عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا -مساء الخميس 02 فبراير/شباط- ندوة حول استمرار الاحتلال الإسرائيلي في انتهاج سياسة القتل العشوائي بحق الفلسطينيين بشكل روتيني واستخدام القوة المميتة دون مبرر دون محاسبة أو مساءلة ما شجعه على التمادي في ارتكاب تلك الجرائم الوحشية مع ضمان الإفلات من العقاب.
شارك في الندوة كل من: حافظ الغويل – باحث في معهد الدراسات الدولية بجامعة جونز هوبكنز، والكاتبة السياسية الأمريكية سارة فلونديرز، وعضو الكونغرس السابق جيم موران، والباحث الفلسطيني أبي العابودي- مدير مركز بيسان للبحوث والإنماء، والبروفيسور تيم موريثي- أستاذ الدراسات الإفريقية في جامعة فري ستيت بجنوب أفريقيا، وآدم شابيرو- مدير المناصرة لقسم اسرائيل فلسطين في منظمة الديموقراطية الآن للعالم العربي، واللواء/قدري أبو بكر – رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين في فلسطين، والباحثة في جامعة أوكسفورد رُبى صليبي.
بدأت الندوة بكلمة ممثل المنظمة جو هاينز، الذي بدوره أكد أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي تتصاعد في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ على كافة الأصعدة، مشيرًا إلى أن العنف الإسرائيلي المتزايد والذي يرافقه تأييد حكومي يعززه دعم أمريكي تمثل بوضوح في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية بلينكن إلى إسرائيل الأسبوع الماضي رغم ما ارتكبته قوات الاحتلال من جرائم ضد المدنيين في مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة.
في بداية كلمته، أكد حافظ الغويل على أن العنف الإسرائيلي في الأراضي المحتلة مستمر منذ بداية الاحتلال في 1967 ولم يتوقف يومًا واحدًا لكن التغطية الإعلامية لا ترصد كل ما يُرتكب ضد الفلسطينيين من ممارسات وحشية وانتهاكات جسيمة.
وأشار الغويل إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين لا تتمثل فقط في القتل، لكنها تشمل جميع مناح الحياة عبر الإهانة التي يتعرضون لها يوميًا وهم يحاولون تأمين لقمة العيش أو من خلال التضييق على حقهم في التنقل عبر نقاط التفتيش المُذلة والمهينة، مؤكدًا أن تلاميذ المدارس لم يسلموا من هذه الممارسات التنكيلية.
وأكد الغويل أن استمرار هذه الانتهاكات الجسيمة سببه الرئيسي إخفاق المجتمع الدولي في محاسبة سلطات الاحتلال وفشلهم في تحميل قادته عبر الحكومات المتعاقبة المسؤولية عن هذه الانتهاكات، خاصة الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة، محذرًا من أنه مع استمرار الصمت الدولي ستظل إسرائيل تتمتع بإفلات تام من العقاب في ظل حماية كاملة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
وأدان الغويل تخاذل الحكومات العربية في دعم الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن الشعوب العربية نفسها ترفض ممارسات الاحتلال وغير راضية عن موقف حكوماتها السلبي والتطبيع مع الاحتلال، ضاربًا مثالًا بالشعب الإماراتي الذي يرفض اعتراف حكومته بإسرائيل لكنهم في الوقت ذاته يخشون الإعلان عن ذلك علانية خوفًا من العواقب التي قد تزج من يعبر عن رأيه في السجون لسنوات طويلة.
البروفيسور تيم موريثي بدأ كلمته بإدانة نظام الفصل العنصري الذي تتبعه سلطات الاحتلال مع الفلسطينيين، مشيرًا إلى أنه مشابه بنظام الفصل العنصري الوحشي الذي كان يعاني منه شعب جنوب إفريقيا في الماضي.
وأكد موريثي أن ما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي حاليًا ليس جديدًا، بل هي سياسة منهجية متصاعدة خاصة في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي ترعى هذا العنف وتعززه بقوانين وتشريعات.
وأشار موريثي إلى أن الاحتلال الإسرائيلي تمكن من حشد جماعات ضغط في الاتحاد الإفريقي على مدار العشرين سنة الماضية من أجل دعم موقفه والدفاع عنه في الحرب الدبلوماسية الدائرة، لكن بالرغم من ذلك خرجت أصوات معارضة لهذا الدعم من داخل الاتحاد الإفريقي، وصدرت بيانات تدين الهجمات الإسرائيلية على غزة وغيرها من صور العدوان الذي يستهدف المدنيين.
