منذ الثالث من تموز 2013م تشن السلطات المصرية حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من المعارضين للإنقلاب العسكري حيث شملت الإعتقالات كافة شرائح المجتمع المصري ووفق أدق التقديرات فإن عدد حالات الإعتقال وصلت إلى أكثر من 28741 ألف معتقلا حتى نهاية تموز 2014، وهي في تزايد فحملات الإعتقال مستمرة لا تنقطع ولا تتوقف .
وفي ظل تصاعد الإعتقالات وإصرار السلطات على كسر شوكة الإحتجاج تنوعت أشكال الإعتقال فشملت مداهمة المنازل أو مكان العمل أو المؤسسات التعليمية لكن العدد الأكبر من المعتقلين ألقي القبض عليهم أثناء الاعتداء على المظاهرات والإعتصامات،وصلت ذروة الإعتقالات أوجها في منتصف شهر آب 2013 عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة حيث بلغ عدد المعتقلين 9823 مواطنا مصريا على الأقل منهم من فقدت آثاره ولم يعرف مصيره حتى اللحظة.
طالت الإعتقالات شرائح مجتمعية مختلفة لم تميز بين القصر والبالغين أو الرجال والنساء فوقع الجميع ضحية للإحتجاز التعسفي فتم اعتقال أكثر من 522 سيدة و926 قاصرا على الأقل ، وكانت أكثر الشرائح تضررا الطلاب حيث تم اعتقال 3686 طالبا من خلال اقتحام قوات الأمن لحرم الجامعات، وعادة ما يواجه الطلاب محاكمات سريعة لتصدر عليهم أحكاما بالغة القسوة مما يهدد مستقبلهم بشكل كامل.
ولم يسلم الأطباء الذين اقتصر دورهم على القيام بأدوار إنسانية خالصة في إسعاف المصابين جراء اعتداء الأمن على الفعاليات المعارضة للسلطة ، فتمت ملاحقتهم وتلفيق القضايا لهم ليبلغ عدد الأطباء المعتقلين 180 طبيا.
وسعيا من السلطات لوأد الحقيقة ومنع نقل حقيقة ما يجريي من انتهاكات جسيمة بحق المواطنين المصريين تم استهداف الصحفيين واعتقال عدد كبير منهم حيث وصل عدد الصحفيين الذين اعتقلوا 166 على الأقل ، وتم إغلاق العديد من القنوات الفضائية والصحف دون مبرر قانونى .
وإهدارا لحق المعتقلين فى محاكمات عادلة وتحقيقات نزيهة تم اعتقال عدد كبير من المحامين الذين تولوا الدفاع عن المعتقلين على ذمة قضايا معارضة السلطات وذلك لإرهابهم ومنعهم من القيام بواجبهم بالدفاع عن موكليهم بشكل مستقل ليصل عدد المحامين المعتقلين والملاحقين أمنيا إلى 234 محام على الأقل.
لا تختلف التهم التي توجهها السلطات في مصر إلى معارضي الإنقلاب على تنوع أشخاص المحتجزين وصفاتهم وأعمارهم فقائمة الإتهامات واحدة تقريبا وهي : السعي لتكدير السلم والأمن الإجتماعي ، السعي لقلب نظام الحكم ، الشروع في القتل ، التحريض على العنف ، القتل العمد ، الإتلاف ، الحرق العمد للمتلكات العامة ، تعطيل أحكام الدستور والقانون ، مقاومة السلطات ، الإعتداء على رجال السلطة العامة..ألخ
وبموجب تهم مفبركة واعترافات انتزعت تحت التعذيب و محاكمات تفتقر إلى أدنى معايير المحاكمات العادلة حكم على 6977 معتقلا،حيث أحيلت أوراق 1275 معتقلاً إلى المفتي تمهيدا للحكم عليهم بالإعدام وتم ثبيت حكم الإعدام فيما بعد على 259 معتقلا،وبلغ عدد من حكم بالسجن المؤبد 657 معتقلا فيما حكم على 6061 معتقل بالحبس أقل من ثلاث سنوات والسجن والسجن المشدد من 3-15 عاما وتم تبرئة 1890 معتقلا.
