سمع العالم كثيرا عن سجن أبو غريب في العراق ورآى عبر الصور المسربة وسائل التعذيب التي استخدمت مع المعتقلين وكيف قام جنود وضباط امريكيون باستخدام وسائل وحشية في تعذيب المعتقلين وتعريتهم ،في مصر وعقب الثالث من تموز 2013 امتلأت السجون عن آخرها بالمعتقلين وبدأت قصص التعذيب تخرج للعلن وبدا من وحشية الأساليب التي تستخدم مع المعتقلين نساء ورجالا صغارا وكبارا أنها نسخة عما كان يستخدم في سجن أبو غريب في العراق إلا أن أقساها وأكثرها وحشية ما يتعرض له المعتقلون في السجون السرية التابعة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية مثل سجن العزولي في محافظة الإسماعيلية وبسبب وحشية التعذيب في هذا المعتقل أطلق عليه المعتقلون أبو غريب مصر.
سجن العزولي هو سجن حربي ملحق بالجيش الثاني الميداني داخل منطقة عسكرية هى معسكر الجلاء بمحافظة الإسماعيلية ، ومخصص لسجن ضباط ومجندي القوات المسلحة والمتهمين وفق القانون العسكري ، وسمي بهذا نسبة إلى أحد الذين شغلوا منصب مأمور السجن وكان يدعى العميد العزولي وكان يشتهر عنه قيامه بتعذيب المساجين بشكل بالغ القسوة .
ويعتبر الإحتجاز في هذا السجن غير قانوني للمدنيين وفقا لقانون تنظيم السجون المصرية والذي لا يتضمن السجون العسكرية أو الملحقة بمعسكرات القوات المسلحة ، وإلى جانب عدم قانونية الإحتجاز في هذا السجن عموما فقد تحدثت الشهادات التي يتضمنها هذا التقرير حول حالات إختفاء قسري تتم في هذا السجن نظراً لعدم خضوعه لأي رقابة قضائية أو تنفيذية مدنية مما يجعل المحتجزين فيه معرضين لكل أنواع الإيذاء البدني والنفسي ومختلف ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية.
ووفق الشهادات الواردة في التقرير فإن العديد من الأشخاص تعرضوا للإختفاء القسري بهذا السجن ، كما يحتجز السجن نوعين من الأشخاص ، وهم المحتجزون على ذمة قضايا جنائية لحين عرضهم على نيابة أمن الدولة العليا لنقل حبسهم لأحد السجون المدنية ، أما النوع الآخر والمعروف أنهم محتجزون (تحريات) وهم الأشخاص الذين تم اختطافهم من أماكن مختلفة من قبل قوات أمن بزي مدني ثم تم إيداعهم في هذا المكان لمدد متفاوتة وصلت إلى سبعة أشهر لبعض الحالات ، دون أن يتمكن ذووهم من التواصل معهم مطلقا أو يتمكن أي من المحامين الوصول إليهم أو حتى تتحرك النيابة العامة والجهات القضائية والتنفيذية المختلفة للتحقيق حول وقائع احتجازهم بشكل غير قانوني .
كما تحدث الشهود عن وسائل التعذيب البشعة كالتعليق والصعق بالكهرباء والتعرية وسكب الماء والزيت المغلي والإعتداءات الجنسية على المعتقلين .
ووفق شهادات بعض الضحايا هناك حالات قتل تحت وطأة التعذيب تمت في هذا السجن،ووردت في شهادات الضحايا بعض أسماء الضحايا المختفين دون أن يستدل ذووهم على أماكنهم حتى الآن .
الإنتهاكات :
ووفق الإفادات التي استطعنا جمعها ومن واقع البحث حول طبيعة الإحتجاز بهذا السجن فإن السلطات القائمة عليه هي القوات المسلحة وخاصة قيادة الجيش الثاني الميداني ، بالتعاون مع وزارة الداخلية وخاصة مباحث الأمن الوطني ووفق للشهادات فإن أهم الإنتهاكات التي ترتكب في سجن العزولي هي :
1- تعريض الضحايا للإختفاء القسري :
حيث يتم تعريض كافة المعتقلين بهذا المكان للإختفاء القسري ومنع أي تواصل بينهم وبين أسرهم أو محاميهم لفترات متفاوتة ، ورفض إعطاء أي معلومات حول سبب إحتجازهم لأى جهة كون سجن العزولى غير خاضع لأي رقابة قضائية أو تنفيذية مدنية .
2- التعذيب :
ويمارس التعذيب على كافة المعتقلين بهذا السجن بدرجات متفاوتة ، بعض المعتقلين يتم إخضاعهم لتعذيب شديد في الفترات الأولى للإحتجاز حتى يعترفوا بتهم ملفقة تم إملاؤها عليهم أمام نيابة أمن الدولة العليا ، والبعض الآخر يستمر تعذيبه بشكل غير منقطع دون سبب ودون أن توجه له أي تهمة مهما طالت فترة إحتجازه وهذه المجموعة محتجزة في جزء من سجن العزولي يسمى التحريات ، وتتنوع أشكال التعذيب داخل هذا السجن بدءا من المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة طوال الوقت ومرورا بالتعليق والصعق بالكهرباء والجلد والإعتداءات الجنسية وغيره من وسائل التعذيب البشعة.