وشدد موريثي على أن ضحايا الانتهاكات في المجتمعات المتضررة هم الحلقة الأهم في هذه الصراعات مؤكدًا أن المجتمع الدولي يجب أن يقدم لهم الدعم الاقتصادي والاجتماعي المطلوبين لتعويضهم عن الأضرار ومساعدتهم على إعادة الاندماج في المجتمع من جديد.
واختتم موريثي كلمته مؤكدًا أن العدالة لن تتحقق إلا بالعمل الجماعي من قبل منظمات المجتمع المدني عبر توثيق الفظائع والانتهاكات من جهة، وعبر محاكمة الجناة والمسؤولين عن هذه الجرائم في أروقة المحاكم من جهة أخرى، مشددًا أن هذه الخطوة لن تتم إلا بدعم من الحكومات والأنظمة الدولية.
الكاتبة والسياسية الأمريكية سارة فلونديرز بدأت كلمتها متسائلة عن كيفية إنهاء العنف الإسرائيلي المتصاعد ضد الفلسطينيين، مؤكدة أن الحل الوحيد لهذا الأمر هو إنهاء الاحتلال بحد ذاته.
وأضافت فلونديرز أن العنف الإسرائيلي اللامتناهي سببه الرئيسي هو الدعم الأمريكي غير المحدود، والذي يتمثل في مساعدات عسكرية ومالية، فضلًا عن الدعم الدبلوماسي الذي تمثل واضحًا في زيارة بلينكن قبل أيام رُغم العدوان الإسرائيلي على جنين، مشيرة أن هذه الانتهاكات لم تمنع وزير الخارجية الأمريكية من الوقوف بجانب نتنياهو والتأكيد على دعم إسرائيل بكل قوة.
وأكدت فلونديرز أن إعلان بلينكن التضامن مع إسرائيل والتأكيد على حماية قيمها والدفاع عنها يجعل الولايات المتحدة متواطئة مع سلطات الاحتلال جرائم الفصل العنصري المرتكبة ضد الفلسطينيين، وشريكة في عمليات سرقة ونهب الأراضي والإبادة الجماعية التي يحاول الاحتلال تنفيذها الآن ضد الشعب الفلسطيني.
وتابعت فلونديرز أن إسرائيل تعتبر أكبر متلق للمساعدات المالية والعسكرية حول العالم، إذ أنها تتلقى من الولايات المتحدة 3.3 مليار دولار سنويًا، مؤكدة أن تمويل إسرائيل وتسليحها، وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري للضباط والجنود الإسرائيلي، مع توفير أحدث المعدات والتقنيات العسكرية والتكنولوجية ساعدوا الاحتلال الإسرائيلي بصورة رئيسية على ارتكاب جرائم جسيمة في الأراضي المحتلة.
وشددت فلونديرز على أن ضمان الحكومات الإسرائيلية المتطرفة ذات الممارسات العنصرية والفاشية أن الولايات المتحدة لن تسمح بتقديمها للمساءلة سواء على المستوى الأممي أو القضائي جعلها تتمادى في وحشيتها.
وأشارت فلونديرز أيضًا إلى تطبيع بعض الأنظمة العربية العلاقات مع إسرائيل، سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي كما تفعل المملكة العربية السعودية، مؤكدة أن هذه الخطوات هي التي شجعت نتنياهو على العودة من الجديد إلى الواجهة مع التعهد ببناء مزيد من المستوطنات، أو بمعنى أدق كما وصفت فلونديرز “مزيد من التطهير العرقي للفلسطينيين، مزيد من المعتقلين السياسيين، مزيد من نقاط التفتيش المهينة، مزيد من هدم المنازل وتهجير المواطنين”.
وأكدت فلونديرز أنه لم يكن الاحتلال الإسرائيلي ليستمر يومًا واحدًا دون الدعم المالي والعسكري المقدم من الولايات المتحدة، والذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات.
وتسائلت فلونديرز عن سبب هذا الدعم الأمريكي اللامتناهي لإسرائيل، قائلة “هل ترغب الولايات المتحدة في تقسيم المنطقة؟ هل تهدف إلى إزكاء الصراعات بين جميع الأطراف في الشرق الأوسط؟ هل هدفها جعل الشعوب فقيرة والاستيلاء على النفط، هل تحاول جني الأموال من خلال الحفاظ على مبيعات الأسلحة التي لن تتوقف طالما استمرت الصراعات … ما هدف الولايات المتحدة من كل ذلك!”.
