عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة بعنوان “ضرورة وقف تسليح الاحتلال: بريطانيا نموذج، ولكن غير كاف” مساء الثلاثاء 10 سبتمبر/أيلول 2024 حول تعليق المملكة المتحدة الجزئي لتوريد الأسلحة إلى إسرائيل، وتأثير ذلك على الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.
وضمت الندوة مجموعة من المتحدثين المتميزين، هم: كيرستن بايز، مسؤولة الحملات في منظمة حملة مناهضة تجارة الأسلحة (CAAT)؛ والبروفيسور حاييم بريشيث، مؤرخ وصانع أفلام يهودي؛ وكريغ موراي، الدبلوماسي البريطاني السابق؛ وستيفانو أبوزو، العضو السابق في البرلمان الإيطالي.
بدأت كيرستن بايز كلمتها بالحديث عن تجارة الأسلحة بين الدولة الغربية وإسرائيل، مشيرة إلى أن صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل هي جزء من تجارة ضخمة تقدر بالمليارات، حيث تتلقى إسرائيل ما يقرب من 3.8 مليار دولار سنويًا من الولايات المتحدة وحدها كمساعدات عسكرية.
وأوضحت بايز أن معظم هذا المبلغ يستخدم لشراء أنظمة عسكرية أمريكية، وخاصة الطائرات العسكرية مثل F-35 وF-16. ، موضحة أن دور المملكة المتحدة في تسليح إسرائيل يتمركز حول توريد المكونات التي تساعد في بناء وصيانة هذه الطائرات المصنوعة في الولايات المتحدة، مما يجعل المملكة المتحدة لاعباً رئيسياً في قدرتها التشغيلية.
وأشارت بايز إلى أن 15٪ من مكونات طائرة F-35، وهي طائرة حربية تنتجها شركة لوكهيد مارتن، يتم بناؤها من قبل المملكة المتحدة. وفي ضوء ذلك، قالت بايز إن الحظر الجزئي الذي تفرضه المملكة المتحدة على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، والذي تضمن حجب 30 ترخيصًا من أصل 350 ترخيصًا، أمر مهم كبداية. وتابعت أن هذه الخطوة تشير إلى شكل من أشكال رفض حكومة المملكة المتحدة لما ترتكبه إسرائيل، حيث تعترف هذه الخطوة بخطر استخدام هذه الأسلحة في انتهاك للقانون الإنساني الدولي، وأوضحت بايز أن هذا الخطر حرفيًا يتمثل في: استخدام هذه الأسلحة لقصف المدارس والمستشفيات والمنازل ومراكز اللاجئين في غزة.
وبينما أقرت بأن الحظر كان خطوة في الاتجاه الصحيح، أعربت بايز عن قلقها من أن دور المملكة المتحدة في دعم طائرات F-35 لا يزال قائمًا، بالرغم من استخدام هذه الطائرات في قصف المناطق التي تدعي إسرائيل أنها آمنة، ما أسفر عن خسائر جماعية في صفوف المدنيين.
وأشارت بايز إلى أن استخدام قنابل بقيمة 2000 جنيه إسترليني بواسطة طائرات F-35 أدى إلى مقتل حوالي 90 شخصًا في إحدى المرات، ومع ذلك فإن مشاركة المملكة المتحدة في إنتاج هذه الطائرات لا تزال مستمرة.
وأكدت بايز أن موقف المملكة المتحدة الحالي من الحرب غير مقبول، نظرًا لأنها كانت قادرة على تعليق بعض صادرات الأسلحة، ولكنها تواصل توريد المكونات للطائرات التي تم استخدامها ضد المدنيين. وأعربت عن خيبة أملها لأن حكومة المملكة المتحدة لا تزال تسمح باستمرار استخدام هذه الأسلحة.
وفي سياق تاريخي أوسع، انتقدت بايز الرواية القائلة بأن الاحتلال الإسرائيلي والعنف ضد الفلسطينيين بدأ بهجمات السابع من أكتوبر، وهي الرواية التي تروج لها الحكومة الإسرائيلية، لافتة إلى عقود طويلة من القمع والاستبداد. وذكّرت بايز الحضور بأن صادرات الأسلحة الغربية تدعم منذ فترة طويلة احتلال الضفة الغربية ونظام الفصل العنصري، الذي حكمت ضده محكمة العدل الدولية، مضيفة أن المملكة المتحدة يجب أن تمنع جميع صادرات الأسلحة التي تدعم الاحتلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية امتثالاً للقانون الدولي.
