عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الثلاثاء 16 مايو/أيار ندوة حول التحديات غير المسبوقة والأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهها الشعب السوداني جراء الاقتتال الداخلي الأخير بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.
أدارت الندوة الباحثة في جامعة أكسفورد رُبى الصليبي، بحضور ومشاركة خبراء وأكاديميين ونشطاء وصحفيين وباحثين بارزين لإلقاء الضوء على خطورة الوضع ومناقشة الحلول العملية لحماية الشعب السوداني.
وشارك في الندوة إرنست جان هوغندورن مستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، وأنيت هوفمان الباحثة في مؤسسة كلينجينديل، ود. ويلو بيريدج أستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل، والبروفيسور أليكس ديوال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون، وجاستن لينش الباحث ومؤلف مشارك لكتاب ديمقراطية السودان غير المكتملة، وخلود خير الناشطة السودانية والمدير المؤسس ل Confluence Consulting، وطاهر المعتصم المتحدث باسم نقابة الصحفيين السودانيين في الخارج، وحسام حنفي المحلل الإقليمي، ومراسلة قناة الجزيرة الإنجليزية هبة مرجان.
في بداية كلمته حذر إرنست جان هوغندورن من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان بسبب استمرار الصراع بين البرهان وحميدتي، مشيرًا أن الصراع يذهب نحو طريق مسدود قد يؤدي إلى تفكك القوات المسلحة وتعقيد أي جهد لتحقيق السلام في المستقبل.
وقدم هوغندورن ثلاث سيناريوهات متوقعة الحدوث على المدى المتوسط في السودان، في نظره كان السيناريو المثالي هو نجاح مساع وقف إطلاق النار والانتقال إلى حكومة مدنية، لكن السيناريوهات الأكثر ترجيحًا من خلال قراءته للأحداث إما تكرار سيناريو لبنان أو سيناريو دارفور.
وأوضح هوغندورن أن سيناريو لبنان مع تفاقم الأزمة الاقتصادية قد يؤدي إلى تدفق هائل للاجئين مع كارثة إنسانية غير مسبوقة، في حين أن سيناريو دارفور يمكن أن يخلق دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار في السودان والمنطقة.
وشدد هوغندورن على ضرورة تكاتف المجتمع الدولي يتكاتف وإيجاد الحلول المناسب لتغيير ميزان القوى في السودان، مشيرًا إلى أن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي تجميد الحسابات المصرفية للواء برهان والجنرال حميدتي في دول الخليج من أجل وقف تمويل هذه القوى وممارسة الضغوط عليهم.
في كلمتها بدأت الباحثة في مؤسسة كلينجينديل أنيت هوفمان بحث المجتمع الدولي على التدخل لضمان وقف العنف المتصاعد في السودان، معربة عن قلقها العميق إزاء تدهور أوضاع ملايين السودانيين المتضررين من النزاع، مشددة على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لمنع تفاقم الأزمة.
وسلطت هوفمان الضوء على دور أنظمة الإنتاج المفترسة في السودان كمولد لمزيد من العنف، مشيرة إلى أن الجيش السوداني المدعوم من مصر يسيطر على غالبية اقتصاد البلاد، مقدرة أن الشركات التابعة للجيش تشكل 80٪ من النشاط الاقتصادي في البلاد، بالإضافة إلى ذلك، تسيطر ميليشيات الدعم السريع، المدعومة من قوى إقليمية مثل الإمارات العربية المتحدة، على شبكات أعمال واسعة في مجالات مثل النقل، والبناء، والزراعة، والعقارات.
وشددت هوفمان على ضرورة الضغط على الرعاة الإقليميين مثل مصر والإمارات لسحب دعمهم لهذه القوى من جهة ومنع تمويل الصراع الجاري، وتوجيه الدعم للقوى المدنية من جهة أخرى لأهميتهم في رسم الطريق نحو السلام والاستقرار.
أستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل الدكتورة ويلو بيريدج ركزت في كلمتها على الإفلات من العقاب ودوره في تزايد الانتهاكات في الصراع الدائر حاليًا في السودان، مشددة على أهمية فهم العوامل التي تساعد على الإفلات من العقاب، بما في ذلك السماح لأطراف الصراع بالحفاظ على استثماراتهم في الدول الغربية.
