عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الخميس 27 يونيو/حزيران 2024 ندوة بعنوان “ظروف غير آدمية وواقع مأساوي: معاناة الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال” حول ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين، وعلى وجه التحديد تم اعتقالهم من غزة، خاصة مع انتشار شهادات مروعة من الأسرى المحررين حول الظروف القاسية والتعذيب الوحشي الذي يتعرضون له داخل السجون، وذلك في أعقاب الحرب المستمرة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة قبل ثمانية أشهر.
شارك في الندوة نخبة من المدافعين عن حقوق الإنسان والأكاديميين والخبراء القانونيين، وهم: كين روث- محامي وناشط أمريكي والمدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومان رايتس ووتش، وسارة فلاوندرز- مدير مركز العمل الدولي في الولايات المتحدة، وإميليو دابد – محام متخصص في الشؤون الدستورية، ورائد جرار – مدير قسم المناصرة في منظمة الديموقراطية الآن للعالم العربي، وديكران كابويان- رئيس القسم العربي لوكالة الأنباء الرسمية الأرمنية، وكاتي هالبر- صحفية وكاتبة أمريكية.
بدأ كين روث كلمته بالإشارة إلى المبرر الواهي الذي يستخدمه مؤيدو الحكومة الإسرائيلية، وهو المقارنة بين ما فعلوه في غزة، وبين ما يقولون إن حماس ارتكبته في هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لافتًا أن جرائم الحرب التي يرتكبها أي طرف لا تبرر جرائم الحرب التي يرتكبها الطرف الآخر.
وأكد روث أنه بغض النظر عن تصرفات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن تجاهل إسرائيل لاتفاقيات جنيف وقوانين الحرب ليس له ما يبرره، وشدد على أن حقيقة أن الأصل هو “الوضع المدني”، وهو قاعدة أساسية لحماية المدنيين، كثيرا ما تتجاهلها إسرائيل في عملياتها العسكرية في غزة.
وتحدث روث بالتفصيل عن حالات محددة تجاهلت فيها العمليات العسكرية الإسرائيلية الوضع المدني، مثل عملية استهداف سيارات تابعة للمطبخ المركزي العالمي، كما أشار إلى أن إسرائيل قامت بتدمير المنشآت المدنية كالجامعات والمراكز الثقافية تحت ستار استهداف أهداف عسكرية، وهو ما يصل إلى حد العقاب الجماعي. كما انتقد روث إنشاء “مناطق القتل” حيث يُفترض أن أي شخص يدخلها هو مقاتل وبالتالي هدف مشروع.
كما أدان استخدام الذكاء الاصطناعي في الاستهداف، حيث تقرر الخوارزميات من يجب قتله، مما يقوض متطلبات صانع القرار البشري لضمان افتراض الوضع المدني.
وفي ختام كلمته، رسم روث تناقضًا صارخًا بين عمليات “إنقاذ” الرهائن وتأثيرها على المدنيين في غزة، وسرد حوادث مثل قصف أحد الأسواق خلال عملية إنقاذ، مما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، كما شدد أيضًا على ضرورة محاسبة جميع الأطراف على انتهاكاتها للقانون الدولي والأثر المدمر على السكان المدنيين.
في مداخلته، سلط ديكران كابويان الضوء على القضية الإنسانية التي تكمن في جوهر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مشيراً إلى انتشار الاعتقال وسوء معاملة الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية. وقارن كابويان بين معاناة السجناء الفلسطينيين وما تعرض له السجناء الأرمن المحتجزين في أذربيجان، كما سلط الضوء على السياق الأوسع للظلم والاستبداد في الشرق الأوسط. وشدد كابويان على أن إسرائيل، باعتبارها الجانب الأقوى، ليس لديها أي مبرر لانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين.
وانتقد كابويان تجاوز إسرائيل المستمر للخطوط الحمراء، كما أبرزت ذلك محكمة العدل الدولية، وقال إن تصرفات إسرائيل لا يمكن مواءمتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وشدد على أهمية احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من الاعتراف بالدور المعيب للغرب كحامي لحقوق الإنسان، دعا كابويان إلى الاعتماد على الرأي العام في الدول الغربية، الذي أشار إلى أنه أكثر تطورا ووعيا بقضايا حقوق الإنسان من المناطق الأخرى.
وفي ختام كلمته، أعرب كابويان عن اعتزازه بالجهود التي يبذلها الناس في جميع أنحاء العالم لدعم حقوق الإنسان، ودعا إلى مواصلة التركيز على القيم العالمية. كما شدد على أن القانون والعلاقات الدولية يجب أن تعكس إرادة الشعوب وليس سياسات الدول الفردية. وأنهى كابويان كلمته بالتشديد على أهمية احترام مبادئ حقوق الإنسان وجعلها أولوية، وحث المجتمع الدولي على محاسبة إسرائيل على أفعالها ودعم النضال الفلسطيني من أجل العدالة والكرامة.
