عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة مساء الثلاثاء 30 مايو/أيار 2023 حول القمع العابر للحدود والمخاطر التي يواجهها المعارضين الإماراتيين في الخارج في ظل تصاعد قمع النظام الإماراتي والتهديدات المتزايدة للمعارضين وعائلاتهم في الداخل والخارج.
أدارت الندوة الناشطة الإماراتية، جنان المرزوقي، التي ساهمت رؤيتها الشخصية وتجربتها باعتبارها ابنة المعتقل السياسي الإماراتي عبد السلام درويش المرزوقي في إثراء النقاش الذي ألقى نظرة عميقة على واقع حقوق الإنسان في الإمارات، والمخاطر التي تواجه النشطاء في الخارج خاصة مع ما تعرض له الدكتور خلف الرميثي مؤخرًا بعد اختطافه في الأردن وتسليمه للنظام الإماراتي لنشاطه السياسي.
شارك في الندوة، المحامية الدولية هايدي ديكستال -الممثلة القانونية للدكتور خلف الرميثي، والمحلل السياسي بيل لو- محرر آراب دايجست، والناشط الإماراتي والمدافع عن حقوق الإنسان أحمد الشيبة النعيمي، وكريستينا ستوكوود- الناشطة الحقوقية في مركز الخليج لحقوق الإنسان، والباحث في منظمة الديموقراطية الآن للعالم العربي سيفاج كيشيشيان.
في بداية الندوة، تحدثت المحامية هايدي ديكستال عن الوضع القانوني لموكلها الدكتور خلف الرميثي، المختفي في الإمارات منذ ترحيله من الأردن قبل عدة أسابيع، مشيرة إلى تنامي ظاهرة الاعتقال والترحيل القسري للمعارضين، وتسليمهم لأنظمة بلادهم رُغم تدهور حالة حقوق الإنسان هناك.
وأكدت ديكستال أن النظام الإماراتي يحاول توسيع نفوذه في الولايات القضائية الأجنبية للتنكيل بمعارضيه الذين يقيمون في دول أخرى، بغض النظر عن كون الكثير منهم مزدوج الجنسية بالفعل.
وحول ما تعرض له الدكتور خلف الرميثي، قالت ديكستال أنه أخباره انقطعت منذ 09 مايو/أيار، أي بعد اعتقاله بيومين في الأردن، ورُغم صدور قرار بالإفراج عنه بكفالة، أعادت السلطات الأمنية اعتقاله ثم ترحيله بصورة غامضة للإمارات.
وأوضحت ديكستال أن مذكرة اعتقال الرميثي التي قدمتها الإمارات تستند إلى الاتهامات الموجهة له في القضية الشهيرة المعروفة باسم “الإمارات 94″، وهي قضية تعرض فيها عدد كبير من النشطاء والمفكرين لمحاكمة جماعية قبل حوالي عقد من الزمان، شهدت هذه المحاكمة انتهاكات واضحة لمعايير العدالة الدولية أبرزها حرمانهم من التمثيل القانوني، وصدرت بحقهم أحكام إدانة جائرة اعتمدت بشكل أساسي على الاعترافات التي انتزعت تحت التعذيب.
وشددت ديكستال على وجود مسؤولية يتحملها النظام الأردني بشأن ما يتعرض له الرميثي، مشيرة إلى أن انعدام الشفافية التي أحاطت بظروف اعتقال وتسليم الرميثي يؤكد تورط السلطات الأردنية في الأمر، مضيفة وُرود أبناء عن إرسال الدكتور الرميثي على متن طائرة خاصة إلى الإمارات، خارج إجراءات التسليم المعتادة.
وبينت ديكستال أن الفريق القانوني الخاص بالسيد الرميثي أرسال شكوى إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب عبروا فيها عن مخاوفهم من تعرضه للاختفاء القسري والتعذيب والإجبار على الإدلاء بأقوال تحت تهديد، مع المطالبة بالتدخل لضمان حصوله على محاكمة عادلة، والسماح لعائلته بالتواصل معه ومعرفة أخباره.
من ناحية أخرى لفتت ديكستال إلى أن الانتربول العربي متورطًا في قضية الدكتور الرميثي، مشددة على ضرورة الحصول على إجابات واضحة من جميع السلطات المختصة في كل الجهات، مشيرة إلى أن مثل هذه الإجابات من الصعب الحصول عليها دون تدخل دولي وضغوطات من الأمم المتحدة.
