تعتبر مدينة القدس المحتلة هدفا استراتيجيا لحكام إسرائيل بمختلف مشاربهم يسعون سعيا دؤوبا إلى تهويدها بكافة الوسائل بدعاوى تلمودية ليس لها سند على أرض الواقع، فمن مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات إلى سياسة هدم المنازل أو السيطرة عليها وتشريد أصحابها وسحب الإقامات وإبعاد المواطنين وغير ذلك من وسائل التطهير لتغيير هوية القدس من كافة النواحي.
أخطر هذه السياسات هي إبعاد المقدسيين عن أماكن سكناهم في مدينة القدس بحجج وذرائع متعددة حيث تعتبر سلطات الإحتلال المواطنين المقدسيين مقيمين إقامة دائمة في شرقي القدس وبالتالي فإن معايير الإقامة الدائمة للأجنبي في الكيان تنطبق عليهم وفقا لـ” قانون الدخول إلى إسرائيل لعام 1952 “،في العام 1988م أصدرت ما تسمى محكمة العدل العليا قرارا في قضية “عواد ضد رئيس الوزراء” قالت فيه”ضم القدس الشرقية حول سكانها الى مقيمين إقامة دائمة في إسرائيل وأن مثل هذه الإقامة ينتهي سريان مفعولها عندما يغير المقيم مركز حياته “،فالمقدسي بمثابة الأجنبي إذا أخل بشروط الإقامة يجرد من إقامته في أحوال مثل الأقامة خارج حدود بلدية القدس المعرفة لمدة سبع سنوات أو الحصول على تصريح إقامة دائمة في دولة اخرى أو الحصول على جنسية دولة أخرى،وتشير التقديرات انه منذ عام 1967م وحتى منتصف عام 2010م جردت سلطات الإحتلال 14000 مقدسي من إقامتهم منها 4500 إقامة في عام 2008م .ويعتبر لم شمل العائلة في حالة الزواج من المستحيلات فإذا تزوج المقدسي من خارج حدود البلدية عليه أن يقدم طلباً،الأمر الذي أصبح مستحيلا بعد القانون الذي أقره الكنيست عام 2003م ،كما أن الإقامة لا تعتبر حقا للأطفال فلا تنتقل بشكل تلقائي من حاملها الى أبنائه مما يصعب من عملية تسجيل الاطفال حيث يقدر عدد الأطفال غير المسجلين بـ10 آلاف طفل.
هكذا تعامل دول الإحتلال السكان الأصلييين في عاصمتهم القدس مقيمين أجانب وفي المقابل فإن ما يسمى قانون العودة الإسرائيلي يسمح لليهود من كل الجنسيات في العالم في العودة والسكن في أرض ليست أرضهم وفي ممتلكات خاصة ليست ممتلكاتهم ومساكن عالية الجودة على حساب الفلسطينيين الذين يتم إبعادهم عن المدينة ويسلخون عن عائلاتهم ومحيطهم الإجتماعي في عملية أشبه بعملية الإعدام.
ونتيجة هذه السياسة يعيش اليوم في القدس المحتلة في حدود عام 1967م 200 ألف مستوطن في مستوطنات شيدت على أراض شاسعه يملكها الفلسطينيون كما أن هناك 2000 مستوطن يعيشون في 79 بؤرة إستيطانية عبارة منازل تمت مصادرتها من الفلسطينيين داخل أحياء مختلفة من بينها سلوان،الشيخ جراح،المصرارة،جبل المكبر والبلدة القديمة.
في مقابل هذا الإستيطان بلغ عدد عدد السكان الفلسطينيين في القدس المحتلة رغم كل وسائل التهجير حوالي 275 ألف نسمة ولا أفق لتلبية حاجاتهم الطبيعية في الحصول على مسكن لائق أو البناء في أراضيهم الخاصة.
ووفق مخطط القدس الكبرى ومع الإنتهاء من بناء جدار الفصل العنصري سيتم ضم مستوطنات إسرائيلية أخرى إلى حدود بلدية القدس،وفي نفس الوقت سوف تستبعد مدن و قرى فلسطينية من حدود القدس الشرقية حيث من المقدر أن يبلغ عدد السكان الفلسطينيين المهجرين مع انتهاء بناء الجدار حوالي 183 ألف نسمة بينما سوف يعمل الجدار على ضم حوالي 237 ألف مستوطن للمدينة.
تكريس القدس عاصمة لإسرائيل:
ومن أجل تكريس القدس كمدينة إسرائيلية وعاصمة موحدة للكيان الإسرائيلي رفضت إسرائيل رفضا قاطعا أي مظهر من مظاهر التمثيل الفلسطيني السياسي في مدينة القدس لذلك أغلقت العديد من المؤسسات الفلسطينية وأبعدت العديد من رموز المدينة واعتقلت آخرين وعند بدء عملية انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006م شنت إسرائيل حملة واسعة ضد المرشحين عن مدينة القدس حيث تم استدعاء واحتجاز المرشحين أكثر من (17) مرة وفي كل مره يتم الاحتجاز لمدة يوم أو يومين بحجة خرق قواعد الإنتخابات ونشر مواد دعائية داخل مدينة القدس.