في كلمته، ركز إيميليو دابد على تجارب وشهادات الأسرى الفلسطينيين المحررين من سجون الاحتلال، وقارنها بأمثلة تاريخية عن القمع الاستعماري، حيث لفت إلى آراء فرانتز فانون حول العنف الاستعماري، مشيراً إلى أن الإرهاب الذي ينشره الجيش الإسرائيلي والمستوطنون يذكرنا بالممارسات الاستعمارية السابقة.
وسلط دابد الضوء على الاغتصاب المنهجي والتعذيب والظروف اللاإنسانية التي يواجهها الأسرى الفلسطينيون، والتي تتناقض بشكل صارخ مع المعاملة التي يتلقاها الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، والذين غالبًا ما يعودون إلى ديارهم سالمين ومبتسمين، وفي حالة معنوية مرتفعة.
وشدد دابد على التأثير النفسي للاتهامات الاستعمارية، مشيرًا إلى أن اتهامات القوة الاستعمارية للشعب الذي تستعمر أرضه غالبًا ما تكشف عن قدراته ونواياه. وأشار إلى التفاوت بين أوضاع السجناء الفلسطينيين والإسرائيليين كدليل على التكتيكات الوحشية التي تتبعها إسرائيل.
كما أشار دابد إلى أن الأسرى الفلسطينيين يعودون مدمرين ومحطمين نفسيًا وجسديًا، مما يوضح حجم التعذيب الوحشي الذي يستخدمه الاحتلال داخل مراكز احتجازه ضد الأسرى.
وفي تعليقاته الختامية، استحضر دابد تأملات بريمو ليفي حول المحرقة للتأكيد على الظروف اللاإنسانية التي يواجهها السجناء الفلسطينيون. ووصف السجون الإسرائيلية بأنها “الجغرافيا الفلسطينية السادسة”، أي أنه مكان للمعاناة يعزز التضامن والمقاومة بين الأسرى. ودعا دابد إلى التضامن العالمي مع الأسرى الفلسطينيين وحركات المقاومة، مؤكدا أن فهم ومقاومة هذا القمع أمر بالغ الأهمية لمنع ارتكاب فظائع مماثلة في أماكن أخرى. وحث المجتمع الدولي على الاعتراف بالإنسانية المشتركة للسجناء الفلسطينيين وقدرتهم على الصمود في مواجهة الوحشية المنهجية.
في كلمتها، سلطت كاتي هالبر الضوء على المعايير المزدوجة في الخطاب الإعلامي والسياسي الغربي فيما يتعلق بمعاملة الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين. وأشارت إلى أنه بالرغم من أن السياسيون والجنود الإسرائيليون ينشرون جرائمهم بالصوت والصورة، فإن إساءة معاملة الفلسطينيين وتعذيبهم غالبًا ما تمر دون أن تحرك فعال من المجتمع الدولي. وقارنت هالبر بين تصوير وسائل الإعلام للرهائن الإسرائيليين، الذين عوملوا بعناية وسمح لهم حتى بالاحتفاظ بحيواناتهم الأليفة، بل بعضهم احتفل بعيد ميلاده، في المقابل، يتم مشاركة إفادات مروعة من قبل الأسرى الفلسطينيين الذين يواجهون التعذيب والعنف الجنسي على أيدي القوات الإسرائيلية.
وانتقدت هالبر تركيز وسائل الإعلام الغربية على الروايات المشكوك فيها حول استخدام حماس للاغتصاب كسلاح في الحرب، بينما تتجاهل إلى حد كبير العنف الجنسي الموثق ضد الأسرى الفلسطينيين. واستشهدت بحالات محددة من التعذيب الوحشي وسوء المعاملة، بما في ذلك استخدام العصي الكهربائية والجلوس القسري على أشياء معدنية ساخنة، كما تحدثت عن تعرض بعض الأسرى للعنف الجنسي من قبل كلاب بوليسية مدربة. وأدانت هالبر غياب التغطية الإعلامية والغضب السياسي إزاء هذه الفظائع، مشيرة أن السبب وراء هذه الازدواجية يعود إلى الرفض المنهجي للاعتراف بإنسانية الفلسطينيين من قبل الحكومات الغربية.
