي المستوى يحذرون فيها من دور المؤسسة الخطير، إلا انهم فشلوا جميعًا في الضغط على الاحتلال لتحييد العمل الإنساني وإحباط مخططه في عسكرة المساعدات الإنسانية.
وبينت المنظمة أن ظروف وتوقيت إنشاء المؤسسة خارج منظومة الأمم المتحدة وارتباطها الوثيق بجيش الاحتلال والأجهزة الأمنية دليل واضح على أن أهدافها ليست إيصال المساعدات انما الإمعان في تجويع السكان وإذلالهم والمشاركة في تهجير الفلسطينيين وزيادة عذاباتهم، بل وقتلهم عند الاقتراب من استلام الطرود الغدائية، فالأمم المتحدة ترعى 400 نقطة توزيع ومؤسسة غزة أقامت أربع نقاط توزيع فقط في الجنوب لتجبر السكان على التدفق نحو الجنوب للحصول على لقمة تسد جوعهم.
وأشارت المنظمة طوال أكثر من 600 يوم من الإبادة وأكثر من 90 يوم على إغلاق المعابر بشكل كامل قام الاحتلال بشكل منهجي بتعطيل عمل المؤسسات الدولية المكلفة بإدخال المساعدات وتوزيعها عبر إغلاق المعابر تارة و استهداف الشاحنات إذا سمح لها بالمرور من خلال تشكيل عصابات محلية من اللصوص لسرقة المساعدات تارة أخرى وقصف مراكز توزيع الغذاء والمطابخ والمخابز وقتل عمال الإغاثة وشن حملة على وكالة الأونروا لشيطنتها بربطها بالإرهاب.
وتبين السجلات المنشئة للمؤسسة أنها أسست بتاريخ 12/02/2025 لهدف محدد وهو إلغاء دور الأمم المتحدة والمنظمات المتعاونة معها لتسهيل استخدام المساعدات كسلاح في حرب الإبادة، وتظهر الوثائق أنها مسجلة في جنيف-سويسرا وديلوار -الولايات المتحدة ويديرها أربعة أشخاص هم مدير فرع جنيف الأرمني والمقيم في بريطانيا ديفيد بابزيان وديفد كولر مواطن سويسري ومدير فرع ديلوار جون مور الابن ولولك صموئيل أمريكي مقيم في ولاية فرجينيا والمؤسسة متعاقدة مع أكثر من 300 موظف مدججين بأسلحة.
وأوضحت المنظمة أن تركيز منافذ التوزيع في الجنوب يهدف إلى إجبار الناس على السير مئات الكيلومترات من الشمال بما يساعد على تهجيرهم وزيادة معاناتهم فضلا عن ان هناك فئات لأسباب مختلفة منها الصحية والتقدم بالعمر لا تستطيع الوصول إلى مراكز التوزيع مما يعني حرمانها من الغذاء بشكل كامل إذا لم يتوفر بديل.
وأشارت المنظمة أن تورط المسؤولين عن هذه المؤسسة في ارتكاب جرائم حرب لا يحتاج إلى أي جدال فإدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها وفق قواعد القانون الدولي تنص على عدم تدخل قوات الاحتلال في تدفقها أو توزيعها وهذا يوجب على كل المؤسسات العاملة في هذا المجال أن تنأى بنفسها عن التعاقد أو التعاون مع قوات الاحتلال لتوزيع المساعدات خدمة لأجنداته.
وأكدت المنظمة أن القائمين على هذه المؤسسة من مدراء وعاملين يعلمون تمامًا أن المؤسسة أنشئت لتنفيذ أهداف عسكرية وليس لديهم خبرة في العمل الإنساني، وتأكد ذلك من خلال استقالة مديرها التنفيذي جيك وود وعدد من المسؤولين بعد موجة الاتهامات التي وجهت للمؤسسة، وحدثت استقالات اخرى لكن بعد عمليات القتل التي جرت أثناء التوزيع.
ونوّهت المنظمة إلى أنه منذ اليوم الأول لبدء عمل هذه المؤسسة في مركز توزيع تل السلطان في رفح بتاريخ 27 مايو 2025، كان من الواضح أن الطريقة التي فرضها الاحتلال تهدف إلى قهر الغزيين والمساعدة في تهجيرهم من الشمال إلى الجنوب. فكان مشهد تدفّق الآلاف نحو مركز المساعدات مريعًا؛ إذ تسبب الازدحام والتدافع الناتج عن ضيق المكان في فوضى عامة، فزاد الاحتلال من مأساوية المشهد عبر إطلاق النار على المدنيين، ما أسفر عن مقتل 10 منهم وإصابة أكثر من 60 آخرين، وفي اليوم التالي قُتل عدد إضافي من طالبي المساعدات، ليرتفع عدد القتلى خلال يومين إلى 17 والمصابين إلى 86، مع تسجيل 7 مفقودين.
وأضافت المنظمة أنه بتاريخ 1 يونيو 2025، وعند توجه المدنيين إلى نقطة التوزيع في رفح، ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة مروّعة أخرى أدت إلى مقتل 31 مدنيًا وإصابة أكثر من 170، ورغم ثبوت إطلاق النار من قبل قوات الاحتلال والحراس المتعاقدين مع المؤسسة، حاول الاحتلال إنكار مسؤوليته وإلصاقها بالفلسطينيين، ثم تكررت الجريمة بتاريخ 3 يونيو حين ارتُكبت مجزرة إضافية أودت بحياة 27 مدنيًا وأصابت 160 آخرين، بحياة 27 مدنيًا وإصابة 160 آخرين، في مشهد يعكس نمطًا متعمدًا ومتكرّرًا من استخدام النيران القاتلة ضد جموع الجوعى.