في كلمته، أعرب المحلل السياسي بيل لو، محرر صحيفة أراب دايجست ومحلل شؤون الخليج السابق في BBC، عن تزايد مخاوفه المتعلقة بحالة أوضاع حقوق الإنسان في الخليج، لاسيما في دولة الإمارات العربية المتحدة، مشيرًا إلى أن ما تعرض له الرميثي تعرض إليه معارضون آخرون من السعودية والبحرين، جميعهم فقدوا حريتهم لمعارضتهم لأنظمة بلادهم رُغم وجودهم على أراض أخرى.
وقال “لو” إن أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات تعاني من وضع سيء للغاية دون أي مبالغة، حيث ينتشر الاحتجاز التعسفي الذي يصاحبه انعدام الشفافية وانتهاك للإجراءات القانونية الواجب اتباعها، أبرزها استمرار اعتقال الكثير من السجناء بالرغم من انتهاء محكوميتهم.
كما تحدث “لو” عن القبضة الأمنية المشددة في الإمارات خاصة من ناحية المراقبة الشديدة المفروضة على جميع المواطنين عبر الفضاء الاليكتروني وغيرها من المجالات، مشيرًا أن هذه التشديدات المتزايدة تثير مخاوف شتى حول الواقع المزري الذي يعاني منه الإماراتيون.
في سياق متصل، ألقى “لو” الضوء على الفعاليات الدولية التي تنظمها الإمارات والتي تحاول بها غسيل سمعتها والتغطية على جرائمها، مشيرًا إلى قمة المناخ المقرر عقدها نهاية هذا العام في دبي والذي قال إن قضايا حقوق الإنسان تتعرض للتهميش والتجاهل بسبب هذا المؤتمر الذي حذر من أن يجعل العالم ينسى جرائم وانتهاكات النظام الإماراتي.
بالإضافة إلى ذلك، انتقد “لو” صمت الدول الليبرالية الكبرى، مثل كندا والمملكة المتحدة، تجاه انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة بصورة متزايدة من قبل النظام الإماراتي والتي تشمل التعدي على سيادتهم، مشيرًا أنه يرى أن سبب هذا الصمت المخز يرجع إلى المصالح الاقتصادية المشتركة مع الإمارات، خاصة في ظل أزمة النفط.
كما أشار إلى خوف تلك الأنظمة من فقدان استثمارات النظام الإماراتي داخل بلادهم في مجالات السياحة والاقتصاد والرياضة وكذلك مراكز الفكر والمنظمات غير الحكومية.
وفي ختام كلمته، شدد “لو” على ضرورة إيجاد طريقة فعالة للتصدي لهذه الانتهاكات، محذرًا من تصاعد نفوذ الأنظمة الاستبدادية عالميًا.
كما دعا إلى تشكيل جبهة موحدة من نشطاء المناخ وحقوق الإنسان لضمان إجراء مناقشة شاملة حول حقوق الإنسان قبل قمة COP 28 المقبلة في دبي، مشيرًا إلى أن حقوق الإنسان لا تشمل فقط الحق في هواء نظيف وماء نقي، لكن أيضًا تشمل الحريات الأساسية مثل الحق في حرية التعبير والمحاكمة العادلة والانتصاف القانوني.
عبر سرد تجربته الشخصية، سلط الناشط الإماراتي والمدافع عن حقوق الإنسان أحمد الشيبة الضوء على الواقع المرعب الذي يعيشه المعارضون في الخارج، مشيرًا إلى أن ما تعرض له الدكتور خلف الرميثي يعيد للواجهة مرة أخرى المأساة الحقيقية التي يعاني منها النشطاء الإماراتيين، ويكشف للعالم وجه النظام الإماراتي الخبيث، والكيفية التي يستخدم بها سلطاته وثرواته لانتهاك القوانين الدولية والتنكيل بمعارضيه.
وأدان الشيبة السلطات الإماراتية لاستخدامها ما وصفه بـ “الأموال القذرة” للعمل ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في دول أجنبية، في إشارة إلى حالات في الأردن وإندونيسيا اُختطف فيها مواطنين إماراتيين بالتعاون مع السلطات المحلية، لافتًا إلى أن خطورة هذه الانتهاكات تتركز في استغلال الانتربول وتطويعه لارتكاب مثل هذه الجرائم.
