على النظام المصري أن يفهم أنه شريك فاعل بالجريمة
على الدول التي تبدي تضامنا بالعلن أن تدعي على إسرائيل بتهم الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية
مع اليوم الرابع والسبعين من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يقف العالم متفرجًا أمام حقيقة مريرة، حيث ارتفعت حصيلة الضحايا إلى أرقام لا تُحتمل، مع مقتل 19,000 مدني، وإصابة عشرات الآلاف، وبين هذا الكم المفزع فإن 70% من هؤلاء الضحايا هم أطفال ونساء، كما دمرت البنية التحتية للقطاع تماما، وانهار القطاع الصحي، وطالت آثار الحرب المدمرة كافة المدنيين الذين صار أغلبهم نازحين لا يجدون مأوى من الأمطار والبرد القارس من جهة أو من صواريخ الاحتلال من جهة أخرى، لكن كل تلك الأهوال لم تكن كافية لتوقظ ضمير المجتمع الدولي أو دفعه للتحرك.
هذه الجريمة تتم وسط محاولات الاحتلال لخنق كل صوت يحاول نقل الصورة إلى العالم، إذ شكل الصحفيون أهم أهداف الحملة الإسرائيلية، حيث قتلت قوات الاحتلال 96 صحفيًا بهدف طمس الحقيقة والتغطية على الجرائم والفظائع التي يرتكبها جيش الاحتلال في أبشع جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في العصر الحديث، وهي نية لم يعد المسؤولون الإسرائيليون يخفونها أو يخجلون منها.
صباح الاثنين –18 ديسمبر/كانون الأول 2023– قُتل الصحفي عبد الله علوان، المعلق الصوتي لدى صفحة ميدان التابعة لموقع الجزيرة نت، إثر قصف للاحتلال الإسرائيلي استهدف منزل عائلته في بلدة جباليا شمال قطاع غزة، وقبله بأقل من 24 ساعة قُتلت الصحفية حنين القشطان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلتها في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، وقبل ذلك الجمعة الماضي 15 كانون الأول/ ديسمبر قُتل المصور الصحفي بقناة الجزيرة سامر أبو دقة بعد استهدافه بقصف إسرائيلي مباشرة بعد ساعات من إصابته إلى جانب الصحفي وائل الدحدوح خلال تغطيتهما قصفا إسرائيليا في محيط مدرسة فرحانة، حيث استهدفته طائرة استطلاع إسرائيلية مع ثلاثة من رجال الدفاع المدني وعدد من المدنيين، كما قتلت الهجمات الإسرائيلية عائلات عشرات الصحفيين فيما بدا عقابا واضحا للصحفيين الفلسطينيين يهدف إلى إرهابهم وإجبارهم على الصمت، إذ أكد صحفيون في مناسبات عدة تلقيهم مكالمات هاتفية من الاحتلال الإسرائيلي تهددهم بأنهم إن لم يوقفوا تغطياتهم الصحفية سيتم قتلهم واستهداف عائلاتهم .
حولت عصابات الاحتلال كامل قطاع غزة إلى منطقة شديدة الخطورة على المدنيين دون وجود أي منطقة آمنة يمكن أن يلجؤوا إليها للاحتماء من حملة الاحتلال المسعورة، وبينما يدعي الاحتلال أنه يوفر ممرا آمنا للنازحين وأن أماكن استقبال النازحين في جنوب القطاع يتوفر فيها الأمن والمساعدات، فإن حوالي 45% من ضحايا الجرائم الإسرائيلية سقطوا في أماكن النزوح في الجنوب، وهو ما يعني أن الاحتلال يسحق كافة مناطق القطاع دون تمييز.
ونتيجة لانعدام الشروط الصحية، ووجود مئات الجثث المكدسة تحت الأنقاض وفي بعض الشوارع، ولتسبب أزمة الوقود في شل مفاصل الحياة، وانهيار البنية التحتية وتوقف عمل منظومة الصرف الصحي وجمع النفايات في غزة ، واضطرار المدنيين لشرب مياه ملوثة بعد توقف محطة تحلية المياه عن العمل واعتماد سكان غزة على المياه الجوفية والصهاريج، فإن القطاع مهدد بانتشار موجة كبيرة من الأوبئة، تهدد بإصابة نحو 600 ألف شخص على الأقل.
في الأيام الخمسة الماضية استغلت قوات الاحتلال التعتيم الكامل على التغطية التي فرضته في أنحاء القطاع وذلك من خلال قطع كافة الاتصالات، وارتكبت فظائع خرج جزء يسير منها للعلن، مثل الجريمة البشعة في مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، حيث فرض جنود الاحتلال حصارا على المستشفى استمر عدة أيام استهدفوه خلالها بالقصف الجوي والمدفعي، ثم اقتحموا المستشفى وقتلوا وأصابوا مرضى وأطباء وعاملين بالمستشفى قبل أن يدفنوا بجرافات الاحتلال نازحين ومرضى وجرحى في ساحته وهم أحياء.