واختتمت بايز هذا الجزء من مداخلتها بالاعتراف بأنه في حين كان قرار حظر الأسلحة خطوة إيجابية، إلا أنه محدودًا للغاية بحيث لا يحقق التأثير المطلوب، لافتة أن الحظر لا يغطي سوى نسبة صغيرة من الأسلحة البريطانية، وبالتالي، أعربت عن خيبة أملها لأنه جاء بعد عام من الخسائر الجماعية.
وعندما سُئلت عن المنطق وراء قرار حظر الأسلحة الجزئي الذي أصدرته الحكومة البريطانية، عزت بايز هذه الخطوة إلى الضغط العام من الحركة المؤيدة لفلسطين ومناصري حقوق الإنسان. وقد صاغت الحظر باعتباره استجابة بسيطة من جانب الحكومة ــ بما يكفي فقط للزعم بالامتثال للقانون الإنساني الدولي، ولكن ليس بما يكفي لوقف دور المملكة المتحدة في العنف بشكل هادف.
وفيما يتعلق بتوقيت الحظر، تكهنت بايز بأنه ربما كان متأثراً بالانتخابات البريطانية الأخيرة والقوة الانتخابية المتزايدة للمتضامنين مع القضية الفلسطينية. وأشارت إلى أن العديد من أعضاء البرلمان انتُخِبوا على أساس برنامج يركز على حقوق فلسطين، وربما يكون هذا الضغط قد أجبر الحكومة على التحرك. وبالإضافة إلى ذلك، أشارت بايز إلى أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي دعا في وقت سابق إلى نشر التوجيهات القانونية بشأن مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وربما ساهم هذا في قرار الحكومة.
ثم انتقلت بايز إلى مناقشة ما يمكن للمواطنين العاديين القيام به لمكافحة تجارة الأسلحة ودعم فلسطين، حيث شجعت شعوب الدول التي تصدر أسلحة لإسرائيل على الانخراط في إجراءات تتراوح بين مراسلة أعضاء البرلمان والمشاركة في العمل المباشر ضد شحنات الأسلحة.
كما أثارت بايز مسألة تعرض النشطاء المتضامنين مع فلسطين للقمع، حيث قالت إن الذين شاركوا في العمل المباشر تم اعتقالهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب، لكنها دافعت عن جهودهم باعتبارها ضرورية في مواجهة الإبادة الجماعية. وأكدت بايز على أهمية الاستمرار في الضغط على الحكومة وشركات الأسلحة، حتى لو لم يتمكن الأفراد من القيام إلا بأعمال صغيرة.
كما تحدثت بايز عن مقتل عمال الإغاثة البريطانيين في وقت سابق من عام 2024 خلال هجمات للقوات الإسرائيلية، وأشارت بايز إلى استخدام تكنولوجيا الطائرات بدون طيار المصنوعة في المملكة المتحدة في هذه الهجمات. في الوقت نفسه انتقدت حقيقة إثارة مقتل عمال الإغاثة البريطانيين اهتمامًا إعلاميًا كبيرًا، وفي المقابل لم يلق مقتل أكثر من 100 عامل إغاثة فلسطيني أي اهتمام دولي يُذكر. وأكدت بايز على الحاجة إلى تسليط الضوء على جميع الخسائر في الأرواح، الفلسطينية والغربية على حد سواء، وحثت الجمهور على تحويل تركيزهم إلى المأساة الأوسع نطاقًا التي تتكشف في غزة والضفة الغربية.
واختتمت حديثها بحث الناس على دعم كل الجهات والأشخاص الذين يتخذون إجراءات – سواء من خلال القضايا القانونية أو المظاهرات – ضد إسرائيل، ومواصلة رفع مستوى الوعي بدور تجارة الأسلحة في الإبادة الجماعية في غزة واستمرارها.
بدأ البروفيسور حاييم بريشيث، المؤرخ وصانع الأفلام اليهودي، بتوجيه انتقادات حادة لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، متهمًا إياه بدعم الإبادة الجماعية في غزة منذ البداية من خلال تأييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لافتًا أن “الدفاع” المزعوم عن النفس تضمن تدابير قمعية وغير إنسانية ضد الفلسطينيين مثل التجويع، وحرمان المدنيين من الأدوية والوقود، والقصف المستمر. وشدد على أن ستارمر دعم الإبادة الجماعية بشكل فعال، مما يجعله عرضة لاتهامات بالتواطؤ في هذه الفظائع.
