في تصعيد لافت ضمن سياسات القمع المستمرة؛ أصدر الاحتلال خلال الأسبوعين الأخيرين ما لا يقل عن 600 أمر اعتقال إداري بحق فلسطينيين، دون تهمة واضحة أو محاكمة عادلة، في خطوة تعكس الانفلات الأمني والقانوني الذي يحكم تعامل أجهزة الاحتلال مع السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويُستخدم الاعتقال الإداري – أحد أكثر أدوات القمع خطورة – بذريعة “الملف السري” و”التهديد الأمني”، دون إتاحة أي فرصة للمعتقل أو محاميه للاطلاع على ما يُنسب إليه. وتتجدد هذه الأوامر تلقائياً كل ستة أشهر، بما يحوّل الحبس إلى شكل من أشكال العقوبة المفتوحة بلا سقف زمني.
وتجاوز عدد المعتقلين الإداريين في يونيو الجاري 3560 معتقلاً، من بينهم 95 طفلاً تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وهي أرقام غير مسبوقة في تاريخ الصراع، وتعكس تحوّل هذه الأداة الاستثنائية إلى نهج دائم لمعاقبة كل من يُشتبه بنشاطه السياسي أو الاجتماعي، حتى وإن لم يرتكب أي جريمة.
ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تضاعفت أوامر الاعتقال الإداري، حتى باتت تفوق أعداد الأسرى المحكومين أو الموقوفين، ما يعكس تحوّلاً خطيراً في فلسفة “الأمن الإسرائيلي”، من الردع إلى العقاب الجماعي غير القضائي.
ويُمارس الاعتقال الإداري غالباً في ظروف احتجاز بالغة السوء، تترافق مع الإهمال الطبي والتجويع وسوء المعاملة، مما أدى إلى وفاة 72 معتقلاً منذ اندلاع الحرب، بينهم 8 محتجزين إداريين. وهي وقائع تمثّل خرقاً واضحاً لأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف التي تحظر الاحتجاز التعسفي وتهدد مرتكبيه بالملاحقة كجرائم حرب.
ولا تنفصل هذه الممارسات في الضفة الغربية عن مجريات الحرب على غزة، حيث تصاعدت عمليات المداهمة والاقتحام والقتل الميداني، وأُعدم أكثر من 980 فلسطينياً، وجُرح قرابة 7000 آخرين، في سياق يبدو واضحاً أنه يهدف لتفكيك أي بنية مجتمعية مقاومة، سواء بالسلاح أو بالكلمة أو بالفعل المدني.
وتحول الاعتقال الإداري إلى أداة لإخماد الصوت الفلسطيني، وتجريم الوجود، وتوسيع دائرة القمع لتطال النساء والأطفال، والطلبة والنشطاء، والكتّاب والمعلمين، وكل من يحمل رأياً أو تأثيراً.
وفي ظل هذا الواقع؛ يبدو أن آلة القمع لا تميّز بين فرد وآخر، ولا تضع سقفاً لبطشها، فيما يواصل آلاف الفلسطينيين خلف القضبان معركتهم اليومية مع العزل والمرض، في مواجهة احتلال لا يعترف بالقانون، ولا يقف عند حدود للدم أو الحرية.