في ضوء التصاعد الأخير في حوادث العنف والإجراءات القمعية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بشكل عام والأسرى بشكل خاص، وخاصة التي يفرضها وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الجمعة 15 سبتمبر/أيلول ندوة لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات بحضور نخبة من كبار النشطاء والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان العالميين.
أدارت الندوة الدكتورة شهد أبو سلامة – الكاتبة والناشطة النسوية الفلسطينية بمشاركة، كين روث– المحامي الأمريكي والمدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومان رايتس ووتش، وبيل لو– محرر آراب ديجست ومحلل شؤون الخليج السابق في BBC، وسحر فرنسيس– المديرة العامة لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ورولا شديد– مدير قسم المناصرة في معهد فلسطين للدبلوماسية العامة، وظريفة بارود– طالبة دكتوراه في جامعة اكستر، وأسيل الباجة– باحثة قانونية في قسم المناصرة بمنظمة الحق، وكريس أوزيك- صحفي استقصائي ومحقق مصادر مفتوحة.
في مداخلتها، سلطت سحر فرنسيس، مدير عام مؤسسة الضمير الضوء على الظروف القاسية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون داخل السجون الإسرائيلية، خاصة مع وجود نحو 5000 أسير في سجون الاحتلال، من بينهم 165 طفلا على الأقل و183 امرأة، منهم أكثر من 1200 معتقل إداري بينهم أربعة من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني.
ووفقا لفرنسيس، فإن وضع الأسرى الفلسطينيين تدهور بشكل ملحوظ بعد عملية هروب ستة أسرى من سجن جلبوع المشدد قبل عامين، مضيفة “منذ ذلك الحين، تصاعدت سياسات العقوبات الجماعية والعزل والنقل المتكرر للسجناء من منشأة إلى أخرى”.
وقالت فرنسيس إن وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير له دور كبير في تفاقم أوضاع السجناء، مشيرة إلى أنه “عندما تولى وزارة الأمن الداخلي، بدأ على الفور بفرض إجراءات جعلت ظروف الحياة اليومية للسجناء أكثر صعوبة”، موضحة أن من بين هذه الإجراءات “القيود المفروضة على أوقات الاستحمام وعمليات النقل التي تحدث غالبًا في نفس يوم الزيارات العائلية المقررة”.
وتحدثت فرنسيس أيضًا عن التعديلات في النظام القانوني التي أثرت بشكل سلبي على الأسرى، مثل تغيير سياسة الإفراج المبكر عن المحكوم عليهم بالسجن لمدة تقل عن ثلاث سنوات، كما أن الزيارات العائلية اقتصرت على مرة واحدة كل شهرين لمدة نصف ساعة فقط.
ونوهت فرنسيس إلى خطورة الإضراب عن الطعام وأثره على حياة الأسرى، لافتة إلى ما حدث مع الأسير خضر عدنان الذي قضى العشر السنوات الأخيرة تقريبًا بين سجون الاحتلال وفقد حياته قبل أشهر بعد 87 يومًا من إضرابه عن الطعام هذا العام.
وأضافت: “لم يكن من المفترض أن يواجه خضر هذا الوضع الخطير، لكنهم رفضوا إطلاق سراحه، ورفضوا نقله إلى مستشفى لتلقي العلاج، وتم عزله بمفرده طوال 87 يومًا، وحُرم من الزيارات العائلية”.
وختمت فرنسيس حديثها بالقول إن مقتل عدنان “يعكس تواطؤ نظام الاحتلال برمته: النظام القضائي، سواء في نظام المحاكم العسكرية أو المحكمة العليا الإسرائيلية أو نظام سلطة السجون، في حملته ضد الأسرى”.
تحدثت ظريفة بارود، طالبة الدكتوراه في المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية التابع لجامعة إكستر، عن الظروف اللاآدمية التي يعاني منها الأسرى الفلسطينيون داخل السجون الإسرائيلية، مشددة أن الإجراءات العقابية التي تتخذها إسرائيل ضد الأسرى هي جزء من استراتيجية أوسع لها جذور تاريخية عميقة.