ثم أشار بريشيث إلى اتفاقية الإبادة الجماعية، مؤكدًا أنها تجرم ليس فقط توريد الأسلحة، ولكن أي شكل من أشكال دعم الإبادة الجماعية، مشيرًا إلى أن ستارمر نفسه كان قد أدلى بتصريحات متعددة يؤيد فيها تصرفات إسرائيل، مما عزز تواطؤه في بالإبادة الجماعية.
واستطرد بريشيث قائلاً إنه في أعقاب قرار محكمة العدل الدولية في مايو/أيار، والذي استجاب لطلب الأمم المتحدة للحصول على رأي قانوني بشأن مدى قانونية الاحتلال الإسرائيلي، شعرت حكومة المملكة المتحدة بأنها مضطرة إلى اتخاذ الحد الأدنى من الإجراءات للنأي بنفسها عن دعم الإبادة الجماعية بشكل مباشر. وأكد بريشيث أن تعليق المملكة المتحدة الجزئي لصادرات الأسلحة هو أقل ما يمكنها فعله، ووصف هذه الخطوة بأنها لفتة رمزية لم توقف قدرة إسرائيل على ارتكاب الإبادة الجماعية، حيث قال: “إن هذه الخطوة الهدف الأساسي منها هو الاستعراض، وليس خطوة حقيقية لوقف توريد الأسلحة المهمة لإسرائيل. إنها رمزية، هدفها أن الحكومة الجديدة تقول: سنفعل ما لم تفعله الحكومة الأخرى”.
وبمقارنة تاريخية، ذكّر بريشيث الحضور بأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كانتا آخر دولتين تدعمان نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا حتى قبل انهياره بقليل، مضيفًا أنه يتوقع أن يحدث نفس الشيء مع إسرائيل. وأكد بريشيث أن تحرك المملكة المتحدة رمزيًا إلى حد كبير في وقت لا تزال فيه إسرائيل تواصل ارتكاب الإبادة الجماعية، وخاصة باستخدام القنابل الثقيلة، مثل تلك التي تطلقها طائرات F-35، والتي تسببت في سقوط ضحايا مدنيين بأعداد كبيرة. كما انتقد الروايات التي تروج بوجود “المناطق الآمنة” في غزة، مشيرًا إلى أن إسرائيل قصفت المناطق التي طُلب من الفلسطينيين اللجوء إليها، ولم تترك أي مكان آمن حقيقي في غزة، مضيفًا أن إسرائيل تُحارب المدنيين، المنازل، المساجد، المستشفيات، خيام اللاجئين، الجامعات، وكل مكان في غزة.
وسّع بريشيث نطاق المناقشة من خلال الإشارة إلى أن المملكة المتحدة ليست وحدها المتورطة في دعم إسرائيل، مؤكدًا أن الكتلة الغربية بأكملها متواطئة في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، لافتًا أنه من غير المسبوق أن تقوم دولة بارتكاب إبادة جماعية علنًا، مع تغطية إعلامية عالمية كاملة، بينما لا تزال تتمتع بدعم غربي. وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي اعترف هذا الأسبوع بالكذب بشأن جوانب معينة من الحرب، ومع ذلك يواصل الغرب ترديد الدعاية والأكاذيب الإسرائيلية. في حين أن الخطوة الرمزية للمملكة المتحدة قد تدفع دولاً أخرى إلى إعادة النظر في صادراتها من الأسلحة إلى إسرائيل، أعرب بريشيث عن تشككه في أن تفعل الولايات المتحدة ذلك، بالنظر إلى حق النقض الذي تتمتع به منذ فترة طويلة في الأمم المتحدة ودعمها الثابت لإسرائيل منذ عام 1948.
كما أعرب بريشيث عن إحباطه من التقدم البطيء للجهود الرامية إلى إصلاح الأمم المتحدة، وخاصة حق النقض الذي تتمتع به الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون. وأشار إلى أنه في حين تدفع دول مجموعة البريكس من أجل التغيير، فإن جهودها بطيئة للغاية، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات أكثر حسماً قريبًا، فقد لا يتبقى فلسطينيون لإنقاذهم في غزة.
كما انتقد العالم العربي لفشله في لعب دور أكثر إيجابية في وقف الإبادة الجماعية، وأشار بريشيث إلى أنه في حين تفاوضت بعض الحكومات على وقف إطلاق النار، فإن هذه الجهود غير فعالة إلى حد كبير بسبب دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وتلاعب نتنياهو بالوضع. في الوقت نفسه أكد أن الشعوب العربية، على عكس حكوماتها، تتوقع جهوداً أكثر نشاطاً لوقف الإبادة الجماعية، ودعا إلى مشاركة أكبر من جانب القادة العرب، على الرغم من الضغوط التي يواجهونها من الغرب.
