عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الاثنين 22 أبريل/نيسان 2024، ندوة بعنوان “200 يوم على الإبادة الجماعية في غزة… الكارثة مستمرة” أدارتها الباحثة إنسيا رجا، وتناولت الفعالية الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة الناجمة عن الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية المرتكبة ضد المدنيين منذ أكثر من 6 أشهر. كما تم تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الأسرى الفلسطينيين، وخاصة الذين اعتقلوا من غزة منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ضمت الندوة نخبة من الأكاديميين والخبراء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، هم: ريتشارد فولك- أكاديمي أمريكي وناشط ومدافع عن حقوق الإنسان، وإيبو ماندازا – أكاديمي زيمبابوي ومؤلف وعضو المجلس الاستشاري في معهد FPRI في فيلاديلفيا، وجيف هالبر- ناشط سياسي وكاتب أمريكي إسرائيلي، وكريغ موراي-دبلوماسي بريطاني سابق، ود. ديفيد مونياي- مؤلف وأكاديمي، خبير في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية،و كين روث- محامي وناشط أمريكي والمدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومان رايتس ووتش. ونعومي باراسا – ناشطة كينية في مجال العدالة الاجتماعية، وسيبريان نيوموما – المدير التنفيذي لمؤسسة مستقبل كينيا، وريكاردو بوكو – مؤلف وأستاذ فخري في علم الاجتماع السياسي في معهد جنيف للدراسات العليا، وإلييت تشوي- من الطلاب المشاركين في اعتصام جامعة كولومبيا ضد الفصل العنصري، وياو نساركوه- كاتب وباحث سياسي من غانا، وعروب العابد- زميلة بحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مجلس الأبحاث البريطانية.
في كلمته، تحدث الدكتور ديفيد مونياي عن الأزمة المستمرة في غزة من وجهة النظر الجنوب إفريقية، حيث عقد مقارنة بين الأحداث الجارية في غزة والأوقات المظلمة للفصل العنصري في بلاده. ومع وصول الحرب إلى يومها المئتين، سرد الدمار الذي حل بسكان غزة، بما في ذلك تهجير العائلات من منازلهم بسبب التدمير أو القصف المستمر، وعمليات القتل الجماعي، والإحصائيات المؤلمة التي تشير إلى أن مقتل أكثر من 33,000 شخ، فضلًا عن وجود آلاف لا حصر لهم تحت الأنقاض غير معلومي المصير والهوية.
وسلط الدكتور مونياي الضوء على التهجير والفظائع واسعة النطاق المرتكبة في غزة، والتي يرى أنها يجب أن تدفع المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في الآثار الأوسع للوضع. ووفقا له، فإن الأزمة لا تعتبر مجرد صراع محلي، بل لها تداعيات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره. وأشار إلى أن القضايا المطروحة ترتبط ارتباطا وثيقا بفعالية مؤسسات الحوكمة العالمية وتأثيرها على القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان والديمقراطية.
علاوة على ذلك، شدد الدكتور مونياي على الحاجة الملحة لأن يفكر المجتمع الدولي في التغييرات الإيجابية التي لوحظت منذ نهاية الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مثل عودة ظهور حركات التضامن العالمية والحملات التي يديرونها من أجل فلسطين. وأكد بقوة أن الفظائع التي يرتكبها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين يجب أن تتوقف فورا.
وفي كلمته، أعرب كريج موراي، الدبلوماسي البريطاني السابق، عن مخاوفه البالغة إزاء ما يعتبره أزمة في الديمقراطية الغربية، مؤكدًا أن هذا النفاق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإبادة الجماعية في غزة. وأكد موراي على التناقض بين الرأي العام الشعبي في الغرب وبين الإجراءات السياسية التي تتبعها الحكومات هناك، مشيراً إلى أنه على الرغم من معارضة أغلبية كبيرة من سكان المملكة المتحدة لتصرفات الحكومة الإسرائيلية في غزة، فإن الأحزاب السياسية الرئيسية تواصل دعم إسرائيل وسياساتها.
وانتقد عدم وجود خيار ديمقراطي حقيقي، مسلطًا الضوء على أن الأحزاب الرئيسية في المملكة المتحدة والمرشحين الرئيسيين في الولايات المتحدة يصطفون مع السياسات الصهيونية، حيث لفت إلى أن الانتخابات الأمريكية القادمة ستكون بين الصهيوني جو بايدن ضد الصهيوني دونالد ترامب، مما يترك الناخبين دون خيارات حقيقية تعكس وجهات نظرهم. وأشار موراي إلى أن هذه القضية تمتد إلى ما هو أبعد من غزة، لأنها تؤثر أيضًا على السياسات المحلية مثل خصخصة الخدمات الأساسية.