واختتمت فلاوندرز كلمتها مشيرة إلى العدوان الأخير في جنين قائلة إنه “ربما يكون الأحدث، لكنه بكل أسف لن يكون الأخير، هو أمر يتكرر كل يوم”، وشددت على أنه “يجب على المجتمع الدولي التضامن مع الضحايا والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وتقديم الدعم اللازم لقضيتهم.
الباحث الفلسطيني أُبي العبودي ركز في كلمته على استهداف مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ومحاولات تقييد الحراك الفلسطيني، مؤكدًا أنها ممارسات مستمرة منذ بداية الاحتلال في 1967.
وأضاف عبودي أن إسرائيل تحاول التضييق على الفلسطينيين بشتى الطرق، باستهداف المنظمات، بالعنف، بالتضييقات المفروضة على الحدود.
وأكد العبودي على أن التمييز العنصري ضد الفلسطينيين يظهر في كل شيء، مشيرًا على سبيل المثال أنه “في الوقت الذي تفتقر فيه القرى الفلسطينية إلى مياه صالحة للشرب، تتمتع المستوطنات الإسرائيلية بمياه عذبة وإمدادات مياه لكل شيء لكل شيء حتى لأحواض السباحة.”.
وحذر العبودي من استمرار ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية على الوجود الفلسطيني، مؤكدًا “نُستهدف فقط لكوننا فلسطينيين… وجودنا كفلسطينيين مهدد بسبب تصاعد العنف الإسرائيلي ومحاولات الاحتلال السيطرة على كافة الأراضي الفلسطينية والتحكم في كل مقدرات البلاد وثرواتها”.
واختتم العبودي كلمته بإدانة المجتمع الدولي على موقفه المتخاذل تجاه جرائم الاحتلال الإسرائيلي، خاصة الولايات المتحدة المستمرة في تسليح ودعم الاحتلال رغم ما يرتكبه ضد الفلسطينيين من استهداف بالقتل المباشر أو إجبار المواطنين على ترك منازلهم وغيرها من الانتهاكات، مؤكدًا أن الولايات المتحدة بهذا الدعم تعتبر متواطئة في جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
الباحث في منظمة DAWN آدم شابيرو بدأ كلمته بالتأكيد على كلمة أُبي العبودي ومطالبة المجتمع الدولي بالتحرك من أجل محاسبة القادة الإسرائيليين على الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين.
وأكد شابيرو على أن ما يطالب به الشعب الفلسطيني من مساءلة ومحاسبة للإسرائيليين حق مشروع وأمر طبيعي ضمن نطاق القانون الذي تؤمن به الولايات المتحدة نفسها وغيرها من بلدان العالم.
وأشار شابيرو في كلمته إلى واقعة مقتل المسن الفلسطيني عمر أسعد (80 عامًا) الذي تعرض للضرب والسحل بوحشية من قبل جنود الاحتلال عند نقطة تفتيش حتى فارق الحياة، ولفت شابيرو أنه بالرغم من وحشية الواقعة التي أدانها المجتمع الدولي، لكن لم يتخذ أي تحرك جاد وحاسم لمحاسبة أو مساءلة المتورطين في هذه الجريمة.
وأكد شابيرو أنه لا توجد مساءلة دولية حقيقية للإسرائيليين على الانتهاكات الجسيمة المرتكبة بحق الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن المقاومة الفلسطينية تتخذ أشكالًا متعددة من بينها مقاطعة الشركات الإسرائيلية والضغط لوقف الاستثمار فيها، مع ذلك ورغم سلمية هذه الوسائل تحاول الولايات المتحدة تجريمها.
رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين في فلسطين السيد قدري أبو بكر بدأ كلمته مؤكدًا أن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، رجالًا ونساء، يعيشون أسوأ حقبة في الوقت الراهن.
وأضاف أن الأسرى الفلسطينيين في نظر القانون الدولي هم أسرى حرب لهم حقوق واضحة، لكن الاحتلال الإسرائيلي يسلبهم كافة حقوقهم ويتعامل معهم بوحشية منهجية.
وتابع أن المسؤولين الإسرائيليين يحاولون جذب التعاطف الشعبي معهم عبر التعهد بالتنكيل بالفلسطينيين شعبًا وأسرى، مثل بن غفير الذي تعهد بالانتقام من الأسرى الفلسطينيين.