وقالت بارود: “من المهم الاعتراف بأن حرب إسرائيل تتجاوز جدران سجونها، لا سيما في سياساتها الأخيرة فيما يتعلق بالأسرى الفلسطينيين”.
وتابعت “السجون كانت دائمًا استراتيجية رئيسية للاحتلال الإسرائيلي”، مشيرة إلى أن أكثر من 700 ألف فلسطيني تعرضوا للاعتقال، ما يشكل 40٪ من إجمالي السكان الفلسطينيين الذكور.
ونددت بارود بتصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ضد الأسرى وتأكيده على أن هذه الإجراءات العقابية هي جزء من سياسته وأجندته، قائلة “العديد من هذه الإجراءات يستهدف ما يشير إليه بن غفير بـ”الظروف المرفهة” في السجون الإسرائيلية، والتي هي في الواقع حقوق إنسانية أساسية تتعلق بالمعيشة والحياة اليومية”.
وتحدث بارود عن واقع أوضاع السجون، والتي تشمل التعذيب الجسدي والنفسي المستمر، مثل الحبس الانفرادي والحرمان من الرعاية الطبية. واستشهدت بدراسة حديثة أجرتها منظمة إنقاذ الطفولة كشفت أن أكثر من 70% من الأطفال الفلسطينيين المعتقلين أفادوا بأنهم يعانون من الجوع في سجون الاحتلال، مضيفة “لقد صادرت سلطات السجون الإسرائيلية المراوح خلال موجات الحر، مما أدى إلى تفاقم الظروف السيئة بالفعل في هذه المرافق غير الإنسانية”.
وكان بن غفير قد اتهم السجناء الفلسطينيين بإهدار المياه وحدد أوقات الاستحمام بأربع دقائق فقط، مما يهدد بانتشار الأمراض كما حذرت بارود، مضيفة “بن غفير يقوم أيضا بالتضييق على المخابز الفلسطينية داخل السجون، واصفا القدرة على خبز الخبز بأنها ‘ترف’ و”سخافة”.
وأشارت بارود إلى أن الإدارة الإسرائيلية نادرا ما تعترض على هذه السياسات أو تعتبرها انتهاكات ضد حقوق الإنسان؛ وذكرت أيضًا أن نقل الأسرى إلى سجون بعيدة ومشددة هو إجراء عقابي آخر يؤثر على حق السجناء في الحياة الأسرية، وغالبًا ما يؤدي إلى عزلهم عن أحبائهم لعدة أشهر.
وأوضحت بارود: “قامت إسرائيل بنقل جميع السجون بشكل استراتيجي إلى داخل إسرائيل، مما يجعل من المستحيل تقريباً على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة زيارة ذويهم الأسرى”.
وسلطت الضوء على سجن النقب، الواقع وسط الصحراء، باعتباره يُستخدم لعزل السجناء عن عائلاتهم.
واختتمت بارود حديثها بالقول: “لا يجب أن ننظر إلى هذه الانتهاكات على أنها اختراع فردي قام به بن غفير، بل ما يحدث هو استمرار لسياسة إسرائيل التصعيدية ضد الأسرى الفلسطينيين”.
وأشارت إلى أن إسرائيل نسخت بشكل أساسي سياسات الاحتجاز والمحاكم العسكرية الخاصة بها من دليل الانتداب البريطاني، لتواصل تاريخًا طويلًا من المعاملة اللاإنسانية.
قدم بيل لو، محرر مجلة عرب دايجست والمحلل السابق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بي بي سي، نقدًا لاذعًا للسياسات الإسرائيلية والتواطؤ الدولي خلال كلمته في الندوة، وسلط الضوء على مجموعة من القضايا الملحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية: من الاعتقال الإداري إلى دور الحكومات الغربية في دعم إسرائيل.
وبدأ لو حديثه بتسليط الضوء على سياسة الاعتقال الإداري الإسرائيلية، قائلًا “حتى يونيو/حزيران، كان هناك ثمانية عشر طفلاً محتجزين رهن الاعتقال الإداري، وهي ممارسة من قبل الشرطة الإسرائيلية لا تشبه أي شيء آخر في العالم”، وأضاف أنه حتى بالمقارنة مع “الأنظمة القمعية الشرسة”، فإن الاعتقال الإداري الإسرائيلي يبرز باعتباره “فاق كل الحدود”.