وفي معرض حديثه عن الوضع في غزة، أكد موراي على التأثير غير المتناسب على الأطفال كمؤشر واضح على الإبادة الجماعية، وقارنها بالنزاعات الأخرى مثل ما يحدث بين روسيا وأوكرانيا، مشيرًا إلى أن النسبة المرتفعة للضحايا من الأطفال في غزة تتناقض بشكل صارخ مع المعايير العالمية للضحايا في زمن الحرب، مما يثبت أيضًا أن الوضع في غزة ليس حربًا، بل إبادة جماعية.
كين روث، المحامي الأمريكي والناشط في مجال حقوق الإنسان، ناقش في كلمته طبيعة جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة وكيفية تعامل المجتمع الدولي معها، منتقدًا ادعاءات الجيش الإسرائيلي بتجنب الأهداف المدنية، مشيرًا إلى التحديات في التحقق من هذه التأكيدات بسبب القيود المفروضة على الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في المنطقة.
وقدم روث أمثلة تفيد أن القوات الإسرائيلية دمرت عمدا المباني المدنية، مثل الجامعات والمباني السكنية الكبيرة، والتي، وفقا لروث، لا تهدف إلى تحقيق أهداف عسكرية، بل إلى إضعاف معنويات المجتمع المدني الفلسطيني. وقال إن مثل هذه الأعمال تشكل جرائم حرب بموجب القانون الإنساني الدولي، الذي يحظر بشدة الهجمات على البنية التحتية المدنية لمجرد إضعاف معنويات السكان.
كما سلط روث الضوء على واقعة استهداف موظفي المطبخ المركزي العالمي، والذي أدى إلى مقتل سبعة منهم، بينهم 6 من المواطنين الأجانب. وقال روث إن هذا الحادث يكشف عن قواعد الاشتباك الإشكالية التي تتبعها القوات الإسرائيلية، لافتًا أن أي شك لدى القوات الإسرائيلية بوجود أي عناصر مسلحة دون التأكد من ذلك بأي دليل ممكن، يعتبر مبرر لها القيام بعمليات عسكرية كبيرة ضد أهداف مدنية. وأشار روث إلى أن هذا يثير مخاوف جدية بشأن التناسب والتمييز في تكتيكات الاشتباك التي يتبعها الجيش الإسرائيلي.
الأكاديمي الزيمبابوي إيبو ماندازا تحدث في كلمته عن الإجراءات الممكنة التي يحاول مع زملائه في منظمته اتخاذها من أجل إيجاد حلول للأزمة المتصاعدة في غزة.
وأوضح أن منظمته تعمل بنشاط على تسليط الضوء على المأساة في غزة منذ 7 أكتوبر، وذلك باستخدام منصات مختلفة بما في ذلك الندوات لمناقشة كيفية وقف الإبادة الجماعية المستمرة وإنهاء الاحتلال.
وشدد مندازا على الدور الحاسم الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي والمنافذ مثل قناة الجزيرة في بث الأحداث في غزة إلى الجمهور العالمي. وأشار إلى أنه في حين يدعم الرأي العام في الغرب بشكل عام القضية الفلسطينية، فإن الحكومات الغربية، وخاصة حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الأوسع، تواصل دعم إسرائيل. وأشار ماندازا إلى أن هذا التناقض واضح في المظاهرات الكبيرة المؤيدة لفلسطين في مدن مثل لندن ونيويورك، والتي توضح الانقسام بين الجمهور الغربي وحكوماته.
وفي معرض مناقشة التداعيات الأوسع للأحداث الأخيرة، سلط ماندازا الضوء على التحول الكبير في الوعي العالمي تجاه القضية الفلسطينية. وقال إن الأشهر الستة الماضية شكلت نقطة تحول تاريخية، ومن المحتمل أن تغير المسار نحو حل القضية الفلسطينية، لافتًا أن هذا التغيير يعود الفضل فيه إلى الفظائع الإسرائيلية في غزة، والتي وصفها بأنها أسوأ إبادة جماعية في التاريخ الحديث. واختتم ماندازا كلمته بالتأكيد على أهمية مبادرة الحكومة الأفريقية لعرض القضية أمام محكمة العدل الدولية، والتي رأى أنها خطوة مهمة ستساهم آجلًا أو عاجلًا في وضع علاج الوضع الحالي.
