استيقظت مدينة رفح جنوب قطاع غزة، صباح الثلاثاء، على مشهد دموي جديد، بعدما فتحت قوات الاحتلال نيرانها على حشود من المدنيين أثناء توجههم لتسلّم مساعدات إنسانية، ما أدى إلى مقتل 27 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 90 آخرين، في جريمة جديدة تعكس النمط المتكرر من استهداف الجوعى والنازحين العزّل.
وبحسب شهود عيان ومصادر ميدانية، أطلقت مدفعية الاحتلال وطائراته قذائفها بشكل مباشر نحو المواطنين المتجمهرين قرب دوار العلم غرب رفح، أثناء انتظارهم المساعدات، ما أدى إلى هذا العدد الكبير من القتلى والمصابين، وسط مشهد من الفوضى والدماء.
ويأتي هذا الهجوم بعد سلسلة من الاعتداءات المشابهة، شهدتها أماكن توزيع المساعدات خلال الأيام الماضية، وأسفرت عن مقتل وجرح العشرات، ما يشير إلى سياسة ممنهجة لاستخدام الحصار والمساعدات كوسيلة للقتل والسيطرة، بدل أن تكون وسيلة إنقاذ للمدنيين في زمن الحرب.
وتُشكّل هذه الحوادث انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استهداف المدنيين أو عرقلة وصول المساعدات إليهم، خاصة في ظل الحصار المشدد الذي فُرض على غزة منذ سنوات، وتصاعد منذ السابع من أكتوبر 2023. استخدام المساعدات الإنسانية كوسيلة ضغط أو سلاح يُعد جريمة لا تسقط بالتقادم، وترقى في بعض صورها إلى جريمة ضد الإنسانية.
وتُوزّع المساعدات حالياً عبر نقاط محدودة تفتقر لأي ضمانات أمنية أو رقابة مستقلة، بعدما كانت تُوزّع من خلال مئات النقاط سابقاً، ما يجبر السكان على قطع مسافات طويلة عبر مناطق مكشوفة وخطرة. وتحدثت طواقم طبية عن اضطرارها للتبرع بدمائها لإنقاذ الجرحى في ظل نفاد مخزون الدم وانهيار النظام الصحي.
وكان المفوض العام للأونروا قد وصف نظام توزيع المساعدات الجديد بأنه “فخ مميت”، محذراً من مجاعة وشيكة تطال مليون طفل، وداعياً إلى السماح بوصول آمن ومنظم للمساعدات تحت إشراف الأمم المتحدة.
ومع استمرار العدوان منذ 7 أكتوبر 2023، ارتفعت حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى ما لا يقل عن 54,470 قتيلاً، معظمهم من الأطفال والنساء، بينما تجاوز عدد المصابين 124,693، في حصيلة غير نهائية، حيث لا تزال فرق الإنقاذ غير قادرة على الوصول إلى العديد من الضحايا تحت الركام أو في الشوارع.
إن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية بطيئة ومكشوفة، تُنفّذ بوسائل عسكرية وإنسانية معكوسة، على مرأى العالم وصمته.