بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، انضم عدة آلاف من المواطنين إلى اعتصامات معارضة لعزله في ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة، وبعد ستة أسابيع، في 14 أغسطس/آب 2013، قامت القوات الأمنية المصرية بفض تلك التجمعات بالقوة المميتة، لتسبب في مقتل المئات، وإصابة الآلاف.
لقد استخدمت الجهات الأمنية القوة المفرطة وأطلقت النيران الحية عبر القناصة وبصورة عشوائية على المعتصمين انتقاماً منهم على ممارسة حقهم في رفض قرارات السلطة العسكرية في ذلك الوقت، في مشهد مفزع كان ينبغي أن يصيب الأنظمة الدولية بالصدمة ويدفعهم إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للانتصاف للضحايا ومحاسبة الجناة، لكن الآن وبعد مرور ثماني سنوات على هذا الحادث الأليم، يقبع المتظاهرون الناجون من الموت في السجون، ويواجه بعضهم الإعدام، في حين لا يزال مرتكبو تلك الجرائم يتمتعون بالحصانة والإفلات من العقاب.
لم يكتف النظام المصري بضمان حماية الجناة، وإهدار حق الضحايا في الانتصاف، بل عرض الناجين من المذبحة لمحاكمات جائرة حكم عليهم فيها بالإعدام والسجن المؤبد والمشدد، وفي يونيو/حزيران من هذا العام، أصدرت محكمة النقض المصرية حكما نهائيا بإعدام 12 من قادة المعارضة البارزين، بينهم الدكتور محمد البلتاجي الذي قُتلت نجلته القاصرة أسماء في الاعتصام، كما قضت نفس المحكمة بسجن 437 ناجيا آخرين، منهم 22 كانوا أطفالاً وقت الأحداث.
على مدى السنوات الماضية، لم تتوقف المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، عن حث العالم على التدخل للدفاع عن حقوق الضحايا وعائلاتهم والسعي لتحقيق العدالة الغائبة عن أروقة القضاء المصري المسيس الذي أصبح أداة في يد الدولة يستعين بها في تصفية خصومه المعارضين.
لم يواجه أي فرد من قوات الأمن العدالة، لم توجه أي تهمة للمنفذين أو المسؤولين الكبار في القوى الأمنية والسياسية الذين اتخذوا هذا القرار وأشرفوا على تنفيذ تلك الفظاعات، لكن حقائق التاريخ لا يمكن طمسها، فعلى الرغم من محاولات النظام وداعميه في وسائل الإعلام المصرية تشويه الحقيقة وتبرئة ساحة النظام، فإن الحقيقة الثابتة أن قوات الأمن من الشرطة والجيش وتحت قيادة عبد الفتاح السيسي الرئيس الحالي ومحمد إبراهيم وزير الداخلية الأسبق هم المسؤولون عن جريمة القتل الجماعي البشعة في 14 أغسطس/آب 2013.
لقد تم التمهيد لمقتل هؤلاء المعتصمين عبر خطاب إعلامي تحريضي يحض على الكراهية ويبرر للقتل، حيث وقعت تلك الجريمة الوحشية في أعقاب حملات تشويه إعلامية مكثفة للمتظاهرين، واليوم يتم التمهيد بذات الأدوات لقتل من نجا أو حبسه مدى الحياة.
النظام المصري يواصل مساره الدموي دون توقف لأنه يعلم أن المجتمع الدولي لن يتخذ أي إجراء ضده، بل على العكس مازالت دول كبرى تدعي إعلاء قيم حقوق الإنسان تستقبل قادة هذا النظام بصورة طبيعية وترحب بها في المحافل الدولية المختلفة، وحتى اللحظة يستمر الدعم الأمريكي العسكري للنظام المصري، مع تجاهل لجرائم هذا النظام.
في هذا الصدد، قامت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا بمخاطبة عدد من الجهات الدولية وصناع القرار في العالم، كالبرلمان الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، والمجلس الأوروبي، والأمين العام للأمم المتحدة، والخارجية الألمانية لحثهم على اتخاذ خطوات عملية تضمن تحقيق العدالة لضحايا مجزرة فض اعتصامي رابعة والنهضة.
وجددت المنظمة في رسائلها الدعوة إلى إجراء تحقيق دولي كامل وشفاف في جريمة فض اعتصام رابعة العدوية، أغسطس/آب 2013 وآثارها المستمرة حتى اليوم، كما طالبت بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين، بمن فيهم أولئك المعرضون لخطر محدق بالإعدام، وإجلاء مصير كافة المختفين قسرياً والمفقودين منذ تلك الأحداث.