وخلال مداخلته في الندوة، تناول إلييت تشوي، طالب مشارك في اعتصام جامعة كولوبيا ضد الفصل العنصري الإسرائيلي، رد الفعل العالمي الواسع النطاق على الوضع في غزة، مؤكدًا على الإجماع على أن هذا الوضع يشكل إبادة جماعية، وفصلاً عنصرياً، واستعماراً استيطانياً، واحتلالاً. وفي معرض حديثه عن رد الفعل في الولايات المتحدة، وخاصة عبر الحرم الجامعي، سلط تشوي الضوء على التراجع الكبير ضد هذه السياسات القمعية، سواء على المستوى العالمي أو داخل الإدارات والحكومات التي تدعم إسرائيل بشكل غير مشروط.
وأشار تشوي إلى الانقسام الداخلي وانعدام النزاهة داخل هذه الإدارات، مشيراً إلى أنه حتى داخل الدول المعروفة بمواقفها المتشددة، هناك تحركات ناشئة تدل على أن التغيير قادم لا محالة. كما تحدث تشوي عن واقعة اعتقال أكثر من 100 طالب بناءً على طلب نعمت شفيق، رئيس جامعتهم، مما يوضح الضغط والارتباك الذي يواجهه القادة المؤسسيون بسبب هذه الاحتجاجات.
ودعا تشوي الطلاب والأساتذة والمهنيين من مختلف القطاعات إلى بذل جهد موحد لاستخدام مناصبهم لتركيز الاهتمام على غزة وممارسة الضغط على من هم في السلطة.
الباحثة عروب العبد سلطت خلال كلمتها الضوء على أزمة أخرى مستمرة في فلسطين منذ أكثر من 76، وهي أزمة التهجير القسري للفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم لصالح المشروع الصهيوني الاستيطاني. وأوضحت أنه على مدى السنوات الـ 76 الماضية، شملت السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين التدمير المنهجي للقرى، والحرب النفسية، وتقويض البنى التحتية الاقتصادية. وشددت العبد على استمرارية ما أسمتها “سياسة ترانسفير الصهيونية” والتي وصفتها باستراتيجية التطهير العرقي المستمرة منذ عام 1948.
وبحسب العبد، فإن الأحداث الأخيرة في غزة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهذه السياسة، لافتة أنها تظهر نفس أنماط العنف التي لوحظت في المذابح التاريخية السابقة، بما في ذلك الأعمال الوحشية مثل قطع الرؤوس وغيرها من الفظائع التي تهدف إلى بث الرعب في نفوس الفلسطينيين وإجبارهم على الرحيل.
كما لفتت د. عروب العبد إلى أن إسرائيل في سبيل ذلك تستهدف كذلك العاملين في المجال الطبي كي لا يجد المصابون وسيلة للنجاة، والعاملين في المجال الإعلامي كي يتم حجب الحقيقة.
وأكدت أن هذا الوضع المستمر يمثل جهدًا متضافرًا لمنع الشعب الفلسطيني من تلقي الرعاية اللازمة وقمع أي تقارير على الأرض يمكن أن تكشف عن مدى الإجراءات المتخذة ضدهم.
في كلمته، قال البروفيسور الأمريكي ريتشارد فولك إن ما يحدث بلا أدنى مجال للشك هو إبادة جماعية، بل إنها “الإبادة الجماعية الأكثر وضوحًا في كل التاريخ”، يمكن مشاهدتها في مكان في العالم بالبث المباشر من خلال وسائل الإعلام المختلفة. وخلافاً لعمليات الإبادة الجماعية السابقة، التي لم يعرف أحد ما دار فيها إلا بعد وقوعها، فإن الوضع الحالي يسمح بمشاهدة فورية من جميع أنحاء العالم للفظائع الإسرائيلية المرتكبة.
وأوضح فالك أن هذه الإبادة الجماعية ليست مدفوعة فقط بالتجريد من الإنسانية أو الكراهية، كما رأينا في الأمثلة التاريخية مثل المحرقة التي طالت اليهود في عهد هتلر، بل إنها جزء من المشروع الصهيوني لتطهير فلسطين التاريخية من سكانها الأصليين. وقد ربط هذه الاستراتيجية بشكل مباشر بسياسات حكومة نتنياهو الائتلافية، التي يزعم أنها تسعى إلى تحقيق الهدف الصهيوني المتمثل في إقامة إسرائيل الكبرى، لكنها في الحقيقة جعلت غزة جزء منها بعد اكتشاف النفط والغاز قبالة سواحل غزة والمشاريع الاستراتيجية مثل قناة بن غوريون المقترحة، والتي من شأنها أن تكون بمثابة بديل لقناة السويس، وبالتالي إعادة تشكيل الأهمية الجيوسياسية لغزة في السياسة الإسرائيلية.