وشدد لو على أن وزير الأمن القومي بن غفير ليس منشئ هذه السياسات، ولكنه دفعها إلى الأمام بطريقة لم تمارس بهذا الشكل من قبل.
وقال لو: ” سواء كان بن غفير أو سموتريتش، إنهم يجسدون الفاشية، ويحاولون بشتى الطرق تضييق الحياة على الفلسطينيين في القرى المحتلة، وطردهم من أراضيهم بمنتهى الفاشية”.
وتابع “المنطقة (ج) هي الهدف الأساسي، يتم طرد المجتمعات البدوية من أراضيهم بتمكين من جيش الاحتلال الإسرائيلي”، وأشار لو إلى أنه لم يبق أي فلسطيني تقريبًا في منطقة شاسعة تمتد من شرق رام الله إلى مشارف أريحا بسبب تكثيف عمليات الاستيلاء على الأراضي بدعم من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وانتقد لو الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لدورها في دعم إسرائيل وتمكينها، قائلًا “جو بايدن يعمل جاهدا الآن لحمل السعوديين على الاعتراف بإسرائيل، الأمر الذي سيفيد نتنياهو بشكل كبير إذا حدث ذلك”، وذكر أيضًا أن محمد بن سلمان سيكون سعيدًا بالانضمام إلى الدوائر الدبلوماسية مع إسرائيل في خضم منافسته مع الإماراتيين.
بيل لو لم يسلم السلطة الفلسطينية من الانتقادات، وقال “لقد تخلت السلطة الفلسطينية عن شعبها وكانت مسؤولة عن بعض الجرائم الوحشية التي ارتكبت ضد سكانها”، وأضاف أن أصدقاءه الفلسطينيين ينظرون إلى محمود عباس والسلطة الفلسطينية بازدراء باعتبارهم عملاء للاحتلال.
واختتم لو حديثه بأن محكمة الرأي العالمي بدأت تنقلب، موضحًا أن “وسائل التواصل الاجتماعي مهمة جداً في نشر صور الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون”، كما أعرب عن أمله في أن “تلتهم الحكومة الإسرائيلية الحالية نفسها” في نهاية المطاف بسبب سياساتها المتطرفة.
المدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومان رايتس ووتش كين روث اتهم إسرائيل خلال كلمته بارتكاب الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين، مشدداً على أن هذه الادعاءات لم تكن مستمدة من مقارنات تاريخية، بل استندت إلى القانون الدولي الذي انتهكته قوات الاحتلال بكل المقاييس.
وأوضح روث: “في تقريرنا منذ ثلاث سنوات، وجدت هيومن رايتس ووتش أن هذا القمع يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية، وتحديداً الفصل العنصري”، مضيفًا أن هذا الاتهام لا يمثل تشبيهًا تاريخيًا لجنوب إفريقيا، ولكنه تطبيق للقانون الدولي، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وشرح روث عناصر الفصل العنصري قائلاً: “تُعرّف هذه المعاهدات الفصل العنصري على أنه يحتوي على ثلاثة عناصر أساسية: نية سيطرة مجموعة عنصرية على أخرى، والقمع المنهجي، والأعمال اللاإنسانية كمظاهر لهذا الاضطهاد”، لافتًا أن هيومن رايتس ووتش وجدت أدلة على وجود هذه العناصر في سياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين.
وبين روث “وجدنا أن نية الهيمنة كانت موجودة من النهر إلى البحر… وبينما كان هناك تمييز منهجي داخل الخط الأخضر الإسرائيلي لعام 1967، كان هناك أيضًا قمع منهجي داخل الأراضي المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة”.
وقال روث إن الممارسات الإسرائيلية كانت مبنية على الهندسة الديموغرافية أكثر من فكرة ضمان السلامة والأمن، وأوضح ذلك بضرب مثالًا على الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية التي تواجه قيودا على توسيع منازلها، والتي قال إنها لا تتعلق بالأمن، بل بالسيطرة.