لم يرضخ المرشحون لحملة الترهيب التي قادتها الأجهزة الامنية الإسرائيلية وأعلن المرشحون عن بدء الحملة الإنتخابية من داخل المسجد الأقصى واستطاع بعضهم كسب ثقة المقدسيين حيث فاز في الإنتخابات كل من النائب محمد أبو طير والنائب أحمد عطون والنائب محمد طوطح .
لم تتوقف معاناة النواب بعد فوزهم في الإنتخابات إنما استمرت وفقا لمجريات الأحداث التالية:
- جرت الإنتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير2006م بتوافق كافّة الأطراف وإشرافٍ دوليّ وحضور شخصيات عالميّة وشارك المقدسيون بهذه الإنتخابات وأدلوا بأصواتهم في مقرات البريد داخل المدينة وشهد المراقبون بنزاهة العملية الإنتخابية.
- في أعقاب نتائج الإنتخابات قام وزير الداخلية الإسرائيلي بتهديد النوّاب المقدسيين محمد محمود أبو طير،أحمد محمد عطون ، محمد عمران طوطح ووزير شؤون القدس السابق خالد إبراهيم أبوعرفة بحرمانهم من إقاماتهم في مدينة القدس ما لم يستقيلوا من عضوية المجلس التشريعي والحكومة الفلسطينية .
- قامت سلطات الإحتلال الإسرائيلي باعتقال عدد كبير من نوّاب المجلس التشريعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ووزراء الحكومة بتاريخ 29/6/2006م ومن ضمنهم النوّاب المذكورين والوزير خالد ابو عرفة ، بحجة عضويتهم في المجلس التشريعي والحكومة، وتمت مقاضاتهم أمام محاكم عسكريةٍ إسرائيلية ، وحكم عليهم بفترات سجن ما بين عامين وأربعة أعوام ، حيث قضى النوّاب والوزير محكوميّاتهم كاملة .
- في أعقاب الإفراج عن نواب القدس والوزير قامت الشرطة باستدعائهم، وصادرت وثائقهم الثبوتية،وسلمتهم إشعاراتٍ بمغادرة مدينة القدس خلال شهر من تاريخه وانتهت فترة إشعار النائب محمد أبو طير بتاريخ 19/6/2010م ،فيما انتهت فترة الآخرين بتاريخ 2/7/2010م .
- بتاريخ 15 حزيران 2010 ، قدم محامو النواب والوزير طلب أمر احترازي لمحكمة العدل الإسرائيلية بتجميد قرار الإبعاد إلى حين المحكمة لكن المحكمة المذكورة رفضت الالتماس في 20 حزيران 2010 .
- قامت سلطات الاحتلال عصر يوم 30\6\2010 باعتقال النائب محمد أبوطير بالقرب من منزله وعلى أثر ذلك قام النائبان أحمد عطون ومحمد طوطح والوزير السابق خالد أبوعرفة في صباح اليوم التالي 1\7\2010 باللجوء إلى مقر البعثة الدولية للصليب الأحمر في القدس تفادياً لاحتمال اعتقالهم .
- ضغطت سلطات الاحتلال على النائب محمد أبوطير للتوقيع على أمر الإبعاد أو البقاء في السجن الإسرائيلي فرفض التوقيع على أمر الإبعاد من القدس، وبتاريخ 8/12/2010م، تم إبعاد النائب محمد أبو طير إلى مدينة رام الله وبتاريخ 6/9/2011م، تم اعتقال النائب أبو طير من رام الله وتحويله للاعتقال الإداري وبقي لمدة عام في سجون الإحتلال الى أن تم الإفراج عنه بإبعاده إلى مدينة رام الله .
- بتاريخ 26/9/2011 قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باقتحام مقر البعثة الدولية للصليب الأحمر في القدس واختطاف النائب أحمد عطون من داخل مقر الصليب الأحمر واعتقاله لمدة 70 يوماً والضغط عليه للتوقيع على قرار الإبعاد عن مدينة القدس، وبسبب رفض النائب أحمد عطون التوقيع على ذلك القرار قامت سلطات الاحتلال بإبعاده قسراً بتاريخ 6/12/2011م، إلى مدينة رام الله.
- بتاريخ 23/1/2012م، قامت قوات الاحتلال مرة أخرى باقتحام مقر الصليب الأحمر واعتقال النائب محمد طوطح ووزير القدس السابق خالد أبو عرفة، وتفتيش مقر الصليب الأحمر ومصادرة أجهزة ووثائق خاصة بالنواب وما زال النائب والوزير حتى الآن معتقلين في سجون الاحتلال.
- أصدر الصليب الأحمر بيانا أكد فيها على حالة الإعتقال ولم يتبن أي موقف قانوني كون اقتحام مقر البعثة الدولية مخالف لقواعد الحصانة التي يتمتع بها مقر البعثة.
- لازال طعن النواب في قرار إبعادهم قائماً أمام ما يسمى محكمة العدل العليا الإسرائيلية حيث حددت جلسة للنظر في الطعن يوم 16/01/2013م ويخشى أن تجاري هذه المحكمة رأي وزير الداخلية وتشرعن عملية الإبعاد على أسس أمنية كما حدث في قضايا سابقة.
- حال نواب القدس والوزير اليوم بين أسير في سجون الإحتلال ومبعد إلى مدينة رام الله لا يستطيعون العودة إلى مدينتهم التى تبعد بضع كيلومترات وكذلك لا يستطيعون الإجتماع بعائلاتهم وأطفالهم ولا زالوا ينتظرون على أمل العودة .