3- الإحتجاز في ظل ظروف غير آدمية :
يتم احتجاز الضحايا في أماكن ضيقة لا تتوافر فيها أي مقومات للحياة الآدمية فلا يوجد غطاء يقي المحتجز من البرد ، كما لا يوجد حمام لقضاء الحاجة ويجبر المعتقلين على قضاء حاجتهم في ( دلو ) موجود معهم بذات غرفة الإحتجاز والتي يتكدس فيها المعتقلين فيودع بها أضعاف طاقة تحملها العددية ، ولا يتوفر أي رعاية طبية للمعتقلين أو فرصة للقاء أسرهم أو محاميهم .
4- تلفيق تهم عشوائية للمعتقلين وإجبارهم على الإعتراف بها تحت وطأة التعذيب :
تقوم الجهات الأمنية بشكل عشوائي باعتقال عدد من الأفراد وتودعهم سجن العزولى ثم توزع بعضهم على قضايا جنائية يتم تعذيبهم بشكل بالغ السادية حتى يعترفوا بارتكبها ، بينما يستمر احتجاز الباقين دون توجيه تهم لهم ، مما يشكل مع جملة أمور إهدارا لحقهم في محاكمة عادلة ومنصفة .
5- القتل خارج القانون :
هناك حالات لأشخاص تم إخضاعهم لوسائل تعذيب عنيفة أودت بحياتهم ، وأغلب هذه الحالات لا يعلم ذووهم عنهم أي معلومة تمكنهم من الإستدلال عليهم أو معرفة مصيرهم .
الإطار القانوني :
تضمنت كافة القوانين والدساتير المصرية المتعاقبة حق أى متهم فى معرفة التهمة المنسوبة إليه وعرضه على الجهات القضائية فى حضور محاميه في مدة أقصاها 24 ساعة يعد بعدها المتهم متعرضا للإختفاء القسري واحتجازه غير قانوني ، واعتبر القانون الدولي جريمة الإخفاء القسري من الجرائم الخطيرة وأدرجت ضمن الجرائم ضد الإنسانية التي تدخل في ولاية المحكمة الجنائية الدولية متى ارتكبت في إطار خطة منهجية وفي إطار هجوم على فئة من المواطنين .
كما توافقت القوانين المحلية والدولية على عدم جواز تعريض أى متهم لأىٍ من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة تحت أي ذريعة أو ظرف واتفقت كذلك على اعتبار التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم وأهدرت كافة الإجراءات والاعترافات التي قد تترتب على إخضاع المتهم للتعذيب.
فينص الدستور المصري المعدل في أعقاب الثالث من يوليو (تموز) على :
مادة (54)
الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق. ويجب أن يُبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكٌن من الاتصال بذويه و بمحاميه فورا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته. ولا يبدأ التحقيق معه إلا فى حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، ندب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوى الإعاقة، وفقاً للإجراءات المقررة فى القانون. ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا. وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطى، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذى تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطى، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه. وفى جميع الأحوال لايجوز محاكمة المتهم فى الجرائم التى يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو منتدب.
مادة (55)
كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة ، ومخالفة شىء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقًا للقانون. وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شىء مما تقدم، أو التهديد بشىء منه، يهدر ولا يعول عليه.
ونص قانون تنظيم السجون المصري على وجوب إخضاع كافة أماكن الإحتجاز لرقابة النيابة العامة حيث تنص المادة 1 مكرر
“يودع كل من يحجز أو يعتقل أو يتحفظ عليه أو تسلب حريته على أي وجه فى أحد السجون المبينة فى المادة السابقة أو أحد الأماكن التى يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية وتسرى عليها جميع الأحكام الواردة فى هذا القانون على أن يكون حق الدخول فيها المنصوص عليه فى المادة 85 للنائب العام أو من ينوبه من رجال النيابة العامة بدرجة رئيس النيابة على الأقل” .
وصدقت مصر على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة 1948 وفقاً للقرار الجمهوري 154 في 6 إبريل/نيسان 1986 ونُشرت في الجريدة الرسمية المصرية العدد 1 في 7 يناير/كانون الثاني 1988 ودخلت حيز النفاذ في 25 يوليو/تموز 1986 والذي ينص في مادته الأولى على :
“لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد “بالتعذيب” أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها” .
خلاصة وتوصيات:
يتضح مما تقدم أن السلطات المصرية تدير سجونا سرية خارج إطار القانون مما حولها الى أماكن تمارس فيها أبشع انواع التعذيب تضاهي تلك الوسائل التي استخدمت في سجن أبو غريب في العراق وعلى الرغم من بشاعة القصص التي يرويها الضحايا وأسرهم إلا أن أحدا في المجتمع الدولي لم يتحرك لوقف حفلات التعذيب اليومية التي يتعرض لها المعتقلين،وقد رأت السلطات المصرية في عجز المجتمع الدولي وصمته ضوءا أخضرا للإستمرار في انتهاكاتها بغية تضييق الخناق على المعارضين.
إن الوضع المأساوي في سجن العزولي وباقي السجون المصرية يتطلب من أمين عام الامم المتحدة التحرك سريعا وإرسال لجان تقصي حقائق لوقف الإنتهاكات وإغلاق هذه السجون التي باتت تشكل خطرا على حياة المعتقلين.