وفي حديثه عن انتشار المستوطنات والبؤر الاستيطانية، أكد روث أن “عملية السلام، التي كان من الممكن أن تحظى بمصداقية في العقد الأول بعد أوسلو، أصبحت الآن في حالة احتضار تام”. وشدد على أن واقع الدولة الواحدة على الأرض قد حول الضفة الغربية إلى جيوب فلسطينية معزولة.
وانتقد روث استمرار تمسك بعض الأطراف برؤى عفا عليها الزمن وعدم إحراز تقدم في إجراء الانتخابات داخل السلطة الفلسطينية.
وتطرق روث أيضًا إلى قضية الاتهامات بمعاداة السامية ضد من ينتقدون إسرائيل، موكدًا أن “استخدام اتهامات معاداة السامية لإسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل يضر في الواقع بالجهود المبذولة لمكافحة معاداة السامية الحقيقية”، كما شدد على أهمية التمييز بين النقد المشروع والاتهامات التي لا أساس لها من الصحة.
واختتم روث بإدانة شديدة لبنيامين نتنياهو، قائلاً: “في الواقع نتنياهو لا يهتم باليهود الذين لم يهاجروا إلى إسرائيل، بل يتقرب من أشخاص مثل فيكتور أوربان، المعادي الصريح للسامية”.
رولا شديد، مديرة المناصرة والبرامج في معهد فلسطين للدبلوماسية العامة سلطت الضوء في كلمتها الضوء على التحديثات التي يواجهها الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي والحاجة الملحة إلى التغيير في السرد المحيط بقضيتهم من أجل الحصول على نتائج فعالة واستجابة دولية مؤثرة.
بدأت شديد بلفت الانتباه إلى تآكل الديمقراطية في الدول الغربية وكيف أن فشلها في محاسبة إسرائيل يشير إلى مسار مثير للقلق، وحذرت من أن “الديمقراطية مهددة في العديد من الدول الغربية، وفشلها في محاسبة إسرائيل على أفعالها هو علامة على الاتجاه الذي نتجه إليه”.
وشددت على أن شخصيات مثل بن غفير وسموترتش يُعدا جزءًا لا يتجزأ من مشروع استعماري في فلسطين ممتد منذ سبعة عقود، وأشارت إلى أن “ما يواجهه الفلسطينيون ليس جديدًا؛ بل هي سياسات متكررة من حكومات مختلفة لديها إدارات مختلفة للمضي قدمًا في سياساتها القمعية ضد الفلسطينيين”.
وقالت شديد: “إن قضية الهيمنة تتشابك مع الفصل العنصري والاستعمار والاحتلال، وكلها أطر قانونية تنطبق على القضية الفلسطينية”، مسلطة الضوء على الطبيعة المتعددة الأوجه للنضال الفلسطيني.
وتطرقت إلى قضية المعتقلين والأسرى السياسيين الفلسطينيين الذين يبلغ عددهم أكثر من ستة آلاف داخل سجون الاحتلال، معتبرة أن ذلك مظهر من مظاهر مسألة الهيمنة التي أشارت إليها، حيث تستخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي الاعتقالات الإدارية والاحتجاز كوسيلة للسيطرة على السكان الفلسطينيين وقمع النشاط السياسي.
كما تعمقت شديد في التعريفات الموسعة لـ “الأمن” بموجب القوانين العسكرية الإسرائيلية، والتي شملت التعبير السياسي، ولفتت الانتباه إلى الأمر العسكري رقم 101 لعام 1968، الذي يجرم الاحتجاجات أو الاجتماعات لعشرة أشخاص أو أكثر دون الحصول على إذن من القائد العسكري، مما يؤثر على الحياة المدنية الفلسطينية.