ولفتت بيريدج إلى تورط زعيم ميليشيا الجنجويد، حميدتي، والجنرال البرهان في إصدار أوامر بفض اعتصام شعبي أدى إلى مذبحة راح ضحيتها أكثر من 100 مدني، ومرور الأمر دون محاسبة.
وأشارت بيريدج إلى أن النمط التاريخي للإفلات من العقاب في السودان ينبع من هيمنة كادر صغير من الضباط ذوي الجذور الاجتماعية في منطقة النهر الشمالي، والذين استفادوا من الاستغلال التاريخي للمناطق المهمشة.
وفي ختام كلمتها أكدت بيريدج أن القوات المسلحة السودانية، المسؤولة تاريخياً عن قصف المناطق في الأطراف المهمشة، متورطة الآن في قصف المناطق المكتظة بالسكان في الخرطوم، مشيرة أن هذه الجرأة تمثل تغييرًا عميقًا في فلسفة القوات العسكرية التي لم تعد خائفة من الدخول في معركة مباشرة مع الشعب في كل مكان في السودان وليس فقط الأماكن المهمشة، لافتة أن هذا كله سببه الإفلات من العقاب الذي تمتعت به هذه القوات على مر العقود.
أما الباحث الأمريكي ومؤلف كتاب “ديموقراطية السودان غير المكتملة” جاستن لينش أن الأوضاع الحالية هي نتيجة ما حدث عبر السنوات الماضية، قال لينش إن المجتمع الدولي لديه قدرة محدودة على وقف الحرب في السودان، لكن يمكنه محاولة منع حدتها وانتشارها إلى دول أخرى، داعيًا صناع القرار في العالم على أن يكون لديهم استراتيجية أوسع تتجاوز مسألة العقوبات، كما شدد لينش على أهمية ضمان وصول المساعدات الإنسانية ومنع تسييسها من قبل الجماعات المسلحة على الأرض.
البروفيسور أليكس ديوال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، بدأ كلمته بتقديم التعازي للشعب السوداني في ضحاياه الذين فقدهم جراء الصراع الحالي الدائر على يد جهات أطلق عليهم “أمراء الحرب” و”رجال العصابات”، مؤكدًا أن الشعب السوداني يستحق الأفضل، ولافتًا إلى أن الثورة السودانية السلمية التي حدثت قبل أربع سنوات أكدت أن الدولة وشعبها بإمكانهم تحقيق المزيد فيما يتعلق بالمشاريع الديموقراطية، لكن “العصابات” تحاول القضاء على هذه المكتسبات.
وقال ديوال إن أطراف الصراع الحالي ترتكب انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الهجمات المباشرة على المدنيين وتدمير البنية التحتية، وجرائم التجويع، داعيًا قادة العالم لمحاسبة هذه الأطراف على هذه الانتهاكات والجرائم.
وعلق ديوال على الوضع القانوني للمتحاربين مؤكدًا أنه لا يمكن القول إن أيًا منهما يمثل الدولة السودانية، بل على العكس، هم ممثلون لدول أخرى، ينفذون لأجلهم ممارسات فاسدة ومناهضة للديمقراطية، ورفض ديوال وصف ما يحدث بأنه حرب أهلية، واصفا إياه بـ “أشبه ما يكون بتبادل إطلاق النار بين رجال العصابات”.
كما انتقد ديوال بروتوكول جدة الأسبوع الماضي الذي وقعه الطرفان لأنه، من وجهة نظره، لم يعترف بدور الفاعلين المدنيين المحليين في إيصال المساعدات الإنسانية الأساسية، ودعا إلى الاعتراف بأهمية هذه الجهات الفاعلة في العمل الإنساني المركزي وحمايتهم.
الناشطة السودانية خلود خير أشادت بموقف لجان المقاومة منذ بداية الثورة لرفضهم التحدث إلى الجنرالات والتوقيع على اتفاق إطار غير عملي يسمح بالإفلات من العقاب عن الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية في السودان.
كما عبرت خير عن إحباطها من موقف المجتمع الدولي من لجان المقاومة، مشيرة أن المجتمع الدولي ودول المنطقة ومجلس حقوق الإنسان يتجاهلون دور هذه اللجان الأساسي والفعال في الحركة السياسية حاليًا، ولا يقدمون لهم الدعم المطلوب لمواجهة التحديات التي يخلقها الصراع.