ولفت إلى الواقع المأساوي الذي يعيشه الأسرى رجالًا ونساء داخل السجون، خاصة المرضى منهم، مؤكدًا أنه يوجد المئات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يعانون من أوضاع طبية متدهورة، وفي المقابل لا توجد أي رعاية طبية، ما يتسبب في تصاعد عدد وفيات السجون، وما يضاعف من آلام العائلة أن الاحتلال يرفض تسليم الجثامين لذويهم.
كما سلط الضوء على العنف الإسرائيلي ضد الأطفال ولا سيما الأطفال الأسرى البالغ عددهم 160 طفلًا، ويُعاملون بوحشية كبيرة داخل سجون الاحتلال، مشيرًا إلى أن القانون الإسرائيلي يعتبر من يتجاوز عمره 14 عامًا من البالغين وتطبق عليه قوانين وأحكام البالغين وهو أمر يناف القانون الدولي الذي يعتبر الأطفال من هم دون الـ 18 من عمرهم.
السياسي الأمريكي وعضو الكونغرس السابق جيم موران أكد في كلمته على ما سبق مشيرًا إلى أنه مع هذه الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستتصاعد الممارسات الاستفزازية بحق الفلسطينيين، كذلك محاولات الاستيلاء الأراضي والممتلكات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية.
وأشار موران إلى أن استمرار الظلم ضد الفلسطينيين وتهجيرهم وقتلهم يُعد من أشكال الفصل العنصري، يجعل البلاد “أشبه بالسجن المفتوح”.
وأكد موران أن الشعب الأمريكي يعي جيدًا أن السياسة والمساعدات المادية والعسكرية هي الطريقة الوحيدة لاستمرار الاحتلال و”جعل إسرائيل على قيد الحياة”.
وشدد موران على أنه “يجب على النشطاء المسلمين واليهود في الولايات المتحدة العمل معًا لمشاركة قيم الإنسانية لوقف العنف الإسرائيلي في فلسطين والتركيز على إيجاد حلول جذرية لمساعدة الفلسطينيين”.
اُختتمت الندوة بكلمة من الباحثة رُبى الصليبي التي بدأت حديثها بتسليط الضوء على العنف المتصاعد ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وتحديدًا في نابلس مشيرة أن الوضع هناك يشابه ما يحدث في غزة من حصار مستمر وعنف متصاعد يجعلها في عزلة عن بقية الأراضي الفلسطينية.
وأكدت الصليبي على أن ما يحدث في فلسطين حاليًا يجعل “النكبة مستمرة منذ 1948” ويهدد بوقوع الأسوأ، مشيرة إلى أن المشروع الصهيوني الاستعماري جاء في البداية بخطة تمزيق النسيج المجتمعي الفلسطيني، والعمل على تفريقهم في المنفى في البلدان المختلفة، بعد ذلك اتباع سياسة العنف المطلق سواء داخل فلسطين أو في المخيمات في البلدان المجاورة.
وأشارت ربى الصليبي إلى أن العنف المنهجي الإسرائيلي يظهر بوضوح في التعامل مع غزة، والهجمات الجوية التي استهدفت الأطفال أكثر من غيرهم، مضيفة أن الاحتلال لم يكتف بـ 15 عامًا من الحصار غير القانوني الذي أدى إلى مقتل الآلاف وشل حركة المواطنين خاصة مع تدمير البنية التحتية بالكامل.
وتحدثت رُبى عن المعاناة التي يعيشها أهالي غزة البالغ عددهم 2 مليون مواطن في ظل هذا الحصار غير الإنساني سواء مع الكهرباء التي تُقطع معظم الوقت، أو مع التضييق على حركة التنقل والسفر للخارج لتلقي العلاج أو استكمال التعليم، كما سلطت الصليبي الضوء على نظام الرعاية الصحية في غزة والذي دمره الاحتلال الإسرائيلي بقصف المستشفيات وحرمان المواطنين من السفر للعلاج، وكذلك منع دخول الأدوية والأجهزة الطبية
واختتمت الصليبي كلمتها بالتأكيد على أن النكبة لا تُعد حدثًا وقع في الماضي وانتهى، بل هي واقع مستمر يعيشه الفلسطينيون في كافة الأراضي المحتلة بصورة يومية، مطالبة الولايات المتحدة والحكومات المختلفة بالتوقف عن تسليح إسرائيل، وأكدت أنه “لن يعم السلام ولن تتحقق العدالة للفلسطينيين إلا بإنهاء هذا الاحتلال”.