وأوضحت أن “الأحزاب السياسية التي تتألف منها منظمة التحرير الفلسطينية لا تزال تعتبر منظمات غير قانونية بموجب الأنظمة العسكرية الإسرائيلية”، مشيرة إلى أن العمل في مجال حقوق الإنسان قد تم تجريمه أيضًا، خاصة وأنه من الممكن بموجب هذه التعريفات الفضفاضة أن يندرج أي شيء تحت بند الحفاظ على “الأمن”.
وشدد على أن النضال الفلسطيني لا يدور حول حل الدولة الواحدة أو الدولتين، بل يتعلق بإنهاء الاحتلال والاستعمار وتحقيق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
وأضافت أن “الاحتفاظ بالأسرى في السجون الإسرائيلية يشكل مصدر اقتصادي لإسرائيل”، مشيرة إلى الحوافز المالية وراء سجن الفلسطينيين.
وأكدت شديد على ضرورة “تغيير الخطاب؛ إنه ليس صراعا، إنه استعمار”، وشددت على أهمية تحويل السرد للتركيز على ما يريده الفلسطينيون حقًا بدلاً من التمسك بالهاجس الغربي بشأن حل الدولتين الذي لا يمكن تحقيقه.
الباحثة القانونية ومسؤولة المناصرة في مؤسسة الحق أسيل البجة، بدأت حديثها بالإشارة إلى أن عام 2022 كان أحد الأعوام الأكثر دموية على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وشددت على أن تزايد العنف ليس فقط نتيجة لحكومة يمينية متطرفة، بل هو جزء من سياسة أوسع وطويلة الأمد ضد الفلسطينيين.
وقالت البجة “لا ينبغي أن تُعزى الزيادة في عمليات القتل فقط إلى فكرة أن الحكومة المسيطرة هي حكومة يمينية متطرفة، هذه الممارسات تأتي ضمن سياق أوسع لنية الاحتلال تنفيذ إبادة جماعية ضد الفلسطينيين”، وأضافت أن هذا المخطط هو جزء من المشروع الاستعماري الاستيطاني ونظام الفصل العنصري القائم منذ عام 1948.
وأضافت البجة أن استخدام القتل والقوة المفرطة هو مجرد أداة واحدة للحفاظ على نظام الفصل العنصري هذا، وشددت على أهمية عدم تفتيت الشعب الفلسطيني، لافتة أن “كل هذه السياسات موجهة ضد الشعب الفلسطيني برمته أينما وجد من أجل القضاء عليه ومحو هويته”.
ووصفت أسيل البجة الوضع في الضفة الغربية بأنه يشهد استخداما غير مسبوق للهجمات العسكرية من قبل الاحتلال، والتي لم تشهد مثلها منذ الانتفاضة الثانية، قائلة “لاحظنا استخدام طائرات بدون طيار وأساليب عسكرية متطورة في المناطق السكنية ذات الكثافة السكانية العالية في مناطق مثل نابلس وجنين”.
وأشارت إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تتخذ من منازل الفلسطينيين قواعد عسكرية للقصف والقتل، حتى في ظل تواجد عائلات بينهم أطفال، مضيفة ” السكان يؤكدون أن القوات الإسرائيلية تطلق النار على أي فلسطيني يتحرك، كجزء من سياسة إطلاق النار بقصد القتل”.
ولفتت إلى أن قوات الاحتلال تعطل الخدمات الطبية من خلال محاصرة المخيمات بالآليات العسكرية، وتمنع سيارات الإسعاف من الدخول، كما ضربت مثالًا لامرأة فلسطينية تبلغ من العمر 60 عاما أصيبت برصاص قناص إسرائيلي بينما كانت تنظر من خلال نافذتها خلال مداهمة لمخيم جنين للاجئين.
وخلصا البجة إلى أن “هذه الهجمات العسكرية ليست مجرد ممارسات من قبل حكومة يمينية متطرفة أو فاشية، بل هي الطريقة التي ينظر بها النظام الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي إلى الفلسطينيين”.
وأنهت أسيل البحة تصريحاتها بالتأكيد على أن الشباب الفلسطيني الذي يقود المقاومة ولد في ظل الاحتلال والاستعمار المستمر، مضيفة “لهؤلاء الفلسطينيين الحق في مقاومة هذه الهيمنة الاستعمارية ونظام الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي غير القانوني”.