وتؤكد الشهادات التي خرجت من المستشفى أن قوات الاحتلال اقتادت أطباء وممرضين وعاملين في القطاع الطبي خارج المستشفى بعد أن جردتهم من ملابسهم كما حدث مع غيرهم من قبل، ولا يزال مصيرهم مجهولا إلى الآن، وهي شهادات أكدتها لاحقا الصور التي نشرها جيش الاحتلال والتي تضمنت معتقلين تم التعرف عليهم على أنهم من الطواقم الطبية في المستشفى.
كما تواصلت المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين حيث ارتكب الاحتلال مجزرة جديدة الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول في بلدة جباليا النزلة بقصف منزل لعائلة خلة على رؤوس ساكنيه، قُتل فيه 35 شخصا على الأقل، سبق ذلك مجزرة جديدة شمالي قطاع غزة قُتل خلالها 60 قتيلا في غارات على أحياء مدنية، ومازال مستشفى ناصر في خان يونس يتلقى جثامين مدنيين بلغوا حتى كتابة هذا البيان 19 قتيلا في غارات جوية مع استمرار عمليات انتشال الجثامين والبحث تحت الأنقاض بمعدات بدائية.
ومع كل تلك الكوارث التي تفوق القدرة على الاستيعاب وفي ظل خضوع النظام المصري لرغبة الاحتلال بإغلاق معبر رفح ومنع دخول المساعدات أو خروج المصابين لتلقي العلاج، تتحد دول عربية وإسلامية لحل أزمة الاحتلال الإسرائيلي لتتدفق الشحنات التجارية إليه عبر جسر بري جديد، يمتد من الإمارات إلى تل أبيب، ويمر عبر السعودية والأردن وصولا إلى ميناء حيفا، حيث لجأت إليه دولة الاحتلال بعد تهديد الحوثيين الذين أعلنوا أنهم سيستهدفون أي سفن متوجّهة إلى إسرائيل.
إن جريمة الإبادة الجماعية والمجازر التي يرتكبها الاحتلال بأسلحة أمريكية موجهة وبتواطؤ دولي وعربي تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية وقد خرقت كافة الخطوط الحمراء وبلغت حدا لا يمكن السكوت عنه، إذ إنها تثبت أن القوانين الدولية مجرد حبر على ورق فلا هي تحقق سلما، ولا تمنع سفك الدماء.
إن العالم لم يلتفت إلى أن جيش الاحتلال يستهدف المدنيين من دون تمييز حتى وقعت حادثة مقتل الأسرى الإسرائيليين الثلاثة مساء الجمعة 15 ديسمبر الجاري، والذين قال الاحتلال أنه قتلهم خطأ رغم رفعهم رايات بيضاء كان المفترض أنها ستمنع قتلهم وفقا لبنود المعاهدات الدولية، حيث وصف البيت الأبيض مقتل الثلاث بأنه “خطأ مأسوي يُغرق كامل دولة إسرائيل في الحداد”، وعلى التوازي فحتى عندما أجمع العالم على ضرورة إيقاف الإبادة في قطاع غزة، خرجت الولايات المتحدة منفردة، مرتين، مستخدمة حق الفيتو لتعطيل قرارين لمجلس الأمن بوقف إطلاق النار.
إن القرارين الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرار متحدون من أجل السلام، بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر الجاري، و27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قد ولدا ميتيْن حيث كانا غير ملزمين، كما كانا يفتقران إلى الآليات التي تضمن تطبيقها وإلزام دولة الاحتلال بتطبيقها.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تطالب مجددا الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اتخاذ قرار عاجل وملزم يشتمل على آليات واضحة لإلزام إسرائيل بإيقاف الإبادة الجماعية ضد المدنيين في غزة، وضمان إيصال المساعدات الإغاثية دون تأخير، وتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، فالمحكمة الجنائية الدولية بشكلها الحالي وبمدعيها العام الحالي الذي أبدى موقفا منحازا للاحتلال الإسرائيلي في أكثر من مرة، لا يُتوقع منه أي تقدم في تلك التحقيقات بما يعني أن قادة الاحتلال سيستمرون في الإفلات من العقاب.
وتدعو المنظمة الدول التي دعمت قراري الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار وبخاصة الدول العربية والإسلامية، إلى رفع دعوى ضد الاحتلال الإسرائيلي بشأن الإبادة الجماعية الحاصلة في قطاع غزة أمام محكمة العدل الدولية، إذ تتوفر الأدلة عليها بكثرة وتتوفر الشهادات اللازمة، كما تتوفر الأدلة على وجود نية مسبقة لدى دولة الاحتلال بكافة مستوياتها لارتكاب جرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية في القطاع والضفة.