يواصل الاحتلال الإسرائيلي جريمة الإبادة الجماعية في غزة وتتواصل المجازر اليومية في غزة بحق المدنيين وتجمعاتهم ومنازلهم ومراكز إيوائهم، ليلًا ونهارًا، مستخدمًا في سبيل ذلك الأسلحة الأشد فتكًا وتدميرًا وتفجيرًا.
ومع أوضاع القطاع المتردية بات من يطالهم صواريخ الاحتلال وقذائفه فتقتلهم مرة واحدة، أوفر حظًّا ممن تصيبهم فتتركهم ينزفون حتى الموت بعد انهيار القطاع الصحي في غزة بسبب تعمد الاحتلال الإسرائيلي قطع كل السبل للحياة في القطاع.
إن وقوع 55 ألفًا و915 إصابة في قطاع غزة كفيلٌ بأن يرهق مستشفيات أمريكا وكندا، فكيف سيكون الحال في غزة التي قُتل فيها منذ بدء الحرب 312 فردًا من الكوادر الصحية، واعتُقل 99 آخرين، ودُمرت 104 سيارات إسعاف، وخرج عن الخدمة 23 مستشفى و53 مركزًا صحيًّا، واستُهدفت 142 مؤسسة صحيّة.
الواقع المأساوي الذي يعيشه قطاع غزة أدى إلى “كارثة صحيّة عامّة تتشكّل وتستشري في قطاع غزة، فالمستشفيات بالكاد تعمل، والأمراض المعدية تنتشر بسرعة في الملاجئ المكتظة، ومئات المصابين لا يستطيعون تلقي العلاج”، وفق وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث.
هذه الكارثة الصحية يعمّقها حال المستشفيات المعدودة المتبقية، فبحسب شهادة خليل الدقران، المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة فإن :”الوضع داخل المستشفى كارثي جداً، وأعداد المصابين كبيرة، وتفوق عدد الأسرّة بـ5 أضعاف، لذلك تُعالج الإصابات الجديدة على الأرض بعد استقبالها من سيارات الإسعاف عبر ألواح خشبية، بسبب قلّة النقّالات المصنوعة من الألمنيوم والمطاط المدعوم بالإسفنج، والمُناسبة لنقل الجرحى بسبب سهولة حملها مما يمنع تدهور الحالة الصحية للمصاب جراء حمله أو نقله بطريقة خاطئة”.
ويضيف ” يشهد المستشفى اكتظاظًا ويفتقر إلى المستلزمات الطبية والأدوية والوقود وخاصة في أقسام العمليات، مما يتسبب بتأخير الإجراءات الجراحية لا سيما المتعلقة بالأطراف العلوية والسفلية، ويعقّد الأمر أن معظم الإصابات خطيرة في الرأس والصدر والبطن وفي الأطراف، إلى جانب وجود بعض الإصابات المتعددة في جسد المصاب، ما يتطلب وجود 4 أو 5 جراحين لمعالجته”.
في ظل مواجهة مئات الحالات الحرجة والمعقدة، بما في ذلك الحروق الشديدة، تجد الفرق الطبية نفسها في موقف صعب بسبب النقص الحاد في الإمكانات العلاجية والموارد البشرية والتجهيزات السريرية، هذا الوضع المأساوي يضطر الطواقم الطبية لاتخاذ قرارات صعبة بشأن ترتيب أولويات الحالات الحرجة، في محاولة لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، ومع ذلك، فإن النقص المستمر في الموارد يؤدي إلى فقدان عشرات الأرواح يوميًا.
كما أن مراكز الإيواء أصبحت بؤرًا مُرعبةً وبيئةً خصبةً لانتشار الأمراض والأوبئة، حيث “تضم أكثر من 1.9 مليون نازح، منهم 50 ألف سيّدة حامل مفتقدة للرعاية الصحية، فيما تلد منهن 180 امرأة يوميًّا بظروف غير آمنة”، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أمام هذا الواقع المأسوي تدعو جميع الدول، وخاصةً العربية والإسلامية من باب أولى، لحماية ما تبقى من منظومة صحية في غزة من أن تطالها يد الغدر الإسرائيلية، وإرسال الطواقم والوفود والمساعدات الطبية لمساندة كوادر المستشفيات، والضغط على النظام المصري من اجل فتح معبر رفح لإخلاء الجرحى فمن غير المقبول أن يُبقي هذا النظام الحركة على المعبر رهنا بقيود تفرضها عصابات الاحتلال فمنذ بدء الحرب لم يسمح الاحتلال إلا بخروج العشرات من الجرحى والآلاف لا زالوا على قوائم الانتظار وهو ما يمثل عملية إعدام بطيئة لهم.
وتؤكد المنظمة أن السبيل إلى ذلك يكمن بأن تتضافر جهود المجتمع الدولي من أجل لجم جرائم الاحتلال ووقف إبادة سكان قطاع غزة القابعين تحت صواريخه وحصاره وبطشه، وإيقاف ارتفاع عدّاد القتلى والجرحى، وإعطاء فرصة للمستشفيات الخارجة عن الخدمة بأن يُعاد تأهيلها لتخفيف الضغط عن المشافي القليلة المتبقية والعاملة بنسب إشغال تفوق قدراتها بأضعاف مضاعفة.
إن القانون الدولي الإنساني يفرض على النظام المصري القيام بكل ما يلزم لمد يد العون للسكان الذين يتعرضون لحرب إبادة ولا يمكنه التذرع بتهديدات الاحتلال لتقييد حركة انسياب المساعدات وإخلاء الجرحى عبر المعبر، فالقرار الأخير الصادر عن الجمعية العامة والذي صوتت لصالحه 153 دولة يؤسس لبناء تحالف من اجل كسر الحصار المفروض على القطاع وهذا يتطلب تعاونا من النظام المصري.