بعد عام ونصف مرت على الإنقلاب العسكري في مصر وما شهده من مجازر واعتقالات جماعية وتعذيب واختفاء قسري لم تغير السلطات المصرية سياستها ولم تراجع إجراءاتها القمعية ولا زالت مستمره في انتهاكاتها الجسيمة وسط صمت دولي وإفلات من العقاب.
القتل خارج إطار القانون أصبح سلوكا تقليديا تمارسه أجهزة الأمن المصرية دون توقف إما في اعتداء الأمن بالقوة المميتة على تجمعات سلمية سواء ما كان منها متعلقا بمعارضة السلطات أو غير ذلك من التجمعات، أو خلال عمليات تعذيب ممنهجة أو بالقتل البطيء جراء ظروف احتجاز غير آدمية مع إهمال طبي متعمد وسوء رعاية صحية، أو حتى بالتصفية الجسدية بشكل مباشر بإطلاق الرصاص الحي على معارضين أثناء اعتقالهم أو خلال احتجازهم.
ومن ينجو من عمليات القتل تلك يصبح ضحية لعمليات الإعتقال الجماعي التي تقوم بها أجهزة الأمن المصري يوميا دون أي مبرر قانوني ليتعرض بدوره للاختفاء القسري لأيام أو لأشهر ولتعذيب بشع ليجبر على الإقرار بارتكاب جرائم ملفقة تمهيدا لمحاكمات تفتقر لأدنى معايير المحاكمات العادلة لتصدر بدورها أحكام جماعية مدنية وعسكرية قد تصل للإعدام على معارضين دون أي أدلة مادية معتبرة ودون الإلتزام بالمعايير الدنيا للمحاكمة الجنائية.
وفي سيناء تقوم الدولة بعمليات عسكرية نظامية تستخدم فيها القصف بالطائرات والآليات الثقيلة ليصبح مواطنو سيناء دون تمييز عرضة للقتل العشوائي أو لهدم منازلهم أو للإعتقال التعسفي بدعوى الاشتباه دون أي فرصة للانتصاف القانوني أو التمتع بحقوق الإنسان الدنيا، وتأتي تلك العمليات تزامنا مع نقص حاد في الخدمات الأولية والحرمان من الحقوق المدنية الأساسية.
عملية رصد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر أمر بالغ الصعوبة فهي تصطدم بإرادة النظام المصري في إظهار حالة حقوق الإنسان في مصر بمظهر مغاير فلا توجد في مصر أي مساحة متاحة لحرية الرأي والتعبير ليقوم إعلام مهني مستقل وموضوعي بدوره في تغطية الأحداث ورصد ما يحدث على أرض الواقع، كما أنه من غير المسموح لأي نشاط حقوقي لا يلبي طموح النظام المصري في شرعنه جرائمه وتبريرها أمام الرأي العام والمجتمع الدولي.
إلا أن الحرص على إنهاء سياسية الإفلات من العقاب ينبغي معه العمل على رصد دقيق للجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان خاصة حين تأخذ تلك الانتهاكات طابعا استمراريا وممنهجا يهدد بإشعال أزمة قد لا تنطفئ.
ويعمل التقرير على الوقوف على عملية حصر كمي لأبرز انتهاكات حقوق الإنسان في مصر كي يكون مادة جاهزة للتوثيق والبحث والتحرك القانوني من قبل الجهات والمؤسسات الحقوقية المهتمة بالشأن الحقوقي المصري.