الكاتب والباحث السياسي الغاني ياو نساركوه عرض في كلمته وجهة نظره حول الخطاب الجيوسياسي المستمر المحيط بقضايا وصراعات وحروب مثل ما يحدث من قبل القوات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. وأكد نساركوه على أهمية الاعتراف بديناميكيات الهيمنة الأوسع التي تؤثر على هذه الصراعات. وقال إنه في حين تركز المناقشات في كثير من الأحيان على القرارات المحتملة مثل حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، فإن القضية الأساسية التي يجب التركيز عليها هي التأثير المنتشر للقوة المهيمنة، خاصة منذ عام 1945، والتي تستخدم جميع الوسائل المتاحة لمتابعة أجندتها.
ووفقاً لنساركوه، فإن هذا الدافع للهيمنة لا يقتصر على بناء الإمبراطورية الإسرائيلية فحسب، بل يتبع منطقاً يسعى فيه رأس المال إلى الهيمنة، كما أشار المؤرخ والتر رودني. وهذا السعي يؤدي حتما إلى توسع الإمبراطورية. وشدد نساركوه على ضرورة فهم هذه القوى الهيكلية في سياق صراع القوى بين الدول من أجل الهيمنة والثروة العالمية. كما شدد نساركوه على أنه بدون الاعتراف بهذه الأسباب العميقة ومعالجتها، ستستمر المناقشات حول نفس المواضيع دون معالجة الأسباب الجذرية للقضايا.
الناشطة الكينية تحدثت ناعومي باراسا ناقشت الوضع في غزة من منظور مختلف، حيث تحدثت عن الاستخدام الاستراتيجي للمياه من قبل إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين، ووصف كيف استخدمت الحكومة الإسرائيلية المياه بشكل منهجي كسلاح من أسلحة الحرب والقمع، مع الإشارة بشكل خاص إلى القيود الصارمة المفروضة على وصول الفلسطينيين إلى المياه.
وتحدثت باراسا بالتفصيل عن تعرض الفلسطينيين، منذ بداية الاحتلال قبل عقود، لندرة شديدة في المياه، مع تقييد شديد لوصولهم اليومي إلى المياه، وهو الوضع الذي وصفته بأنه انتهاك واضح لحقوق الإنسان. وأوضحت أن هذه الندرة تفاقمت مع مرور الوقت، وتطورت إلى حرمان كامل من الوصول إلى المياه خلال الحرب الحالية. ووفقا لبراسا، فإن الاستراتيجية التي تستخدمها الحكومة الإسرائيلية تشمل تقليل كمية ونوعية المياه المتاحة للفلسطينيين، ومنع وصولهم إلى مياه الشرب النظيفة والآمنة، وتلويث مصادر المياه المتوفرة لديهم، وتحويل مسطحات مائية كبيرة مثل نهر الأردن والبحر الأحمر.
وقالت باراسا إن هذه الأعمال هي جزء من نهج منهجي ومستهدف لإبادة المجتمع الفلسطيني كجزء من أجندة التطهير العرقي الصهيونية، وشددت على أن استخدام المياه كأداة للقمع يؤكد أن إسرائيل نظام فصل عنصري وقوة استعمارية، وأن ما يحدث حاليًا في غزة هو إبادة جماعية.
تناول سيبريان نياموامو، المدير التنفيذي لمؤسسة مستقبل كينيا، الأزمة المستمرة في غزة، واصفًا إياها بأنه لحظة حاسمة للدعوة إلى إصلاحات عالمية مهمة، وفي حديثه لفت إلى أن الإبادة الجماعية وصلت يومها الـ200، مسلطًا الضوء على تأثير الدول القوية مثل الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، منتقدًا دورهم في دعم المشروع الصهيوني مع الإفلات الواضح من العقاب.
وأكد نياموامو أنه لكي تكون الحلول طويلة المدى للأزمة في فلسطين ممكنة، يجب أن تكون هناك مناقشة جادة حول إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقال إن السيطرة التي تمارسها هذه الدول على مجلس الأمن، وبالتالي على المؤسسات الدولية مثل محكمة العدل الدولية، تدعم قدرتها على دعم مثل هذه الأعمال دون مواجهة العواقب.