وروى الشيبة تجربته الشخصية، حين اضطر لمغادرة الإمارات هربًا من قمع النظام، ولم تتمكن أسرته من اللحاق به إلا بعد عامين، باستثناء أحد أبنائه، وهو “محمد” وكان من ذوي الاحتياجات الخاصة، ورغم ظروفه الصحية الحرجة لم تسمح له السلطات الإماراتية مغادرة البلاد، وظل هناك حتى توفي عام 2021 دون أن يتمكن من توديعه.
وأعرب الناشط الإماراتي عن قلقه بشأن المستقبل الذي ينتظر الجميع، مستشهدًا بمحاولات الإمارات الأخيرة للتأثير على المنظمات والمجالس الدولية، وانتقد بشكل خاص اختيار الإمارات لرئاسة لجنة مكافحة الإرهاب ومجلس الأمن بغض النظر عن سجلها السيء في مجال حقوق الإنسان.
وفي ختام مداخلته، سلط الشيبة الضوء على محنة المعتقلين السياسيين الذين لا يزالون رهن الاحتجاز رُغم انتهاء محكوميتهم، مشيرًا إلى أنه بدلًا من احترام القانون وقرارات القضاة بالإفراج عن المعتقلين بعد انقضاء مدة العقوبة، قررت الجهات الأمنية نقل حوالي 56 معتقلًا إلى ما يُسمى بـ “مراكز المناصحة” بهدف التأهيل والإصلاح، لافتًا أن القانون يسمح للسلطات تمديد احتجاز المحتجزين بداخل تلك المراكز لأجل غير مسمى.
ودعا الشيبة في كلمته إلى ضرورة نشر توعية عالمية بانتهاكات الإمارات لحقوق الإنسان، وحث المشاركين على التفكير في كيفية وقف تصعيد دوامة العنف والقمع المرتكبة من قبل النظام الإماراتي.
في كلمتها، سلطت كريستينا ستوكوود، الناشطة ومديرة جمع التبرعات والتنمية في مركز الخليج لحقوق الإنسان، الضوء على محنة المعارضين الإماراتيين في الداخل، وكذلك الانتهاكات التي يتعرض إليها المعتقلون السياسيون ومعتقلي الرأي من سوء أوضاع احتجاز وإهانات نفسية وجسدية.
تحدثت في البداية عن معاناة المعتقل الإماراتي عبد السلام درويش، الذي أنهى مدة سجنه ولا يزال معتقلًا حتى الآن، كما أشارت إلى العقاب الجماعي الذي تعاني منه عائلته الآن بسبب توجهاته السياسية، وعلى رأسهم ابنته جنان التي أجبرت على مغادرة البلاد عام 2016، ورغم ذلك لا تزال تتلقى تهديدات مستمرة على يد عملاء النظام الإماراتي في الخارج، تزايدت بصورة ملحوظة بعد الوفاة الغامضة للناشطة آلاء الصديق، نجلة المعتقل السياسي محمد الصديق.
وحول الأوضاع الداخلية لحقوق الإنسان في الإمارات، قالت ستوكوود إن النشطاء والمعارضين حين يجرؤون على التعبير عن رأيهم لا يجدون أنفسهم إلا في السجن، وفي أحسن الأحوال يُجبرون على الفرار ليقابلوا رحلة أخرى من المعاناة في مواجهة القمع العابر للحدود، لافتة إلى أن المشاركة في ندوات مماثلة من قبل نشطاء إماراتيين تساهم في تلقيهم لمزيد من التهديدات.
وركزت ستوكوود بشكل خاص على محنة المعتقل الإماراتي والمدافع عن حقوق الإنسان الناشط أحمد منصور، لافتة إلى الأوضاع المزرية التي يعاني منها داخل حبسه الانفرادي في الإمارات، لدرجة أنه محروم من السرير أو حتى وسادة، فضلًا عن الإهمال الطبي الذي يتعرض له، محذرة من أنه يتعرض للقتل البطيء، وجريمته الوحيدة هو وغيره من المعتقلين: التعبير عن الرأي واستخدام الانترنت في ذلك.
وأضافت ستوكوود أن الإمارات ليست كما تبدو من الخارج، وجهة سياحية فاخرة ومركزًا عالميًا للتسوق، على العكس من ذلك، شددت ستوكوود على أنها غير آمنة كما تبدو، مشيرة إلى تعرض العديد من الأجانب للاعتقال والتعذيب مثل ماثيو هيدجز وديفيد هاي.