في مشاركته، سلط كريس أوزيك، الباحث في المصادر المفتوحة في مؤسسة Coeus Collective، الضوء على الدور القوي للأبحاث مفتوحة المصدر في توثيق ممارسات وجرائم قوات الاحتلال الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة ضد الفلسطينيين، لافتًا أنه وفريقه عملوا على جمع الأدلة الرقمية لتحدي السرد المهيمن وتعزيز العدالة والمساءلة.
وبدأ أوزيك كلمته قائلًا “تداهم قوات الاحتلال الإسرائيلي بانتظام الضفة الغربية المحتلة بشكل شبه يومي، لذلك فإن تصوير هذه الحوادث ومشاركتها عبر الإنترنت يُعد من أشكال المقاومة”، مشددًا على أهمية فضح الواقع اليومي الذي يواجهه الفلسطينيون.
وأشار أوزيك إلى أنه على الرغم من أن مشاركة مقاطع الفيديو عبر الإنترنت أمر بالغ الأهمية، إلا أن هناك تحديات، مثل خطر ضياع مقاطع الفيديو وقيام شركات التكنولوجيا بإلغاء أولوية المنشورات الفلسطينية، موضحًا “نقوم بجمع الأدلة الرقمية وأرشفتها ووضعها في قاعدة بيانات لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية”.
وشدد أوزيك على أن العنف الموثق لم يكن مقتصرًا على الحكومة الحالية، بل ممارسات متكررة من الحكومات المتعاقبة، مضيفًا “نقوم بتحديد الموقع الجغرافي لمقاطع الفيديو ورسمها على الخريطة لإنشاء قصة مصورة تتحدى السرد المهيمن”.
وذكر مثالًا على إحدى الحالات التي قاموا بتوثيقها، حيث قال “في حادث وقع مؤخرا في بيتا، أصيب رجل برصاصة في ظهره أثناء محاولته مساعدة فلسطيني آخر، زعمت القوات الإسرائيلية أن ذلك كان بسبب أعمال شغب عنيفة، لكن الأدلة مفتوحة المصدر لدينا تثبت خلاف ذلك”، وتابع “يستخدم الفريق صور الأقمار الصناعية للإشارة إلى المعالم الجغرافية التي تظهر في مقاطع الفيديو”.
وكشف أوزيك “لدينا حوالي 600 مقطع فيديو يوثق العنف الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة… تتم أرشفة مقاطع الفيديو هذه عبر الإنترنت، في أداة الأرشفة التلقائية لـ Bellingcat، وتكون غير متصلة بالإنترنت على وحدة تخزين USB”.
وأوضح أوزيك عملية الجمع والتوثيق والتصنيف التي يتبعها فريقه، والتي تتضمن متى وأين وماذا وفي أي وقت وقع الحادث، بهدف نهائي هو تحقيق المزيد من العدالة والمساءلة، وأشار إلى أن “هذا العمل هو جهد جماعي يضم العديد من الباحثين”.
وقال أوزيك: “أحد الجوانب الأكثر فائدة في هذا العمل هو أننا نساعد الباحثين الفلسطينيين بشكل مباشر”، مسلطًا الضوء على أهمية جهودهم في دعم المتضررين من الاحتلال.
وقال أوزيك: “إن شركات التكنولوجيا مثل فيسبوك تمارس شكلاً من أشكال الفصل العنصري الرقمي من خلال إعطاء الأفضلية للمنشورات باللغة العبرية وإسكات الأصوات الفلسطينية”، مسلطًا الضوء على التحديات التي يواجهها الفلسطينيون أو المناصرون للقضية الفلسطينية في نشر الأدلة.
واختتم أوزيك حديثه قائلاً: “إننا نعمل على جعل قاعدة بياناتنا عامة حتى يتمكن الأشخاص من التحقق من الحوادث بأنفسهم، ورفع مستوى الوعي بالعنف الذي ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون”، مشددًا على أهمية الشفافية ورفع الوعي العالمي بالوضع المستمر.