قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إن اليوم تحل الذكرى الحادية عشر لمجزرة رابعة العدوية التي تعد أحد أكبر جرائم القتل الجماعي في مصر في العصر الحديث، بأمر من عبد الفتاح السيسي الرئيس الحالي، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1100 شخص بينهم نساء وأطفال بطرق وحشية، بالإضافة إلى إصابة واعتقال الآلاف بينهم 37 شخص على الأقل في عداد المفقودين لم يتم إجلاء مصيرهم أو تمكينهم من التواصل مع أسرهم حتى الآن.
وخلال 11 عام يخيم الصمت الدولي المشين على المشهد بصورة مكنت المسؤولين عن هذه المجزرة من الإفلات من العقاب حتى الآن، وشجعتهم على ارتكاب المزيد من الجرائم التي لم تتوقف منذ الثالث من يوليو/تموز 2013، وحتى يومنا هذا بهدف سحق المعارضة وإسكات أي صوت يدعو للتغيير أو الإصلاح.
جاءت المجزرة الكبرى في رابعة العدوية والنهضة وعدد من الميادين المصرية ـ التي اتخذها معارضو الانقلاب العسكري حينها ـ لتعلن عن ولادة نظام قمعي دموي لا يبالي بسفك دماء الآلاف من أجل تثبيت أقدامه في الحكم، وأعقبت هذه المجزرة مجازر أخرى مروعة، وعمليات تصفية جسدية، بالإضافة إلى عمليات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري التي أدمنها النظام، فحتى الآن ووفق رصد مبدأي فإن هناك ما يقارب الستين ألف معتقل في السجون المصرية بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية، بينما ما زال مرتكبي جرائم القتل الجماعي، والتعذيب، والتصفية الجسدية، والاختفاء القسري، مفلتين من العقاب بشكل كامل.
خلال السنوات الإحدى عشر الماضية حاول النظام المصري بكل الوسائل أن يبرأ ساحته ويحمل الضحايا المسؤولية، وبهدف الالتفاف على المطالبات الدولية بفتح تحقيق في الجريمة قام النظام بتشكيل لجنتين محليتين للتحقيق في الأحداث إحداها من قبل المجلس القومي لحقوق الإنسان ـ مؤسسة شبه حكومية ـ والأخرى شكلت بقرار رئاسي للتحقيق في الأحداث، وانتهى كلا التقريرين إلى تحميل المعتصمين مسؤولية الجرائم التي وقعت، بينما اقتصرت انتهاكات الشرطة على أخطاء إدارية وإجرائية، وتجاهلت ذكر أي وجود لقوات الجيش التي لعبت الدور الرئيسي في المجزرة.
ورافق تلك التقارير أعمال درامية متعددة من صناعة النظام تهدف لتزييف التاريخ القريب الذي مازال شهوده أحياء، وطمس الحقيقة، لترسم تلك الأعمال صورة مغايرة للواقع تظهر فيها المعتصمين السلميين عناصر إرهابية مسلحة، وتظهر القوات الأمنية في صورة المدافعين عن أنفسهم، المضطرين لاستخدام الحد الأدنى من القوة اللازمة.
لكن هذه التقارير والأعمال الدرامية لم تنجح أبدا في تغيير الواقع المثبت بمئات الأدلة القطعية، فالشهادات والمشاهد المصورة والتقارير الطبية الرسمية، وتصاريح الدفن، بالإضافة إلى أعداد القتلى ونوع الإصابات في أجساد المصابين وجثامين القتلى – أغلب الإصابات في الرأس والقلب ـ واستخدام الأسلحة الأكثر فتكا، وتعمد استهداف نساء، وصحفيين، ومصابين “قنصًا”، أفادت بتعمد الأمن استخدام القوة المميتة في مواجهة المعتصمين.
قرار النظام المصري بارتكاب تلك المجزرة جاء بعد حملات تحريضية ضخمة في وسائل الإعلام المصرية، المرئية والمقروءة والمسموعة الموالية للسلطة، والتي قامت بشيطنة المعتصمين ووسمهم بالإرهاب تماشياً مع تصريحات رسمية صدرت عن مسؤولين رسميين، بهدف التمهيد للجريمة واحتواء أي غضب شعبي قد ينتج عنها لاحقا.
السلطة القضائية المصرية شاركت بشكل مباشر في الجريمة، حيث امتنعت منذ بداية أحداث الثالث من يوليو/ تموز 2013 وحتى الآن عن تحريك أي دعوى جنائية أو تحقيق قضائي في أي من عمليات القتل الجماعي التي تمت في تلك الفترة، بالإضافة إلى إصدارها قرار الفض بتاريخ 31 يوليو/تموز 2013 عن طريق النائب العام المصري السابق هشام بركات بعد ساعات من تقديم طلب بذلك من وزارة الداخلية المصرية.
وطوال إحدى عشر سنوات فشلت الأمم المتحدة في اتخاذ أي إجراء للتحقيق في هذه الجريمة وتقلصت المطالبات الدولية تدريجيا بفتح تحقيق في تلك الجريمة، وبعد الاستنكار الدولي للمجزرة عادت العلاقات تباعا مع النظام المصري على الرغم من استمراره في مساره الدموي واقدامه على ارتكاب المزيد من الجرائم كل يوم.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وفي الذكرى الحادية عشر لهذه المجزرة البشعة مازالت تدعو كافة منظمات المجتمع المدني، والنشطاء والصحفيين والإعلاميين والسياسيين المدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم، إلى عدم تجاهل آلام ضحايا المجزرة الذين لم يتمكنوا من الانتصاف حتى الآن، والضغط على المجتمع الدولي من أجل اتخاذ مواقف صارمة تجاه هذا النظام الذي ارتكب أفدح الجرائم ولا زال أركانه يفلتون من العقاب.