وأشارت خير إلى أن القرارات التي تتخذ حاليًا حول السودان تستبعد لجان المقاومة من جهود الوساطة وتحاول تهميش عملها، مشددة على أن إشراك المدنيين في جهود الوساطة أمر حاسم وضروري من أجل وقف دائم لإطلاق النار في السودان.
طاهر المعتصم، المتحدث باسم نقابة الصحفيين السودانيين بالخارج، سلط الضوء في كلمته على الانتهاكات الجسيمة والوحشية التي تعرض إليها الصحفيون والعمل الصحفي في السودان بشكل عام نتيجة النزاع المسلح الذي بدأ بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان الماضي.
وأشار السيد طاهر إلى أنه على مدار السنوات الماضية ترك أكثر من 250 صحفيًا وصحفية المهنة بسبب التضييقات المفروضة عليهم، مضيفًا أن النزاع الحالي عمق المعاناة ودفع المئات للمغادرة بالإجبار أو اعتزال المهنة “وغُيبت الحقيقة عن المواطنين” نتيجة هذا الوضع.
وبين طاهر أنه حسب ما رصدته نقابة الصحفيين، فإن قوات الصراع الحالي قصفت عدد من مكاتب غرفة الأخبار بوسط الخرطوم، وظل العشرات من الصحفيين عالقين في أماكن عملهم التي كانت تقع في خطوط النار بين الأطراف المتقاتلة، وتعرض بعض الصحفيين لانتهاكات وقمع أثناء تغطيتهم للاشتباكات.
في مداخلته، أثار المحلل حسام حنفي مخاوف بشأن تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، مستشهدا بعدد من الأزمات التي طالت البلاد في السنوات الأخيرة.
وذكر حنفي أن السودان كان أيضًا في وضع حرج قبل بدء الصراع الحالي، حيث يعاني أكثر من 11 مليون شخص من نقص الغذاء، لافتًا أنه في كل الأحوال كان السودان على موعد مع كارثة إنسانية خاصة وأنه من المتوقع حسب الإحصاءات والمؤشرات العالمية أن 15.8 مليون بحاجة إلى إغاثة إنسانية عاجلة.
ولفت حنفي إلى أن الحصول على مساعدات إنسانية صعب أيضًا بسبب انعدام الأمن والطبيعة المتصدعة للدولة، علاوة على ذلك، فإن المساعدات معرضة لخطر التسييس وتقديمها إلى متلقين غير مستحقين.
وحث حنفي المجتمع الدولي على زيادة الدعم للمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، كما حث الأطراف المدنية السودانية على ضرورة التحدث بصوت واحد والعمل معًا لضمان مساءلة الأطراف المتحاربة ووصول المساعدات لمن هم في أمس الحاجة إليها.
مراسلة الجزيرة الإنجليزية هبة مرجان بعدد انتقدت في كلمتها عدم وجود مساءلة في الدولة، مشيرة إلى أن حالة الإفلات من العقاب هذه ساهمت بشكل كبير في تفاقم الأزمة الحالية، لافتة إلى أن قطاع الدفاع، على سبيل المثال، استحوذ على 70٪ من ميزانية السودان، دون أن يبين للشعب المجالات والمسارات التي أنفق فيها هذه الأموال التي تقدر بالملايين.
كما تحدثت مرجان عن الدعم الخارجي الذي يتلقاه قادة الحرب الحالية، الجنرال برهان وحميدتي، مشيرة أن العديد من الدول عاملت هؤلاء القادة كقادة شرعيين بالرغم من أنهما ليسا كذلك.
كما أكدت مرجان على أهمية الاستماع إلى الشعب السوداني وتطلعاته، بدلًا من التركيز على مصالح الدول الأجنبية، مؤكدة أنه من الضروري وجود وسطاء مؤهلين يفهمون احتياجات ورغبات الشعب السوداني لمناقشة الصفقات الحساسة التي ستؤثر على البلد ككل.
وفي الختام أكدت مرجان على أهمية محاسبة المسؤولين عن الأزمة وإشراك الشعب السوداني في عملية صنع القرار، “عندها فقط يمكن للسودان أن يتحرك نحو مستقبل مستدام”.