وفي ختامها، أشارت هالبر إلى تحول في الرأي العام على الرغم من مقاومة النخبة للتغيير، وتحدثت عن استقالات من مسؤولين داخل وزارة الخارجية الأمريكية احتجاجًا على دعم الرئيس بايدن لإسرائيل وتزايد الاحتجاجات والنشاط من المنظمات اليهودية وطلاب الجامعات. وشددت هالبر على أهمية الاستمرار في رفع مستوى الوعي ومحاسبة الحكومات على تواطؤها في الأعمال الإسرائيلية. وسلطت الضوء على دور وسائل التواصل الاجتماعي والتقارير المستقلة في كشف حقيقة الوضع في غزة ودعت إلى بذل جهود متواصلة لتحدي الروايات السائدة والدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
تحدثت سارة فلوندرز عن الوحشية المنهجية التي يواجهها الأسرى الفلسطينيون وتواطؤ الولايات المتحدة في هذه الانتهاكات والجرائم البشعة التي يرتكبها جنود الاحتلال. وشددت على أن الإرهاب الذي يتعرض له الفلسطينيون لا يتم التكتم عليه، بل يُسمح بنشره كي يبث الرعب في نفوس الفلسطينيين.
وسلطت فلوندرز الضوء على أساليب التعذيب الوحشية التي يستخدمها الاحتلال، بما في ذلك الاغتصاب والصدمات الكهربائية، لافتة أنه يستخدم ذلك لغرس الشعور بالعجز والسيطرة الكاملة. وعقدت مقارنة بين ممارسات السجون الإسرائيلية والأمريكية، حيث وصفت سجون الاحتلال بأنها أصبحت مثل “أبو غريب” بسبب وحشية ما يتعرض له الأسرى هناك، مشيرة أن عدد كبير من الحراس الإسرائيليين تلقوا تدريبات على يد الحراس الأمريكيين.
وقالت فلوندرز إن الوحشية التي يواجهها الأسرى الفلسطينيون هي جزء من استراتيجية أوسع لتشديد الرأي العام وتطبيع مثل هذه الجرائم. وانتقدت وسائل الإعلام الخاصة بالشركات الأمريكية لصمتها حول هذه القضايا بينما تروج لروايات كاذبة تعمل على تبرير التصرفات الإسرائيلية. واعترفت فلاوندرز بالإنسانية الهائلة والصمود الذي تتمتع به المقاومة الفلسطينية، التي امتنعت عن استخدام أساليب وحشية مماثلة على الرغم من الاستفزازات الشديدة والانتهاكات المستمرة ضد شعبهم.
وفي ختام حديثها، أشادت فلوندرز بالتضامن والدعم الذي يبديه الأسرى الفلسطينيون، مشيرة إلى أن مقاومتهم هي شكل من أشكال التحرر وشهادة على إنسانيتهم. ودعت إلى الاعتراف والدعم لجهود المقاومة الفلسطينية، وحثت المجتمع الدولي على الوقوف في وجه الاحتلال وداعميه. كما شددت فلوندرز على أن السبيل لمواجهة الفظائع التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون هو من خلال التضامن والدعم والمقاومة المستمرة، التي وصفتها بأنها ضرورية لتحقيق مستقبل حر وعادل.
ركز رائد جرار في كلمته على تورط الولايات المتحدة في الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ليست مجرد داعم سلبي، بل مشارك نشط في هذه الجرائم بسبب دعمها المالي والسياسي لإسرائيل. وتحدث جرار بالتفصيل عن المبالغ الكبيرة من المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل، والتي يستخدم الكثير منها لتمويل الوحدات ذاتها التي ترتكب انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين. وسلط الضوء على الطبيعة النقدية لهذه المساعدات، التي تدعم بشكل فعال العمليات العسكرية الإسرائيلية.
ولفت جرار الانتباه إلى القوانين الأمريكية التي تحظر تمويل الوحدات العسكرية الأجنبية المتورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لكنه أشار إلى أن هذه القوانين يتم تجاهلها بشكل روتيني عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. وأشار إلى لوائح محددة، مثل قانون ليهي، الذي يجب أن يمنع المساعدات الأمريكية للوحدات المتورطة في عمليات القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب وغيرها من الانتهاكات. وقال جرار إن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة والفظائع الموثقة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية يجب أن تؤدي إلى تفعيل هذه القوانين ووقف المزيد من التمويل الأمريكي لإسرائيل.
وشدد جرار في ختام حديثه على ضرورة التزام الولايات المتحدة بقوانينها ووقف المساعدات العسكرية لإسرائيل طالما استمرت في انتهاكاتها ضد الفلسطينيين. كما شدد على أن الولايات المتحدة متواطئة في تصرفات إسرائيل وأن محاسبة الحكومة الأمريكية أمر بالغ الأهمية لتحقيق العدالة. ودعا جرار إلى زيادة الدعوة والضغط على الحكومة الأمريكية لوقف تمويل الوحدات العسكرية الإسرائيلية المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان والقيام بدور أكثر نشاطا في دعم الحقوق الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.