ودعا إلى بذل جهد عالمي لتحدي وتفكيك البنية الحالية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يرى أنه يضفي الشرعية ويسهل الدعم المستمر للإبادة الجماعية.
ناقش ريكاردو بوكو، أستاذ علم الاجتماع السياسي الفخري في معهد الدراسات العليا بجنيف، في كلمته نتائج تقريرين مهمين أصدرتهما لجان مستقلة بشأن تصرفات موظفي الأمم المتحدة في غزة. وسلط بوكو الضوء على أهمية هذه التقارير وسط مزاعم من السلطات الإسرائيلية بأن حوالي 3000 موظف فلسطيني في غزة ينتمون إلى حماس، وأشار إلى أن التقريرين، أحدهما بقيادة كاثرين كولونا، الوزيرة الفرنسية السابقة، والآخر بقيادة ثلاثة معاهد إسكندنافية (النرويجية والدنماركية والسويدية)، برأوا الموظفين المتهمين من هذه الادعاءات، مشيرين إلى أن إسرائيل لم تثبت ادعاءاتها ولم تقدم أي دليل على ذلك.
ثم ربط بوكو هذه النتائج بقضايا أوسع تتعلق بالمعلومات المضللة حول ما يحدث الآن في غزة وحول الانتهاكات المرتكبة ضد الفلسطينيين من قبل القوات الإسرائيلية، منتقدًا الرواية المستمرة التي تنشرها السلطات الإسرائيلية. وذكر حالات محددة حيث تبين أن القوات الإسرائيلية تنشر معلومات كاذبة، بما في ذلك خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول حيث تراجع الجيش الإسرائيلي نفسه في وقت لاحق عن الادعاءات المتعلقة بقطع رؤوس الأطفال.
وتطرق بوكو أيضا إلى الأهمية الرمزية والعملية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في تأكيد الهوية والحقوق الفلسطينية، مشيرا إلى القرار الأممي رقم 194 بشأن حق الفلسطينيين في العودة أو التعويض والذي لم يتم تنفيذه. وأعرب بوكو عن قلقه بشأن التكلفة المالية وتكاليف السمعة للدفاع ضد ما أسماه الدعاية الإسرائيلية، متسائلا عن السبب الذي يدفع المجتمع الدولي، خاصة الحكومات الأوروبية، إلى تحمل هذه التكاليف الخاصة بقضايا كاذبة مبنية على معلومات كاذبة ومضللة.
وفي ختام خطابه، دعا بوكو إلى المساءلة، مشيراً إلى أن أولئك الذين ينشرون معلومات كاذبة يجب أن يواجهوا عواقب قانونية ويتحملوا تكاليف تضليل الرأي العام، مما يعزز الحاجة إلى النزاهة الحقيقية في العلاقات الدولية وإعداد التقارير عن الصراعات.
تحدث جيف هالبر، عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي الإسرائيلي والناشط السياسي، عن الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، المستمرة منذ أكثر من 200 يوم. وانتقد هالبر تصرفات الحكومة الإسرائيلية المستمرة في غزة، ولا سيما الغزو المخطط لرفح، مسلطًا الضوء على عدم وجود هدف استراتيجي أو سياسي وراء هذه الإجراءات، كما أشار إلى فشل الأهداف، مثل تدمير حماس وإنقاذ الرهائن.
وشدد على أن المجتمع الدولي الأوسع، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، رغم أنه لا يعارض الأعمال العسكرية الإسرائيلية، فإنه يفضل أن يتم تنفيذها بأقل قدر من الخسائر الفلسطينية. وأشار هالبر ساخرًا إلى استحالة نقل أكثر من مليون فلسطيني إلى “مكان آمن” مثل كانساس، لافتًا أن إسرائيل تطلب المستحيل، وتستمر في قتل الفلسطينيين الأبرياء بدعم من العالم الغربي الذي يعرف أنه لا يمكن نقل الفلسطينيين من غزة إلى مكان آمن.
علاوة على ذلك، وضع هالبر الأزمة في غزة في سياقها ضمن الإطار التاريخي الأكبر والمستمر للاستعمار الاستيطاني في فلسطين، بدءًا من عام 1947-1948 مع النكبة. وأوضح أن الإبادة الجماعية هي جزء أصيل من عملية الاستعمار الاستيطاني، والتي تنطوي على تهجير السكان الأصليين وتحويل دولة عربية إلى دولة يهودية. واختتم هالبر كلمته بالتأكيد على أهمية عدم فقدان التركيز على الضفة الغربية، التي يعتبرها أكثر أهمية من الناحية السياسية بالنسبة لإسرائيل من غزة.