وفي الأيام التي تلت ذلك، تصاعدت وتيرة الاعتداءات بشكل مأساوي؛ ففي 6 يونيو، تعرّض مدنيون لإطلاق نار مباشر وقصف أثناء محاولتهم الوصول إلى مركز توزيع في رفح، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 9 أشخاص. وفي 7 يونيو، أُطلقت النيران مجددًا في منطقة دوار العلم برفح، فقتل 8 مدنيين وجُرح عدد آخر. وفي 8 يونيو، شهدت رفح ومنطقة جسر وادي غزة وسط القطاع هجمات دامية أسفرت عن مقتل 5 مدنيين على الأقل وفي اليوم التالي، 9 يونيو، أفادت وزارة الصحة في غزة بمقتل 14 مدنيًا إضافيًا برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء تجمعهم قرب مركز مساعدات، وبلغت المأساة ذروتها في 10 يونيو، حيث تم إطلاق النار على الحشود ما أدى إلى مقتل 36 مدنيًا وإصابة 207 في يوم واحد فقط وما زال ضحايا مراكز المساعدات التي هي في حقيقتها مصائد للموت يتساقطون دون هوادة.
إن إطلاق النار على طالبي المساعدة قرب مراكز التوزيع أصبح مشهدًا مألوفا لم تتحرك بموجبه المؤسسة المذكورة في أي اتجاه لتصويب الحال والانسحاب بشكل كامل من القطاع، بل كانت ردودها باهتة تبرر الجريمة كالقول “إن الجيش أطلق عيارات تحذيرية لمنع اقتراب الغزيين” دون الإشارة للضحايا الذين سقطوا أو إلى سبب ذلك، مما يعكس رغم خطورة الجرائم المرتكبة إصرار القائمين عليها تنفيذ المهمة التي أوكلت لهم مهما كان الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون.
ودعت المنظمة وحدة الجرائم الكبرى في المملكة المتحدة SO15 إلى التحقيق مع ديفيد بابزيان المقيم فيها والمسجل على أنه مدير فرع جنيف بتهم الاشتراك في جرائم حرب وإدارة مؤسسة سخرت مقدراتها للتنكيل بالفلسطينيين خدمة للاحتلال تحت لافتة العمل الإنساني.
كما دعت المنظمة الحكومة السويسرية إلى إغلاق المؤسسة بشكل فوري والتحقيق مع مواطنها ديفيد كولر باعتبارها ذراع من أذرع جيش الاحتلال وتعمل على تنفيذ أهدافه العسكرية باستخدامها كمبرر لتعطيل عمل أجهزة دولية متخصصة وسهلت ارتكاب مذابح بحق الفلسطينيين الذين تدافعوا إلى مركز التوزيع التي أقامتها من أجل الحصول على الغذاء، دعت الحكومة الأرمنية إلى الاضطلاع بمسؤوليتها وملاحقة مواطنها ديفيد بابزيان وإقالته من رئاسة إدارة مجلس شركة الطيران الأرمنية “FlyArna” .
إن عمل هذه المؤسسة يخرق مبدأ أصيل مستقر في قواعد القانون الدولي الإنساني المكتوبة والعرفية، وهو مبدأ الحياد والاستقلال المنصوص عليه في مبادئ الأمم المتحدة للعمل الإنساني (OCHA، ICRC، Sphere Standards).التي نصت على منع أي جهة التعاون مع طرف في النزاع، وخاصة قوة احتلال، لما في ذلك من تقويض لمبدأ الحياد (Neutrality) والاستقلال (Independence) كما أن هذا الخرق يعتبر مخالفة لاتفاقية جنيف والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الذي ينص في المادة 70 أنه “ينبغي السماح بعمليات الإغاثة التي تقوم بها منظمات إنسانية محايدة وغير متحيزة.”
فضلًا عن خرق مبدأ الحياد وعسكرة المساعدات فإن القائمين على المؤسسة عن سابق تصور وتصميم يشاركون بتجويع أهل غزه بتعطيل أجهزة الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات غير الحكومية المتعاونة معها التي تكافح لإدخال المساعدات وتوزيعها على كل السكان كما ساهموا في عملية استدراج المواطنين إلى مراكز توزيع في مناطق خطرة استخدمت كمصائد لقتل المواطنين وإلحاق الاذى بهم.
إن هذا الوضع الخطير يستدعي من المجتمع الدول اتخاذ مواقف عملية حاسمة لإدخال المساعدات عبر مؤسسات متخصصة عرفها القانون الدولي الإنساني فليست التصريحات ولا الصمت في ظل ما يشهده قطاع غزة خيارًا فنتنياهو وحكومته عقدوا العزم على القضاء على ما تبقى من حياه في قطاع غزة وشجعهم على ذلك عجز صناع القرار في العالم الذين يملكون الكثير من الأدوات لتجاوزك سطوة الولايات المتحدة الداعم الرئيس للإبادة وإجبار حكومة الاحتلال على الانصياع لقواعد القانون الدولي.
وتعكف المنظمة على إعداد شكوى لمكتب الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية تدعوه فيها إلى فتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبها المسؤولين في “مؤسسة غزة” باعتبارها أحد أدوات جيش الاحتلال في تنفيذ الإبادة المستمرة في قطاع غزة واشتراك القائمون على المؤسسة في جرائم التجويع، التهجير، التعذيب، والقتل العمد.