بين ركام البيوت المتهدمة ورائحة الجثث المتحللة وتلاطم المياه بين جنبات شوارع درنة المنكوبة يقارع عمال الإغاثة المحليين الزمن من أجل البحث عن آلاف المفقودين بعد الإعصار المدمر الذي ضرب المدينة يوم الأحد الماضي ولم تتلق المدينة المساعدات المطلوبة إلا بشكل محدود جدا وبأعداد صغيرة ومخزية وسط صراع داخلي وحرب أهلية ممولة من أطراف عدة، وتخاذل أوروبي وغربي عن تقديم المساعدات.
فقد اهتمت دول العالم ومسؤولي الجهات المتناحرة على السلطة في ليبيا بإصدار البيانات أكثر مما اهتمت بإرسال المساعدات وبذل جهود الإنقاذ، وفيم هب الاتحاد الأوروبي والناتو مجتمعا للتدخل العسكري في ليبيا من قبل من أجل الحفاظ على مصالحه في ليبيا غير مبال بالضحايا المدنيين، لم يبد أي تحرك جاد يتناسب مع حجم المأساة.
الجثث لا تزال في الشوارع، ولا يزال البحر يلقي بالعشرات منها فيما لا يتوفر عدد مناسب من العمال للقيام بدفن هذه الجثث ولا حتى أكياس لحفظها ولا حتى اللوازم المعيشية الأساسية للناجين مما يهدد بطاعون كارثي وأوبئة صحية مروعة، إلا أن دول العالم الغربي تنتظر التنسيق مع الحكومات المتناحرة لتقدم المساعدة في حين أنها لم تكن لتنتظر إلى هذا التنسيق في حالة اتخاذها قرارا بالتدخل العسكري سابقا.
رئيس البلدية في درنة قدر أن يتخطى عدد الضحايا أكثر من 20 ألفا، وصرح بأن جميع المتضررين بحاجة ماسة إلى كافة أشكال الدعم والخدمات الصحية الأساسية والتدخلات المنقذة للحياة وأنهم في خطر متزايد من الأمراض المنقولة بالمياه وغيرها من الأمراض التي تتفشى في الظروف المماثلة، بينما تسببت الفيضانات في تدمير البنية التحية والمرافق العامة وتعطيل الطرق وانقطاع الكهرباء ووسائل الاتصال.
هذه الكارثة كان يمكن أن تكون أقل بكثير إذا كانت الأنظمة والحكومات المتعاقبة على ليبيا والدول الداعمة لها مهتمة بالسدود والبنية التحتية لحماية أرواح الناس ومملتكاتهم، فبحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة فإنه “كان من الممكن تفادي سقوط معظم الضحايا”، خاصة وأن حال السدود لم يكن يخفى على أحد فقد نشرت دراسة قامت بها جامعة ليبية تحذر من “كارثة تحيط بالمدينة، بسبب سوء صيانة السدود”.
وقد طالب الباحثون المسؤولين بشكل واضح أن يقوموا بإصلاح هذه السدود منذ العام الماضي إلا أن تلك النداءات لم تبلغ آذان المسؤولين لانشغالهم بالصراعات الداخلية والانقسام والفوضى والصراع لمدة أكثر من عقد والذي جعل جهود الاستجابة لحالات الطوارئ بهذا الهزل.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إذ تعزي عائلات الضحايا وتتمنى السلامة والشفاء للمصابين، تدعو المؤسسات العالمية والدول الأوربية بسرعة التحرك لإنقاذ المتضررين والسيطرة على الوضع الإنساني المتهالك وتحمل المسؤولية في إعادة إعمار المدن المنكوبة في أسرع وقت ممكن.