مارست السلطات الأمنية الإختفاء القسري بشكل روتيني فأغلبية من يتم اعتقاله يتعرض لتجربة الإختفاء القسري فلا يعرف مكان اعتقاله ولا يسمح بزيارته من قبل محاميه أو عائلته إلا بعد فترة من الزمن وهناك من اختفت آثاره وأصبح في عداد المفقودين، ويبلغ عدد هؤلاء منذ بداية الأحداث حوالي 129 مفقودا دون أن تتمكن أسرهم من معرفة مصيرهم وأغلب حالات الإختفاء تمت من خلال خطف الضحايا من المظاهرات والإعتصامات .
في ظل توحش قوات الأمن توفي أو قتل 82 شخصا منهم 60 معتقلا على خلفية معارضة السلطات منهم 37 من المعتقلين كانوا قتلى عربة ترحيلات سجن أبي زعبل بتاريخ 18/08/2013 والذين تم الإعتداء عليهم بالضرب ثم قتلوا خنقا بعد إلقاء قنابل مسيلة للدموع عليهم داخل سيارة الترحيلات مع إغلاق شفاطات الهواء الكهربائية وإغلاق باب السيارة عليهم ،وباقي حالات الوفاة كانت نتيجة التعذيب أو الإهمال وسوء الرعاية الطبية.
يعتقل المواطنون المصريون في أماكن احتجاز تنتشر في كل ربوع مصر،فعدد مراكز وأقسام الشرطة التي يحتجز فيها المعتقلون في المرحلة الأولى يصل إلى 328 مقرا ، وعدد السجون العمومية 17 سجنا و7 مناطق سجون تشمل ليمانات وسجون شديدة الحراسة ، وسجون سرية كسجن العزولي في مقر الجيش الثاني ومعسكرات الأمن المركزي ومقرات الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا) وهي أماكن احتجاز غير قانونية وعادة ما يتم احتجاز المعتقلين فيها دون أوراق أو دون أن يتم إثبات وجودهم فيها أو تمكين أي شخص من التواصل مع المحتجزين بها أو حتى الإستدلال على وجوده من عدمه .
واستخدمت السلطات في أماكن الإحتجاز كافة وسائل التعذيب البشعة ضد المعارضين وفقا لـ مئات الشهادات التي تم توثيقها نورد منها في هذا التقرير 56 شهادة على سبيل المثال، بدءا من حفلة إستقبال المعتقل بالضرب والسحل من مجموعات كبيرة من الجنود أو ما يعرف (بالتشريفة) ، مرورا بأماكن الحجز الضيقة التى تمنع المعتقلين النوم أو الحركة ثم ممارسة كافة أشكال الإيذاء البدنى والنفسي كالصعق بالكهرباء والتحرش الجنسي والإغتصاب وكشف العذرية والركل والصفع والتعليق مما أدى في بعض الحالات إلى إصابة الضحايا بشلل كامل وكسور مضاعفة في مختلف أنحاء الجسد وتؤكد وحدة أساليب التعذيب في كافة مقرات الإحتجاز وأسلوب الصعق بالكهرباء بأجهزة مشتراه لهذا الغرض وعدم قيام النيابة أو القضاء بالتحقيق في شكاوى التعذيب أن التعذيب منهجي ويتم بأومر عليا في الدولة.
لقد تقدم العديد من ضحايا التعذيب ببلاغات إلى النيابة العامة إلا أن الأخيرة تجاهلت الشكاوى وحفظتها فالقرارات والأوامر القضائية والمحاضر المحررة ضد المعارضين تؤكد تبعية النيابة العامة لوزراة الداخلية ولتوجهاتها دون اعتبار للقوانين ،وتقوم المحاكم بإصدار أحكام قاسية على المعارضين بموجب اتهامات مفبركة انتزعت تحت التعذيب.
أمام هذا الواقع المرير والإنهيار في منظومة العدالة للدولة المصرية ليس أمام القوى المدنية والجماهير في الدولة إلا التصدي لهذه السياسة الدموية وعلى المجتمع الدولي دعم الحراك الشعبي المتنامي فاستمرار الصمت شجع السلطات الحالية على ارتكاب المزيد من الجرائم فما تحتاجه مصر في الوقت الحالي هو تشكيل لجنة دولية تعمل على مراقبة السجون والتحقيق في الجرائم التي ترتكب بحق المعتقلين وتقديم المسؤولين عنها للمحاكمة.