كما سلطت ستوكوود الضوء بشكل خاص على معاناة الأجنبي أرثر لي جاسكا، وهو سجين بولندي تعرض للتعذيب وسوء المعاملة في الإمارات قبل وفاته، لافتة أنه تمكن من نشر العديد من الكتب حول تجاربه، مما ساهم في الفهم العالمي لحالة حقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة.
كما تحدثت ستوكوود إلى معاناة نشطاء آخرون من دول خليجية استبدادية مثل مريم الخواجة، وهي ابنة معتقل سياسي محتجز من قبل النظام البحريني، لافتة إلى أنها لا تتمكن من السفر بحرية في عدد كبير من بلدان المنطقة العربية خوفًا من نفس المصير الذي يواجهه دكتور خلف الرميثي الآن.
وفي ختام كلمتها،حثت ستوكوود الجميع إلى ضرورة رفع مستوى الوعي حول انتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة التي تسبق الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر المناخ المقرر انعقاده في دبي نهاية العام الجاري.
في ختام الندوة، تحدث الباحث في منظمة الديموقراطية الآن للعالم العربي سيفاج كيشيشيان عن النفوذ المتنامي للنظام الإماراتي عالميًا وكيفية استخدام هذا النفوذ في التغطية على جرائمه ولفت الانتباه عن الانتهاكات التي يرتكبها، لافتًا إلى أن الإمارات تستغل كونها أحد مصادر النفط الأساسية في العالم للتأثير على السياسات الخارجية لكثير من الدول.
وأوضح كيشيشيان أن تغير المناخ، وتحديدًا بدء الابتعاد عن النفط، يمثل تهديدًا وجوديًا لقوة الدول الغنية بالنفط مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، نظرًا لأن النفط يعمل كمصدر أساسي لقوتهم وتأثيرهم العالمي، لذلك فإن أي تحول نحو الطاقات البديلة يمكن أن يقوض موقعهم الحالي.
وشدد كيشيشيان كذلك على أن تداعيات الربيع العربي شهدت اتجاهًا متصاعدًا للقمع العابر للحدود، حيث تقوم الدول بقمع دعوات الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساءلة، وحذر من أن هذا القمع مهيأ للزيادة حيث تستثمر دول مثل الإمارات بكثافة في تقنيات المراقبة، وتستهدف المعارضين في الداخل والخارج.
كما أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية إلى تفاقم هذه المشكلة، مما أدى إلى تحويل ساحة المعركة إلى هذه المساحات الافتراضية، وهذا التغيير، وفقًا لكيشيشيان، استلزم استثمارًا مفرطًا في تقنيات المراقبة من قبل الإمارات العربية المتحدة.
ولفت كيشيشيان إلى أنه بينما تحافظ هذه الدول على موقف وترفض التدخل الأجنبي في شؤونها، فإنها تستثمر في الوقت نفسه في أدوات القمع العابر للحدود لاستهداف النشطاء في جميع أنحاء العالم، ما اعتبره تناقض صارخ في سياسات الدول الكبرى التي تسمح للإمارات بالتدخل في سيادتها والاعتداء على مواطنين أو مقيمين على أراضيها.
وأدان كيشيشيان الصمت الدولي تجاه انتهاكات النظام الإماراتي ضد حرية الرأي، وتنامي ظاهرة العقاب الجماعي لعائلات المعارضين في الداخل والخارج.
وشدد كيشيشيان على أهمية سد الفجوة بين النشطاء الذين يناضلون من أجل العدالة المناخية وبين المدافعين عن حقوق الإنسان، مؤكدًا أن هدفهم واحد وهو أن ينعم الإنسان بحياة آمنة، سواء على المستوى الصحي أو الفكري.
واختتم كلمته مشددًا على ضرورة الضغط على الحكومات الغربية من قبل شعوبهم من أجل عدم السماح لهم بالتعاون مع الأنظمة المستبدة مثل الإمارات، وكذلك الضغط من أجل محاسبة كل مسؤول غربي تورط في التواطؤ مع هذه الأنظمة الديكتاتورية وساعدهم على ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وسهل لهم ما يُسمى بالقمع العابر للحدود.