ارتكب الجيش الأمريكي مجزرة مروعة قتل فيها 38 مدنياً وأُصيب أكثر من 100 آخرين، في هجوم جوي عنيف استهدف مساء الخميس ميناء رأس عيسى النفطي بمحافظة الحُديدة، غربي اليمن.
وشملت المجزرة العاملين في الميناء من موظفين ومسعفين، إضافة إلى مدنيين كانوا في محيط الموقع.
وأظهرت لقطات بثتها وسائل إعلام محلية آثار القصف، مشاهد مروعة لجثث متفحمة وأشلاء متناثرة في ساحة الميناء، الذي يُعد من أهم الموانئ الحيوية لتوريد المشتقات النفطية الأساسية لليمنيين.
وأكدت مصادر طبية أن العديد من الجرحى في حالات حرجة، وسط ضعف حاد في الإمكانات الطبية بسبب الحصار المفروض على البلاد.
والغارة على ميناء رأس عيسى ليست الأولى ضمن حملة جوية أمريكية متواصلة منذ أكثر من شهر. فقد سبقتها سلسلة غارات استهدفت محافظتي البيضاء وصنعاء، وخلّفت أضراراً بشرية ومادية كبيرة في مناطق سكنية ومنشآت مدنية.
ويأتي هذا التصعيد في سياق التوتر الإقليمي المتزايد منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة في أكتوبر 2023. وكانت القوات اليمنية قد أعلنت استهدافها لسفن عسكرية مرتبطة بالولايات المتحدة والاحتلال، رداً على الحصار الخانق الذي فُرض على سكان غزة وتجدد القصف عليهم منتصف مارس الماضي، بعد انهيار الهدنة.
وقد أدت هذه التطورات إلى تصاعد حدة الهجمات الأمريكية في اليمن، الأمر الذي يفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد ويضع حياة ملايين اليمنيين في دائرة الخطر، في ظل ظروف معيشية صعبة وتدهور متواصل في النظام الصحي والبنية التحتية.
وتجد المنظمات الإنسانية صعوبة متزايدة في إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة، فيما يتزايد القلق من أن يتحول استهداف المرافق المدنية إلى سياسة ممنهجة تُفاقم من معاناة السكان وتضاعف من حجم الكارثة الحقوقية والإنسانية في اليمن.
ويُعد الهجوم الأمريكي على ميناء رأس عيسى النفطي، وما نتج عنه من سقوط عشرات القتلى والجرحى المدنيين، انتهاكاً واضحاً لجملة من المبادئ والقواعد المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية الملحقة بها، والتي تُلزم أطراف النزاع المسلح بتمييز الأهداف العسكرية عن الأعيان المدنية، واتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية السكان المدنيين من آثار الأعمال العدائية.
واستهدف الهجوم مرفقاً مدنياً حيوياً لا يُصنّف ضمن الأهداف العسكرية المباشرة، إذ يُستخدم ميناء رأس عيسى لاستقبال المشتقات النفطية التي تُعد ضرورية لتشغيل المستشفيات وشبكات المياه والكهرباء، كما يُعد مصدراً أساسياً لدخل مئات العاملين. وبناء على ذلك، فإن استهدافه يُخالف مبدأ “التمييز” بين المدنيين والمقاتلين، والأعيان المدنية والعسكرية، وهو أحد الركائز الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
كما تثير حصيلة القتلى والجرحى المرتفعة، والخسائر في الأرواح بين الموظفين والمسعفين، شكوكاً قوية حول مدى احترام مبدأ “التناسب”، الذي يُلزم أطراف النزاع بتجنب تنفيذ هجمات تكون فيها الخسائر المتوقعة في أرواح المدنيين أو الأضرار في الممتلكات المدنية مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية المرجوة.
ويحمّل القانون الدولي دولة المعتدي المسؤولية عن تعويض الضحايا المدنيين، ويمنح المتضررين حق المطالبة بالإنصاف والعدالة. كما تنص المادة 85 من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف على أن الهجمات العشوائية أو المتعمدة ضد المدنيين تُعتبر جرائم حرب، ما يستدعي فتح تحقيق دولي عاجل وتقديم المسؤولين عنها للمساءلة.
إن ما جرى في رأس عيسى لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لتدهور الوضع الإنساني في اليمن، الذي يعاني أصلاً من أزمة ممتدة تُعد من بين الأسوأ في العالم. وتُوجب هذه الحادثة على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، التحرك الفوري لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات وضمان حماية المدنيين وفقاً للقانون الدولي.