ودعا البروفيسور بريشيث إلى إجراء تغييرات عميقة في الأمم المتحدة، بما في ذلك إزالة حق النقض وإعادة هيكلة المنظمة لجعلها أكثر فعالية في منع الإبادة الجماعية. ووصف الأمم المتحدة بأنها منظمة “عاجزة وغير فعّالة” وأكد أنه بدون الإصلاح، سيستمر القوى الغربية وإسرائيل في تقويض القانون الدولي.
وعندما سُئل عن أهمية القرار الأخير الذي اتخذته المملكة المتحدة بتعليق بعض صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، رفض بريشيث هذا القرار باعتباره رمزياً إلى حد كبير، ووصفه بأنه خطوة من جانب حكومة جديدة تحاول أن تبدو أكثر نشاطاً بعد سنوات من التقاعس في ظل الإدارة المحافظة السابقة. وعزا القرار إلى الضغوط من محكمة العدل الدولية وأشار إلى أن تعليق المملكة المتحدة لـ 8٪ من صادراتها من الأسلحة كان ضئيلاً، خاصة بالنظر إلى حجم واردات إسرائيل من الأسلحة، مؤكدًا أن التعليق الكامل لصادرات الأسلحة فقط من شأنه أن يشكل إجراءً ذا معنى، في الوقت ذاته انتقد المملكة المتحدة لاستخدامها هذه الخطوة المحدودة كدفاع ضد الاتهامات الموجهة لها بدعم الإبادة الجماعية.
ثم تحدث بريشيث عن إمكانية قيام دول أوروبية أخرى باتباع مثال المملكة المتحدة، وبينما رفض إمكانية تغيير الولايات المتحدة لسياساتها بسبب قوة جماعات الضغط الإسرائيلية وصناعة الأسلحة، أشار بريشيث إلى وجود حركات متنامية في دول مثل أيرلندا وإسبانيا وحتى فرنسا لإعادة النظر في صادراتها من الأسلحة إلى إسرائيل. وذكر إيطاليا كمرشح محتمل آخر للتغيير إذا انضمت دول أخرى إلى المملكة المتحدة في وقف تام لمبيعات الأسلحة، رغم أنه أعرب عن شكوكه في أن تحذو ألمانيا حذوها بسبب دورها كمورد رئيسي للأسلحة لإسرائيل.
وبينما تحول التركيز إلى العالم العربي، أشار بريشيث إلى ثورات الربيع العربي عام 2011 والتي لم تكلل بالنجاح، والتي أظهرت رغبة الشعوب العربية في الديمقراطية والعدالة، بما في ذلك دعم فلسطين. وزعم أنه في حين لا يزال الشعب العربي يرغب في الإصلاحات الديمقراطية والعدالة للفلسطينيين، فإن الأنظمة في دول مثل مصر والأردن والخليج أسكتت المعارضة، مما جعلها غير فعالة في النضال ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والإبادة الجماعية المرتكبة ضد أهالي غزة. وفي هذا السياق دعا بريشيث إلى جهود متجددة من جانب الشعوب العربية للضغط على حكوماتها لاتخاذ إجراءات أقوى.
ثم أكد بريشيث على أهمية النقابات والجمعيات في هذه المعركة، وخاصة داخل المملكة المتحدة، حيث تتبنى النقابات الكبيرة مثل Unite مواقف تقدمية ضد الصهيونية، ولكنها فشلت في التحرك بسبب المقاومة من قياداتها. وشجع النشطاء على الضغط على نقاباتهم لاتخاذ خطوات ملموسة لدعم فلسطين، كما فعلت النقابات في فلسطين من خلال دفع السلطة الفلسطينية لإعطاء الأولوية للأمن الفلسطيني على المصالح الإسرائيلية.
كما انتقد أوروبا والولايات المتحدة لتقديمهما دعمًا ماليًا غير متناسب للأبحاث الإسرائيلية، والتي قال إنها عسكرية في المقام الأول. ووصف بريشيث هذا بأنه شكل من أشكال الدعم العسكري غير المباشر لإسرائيل، داعيًا إلى إنهاء التمويل الأوروبي للأبحاث العسكرية الإسرائيلية.
كما تناول بريشيث دور وسائل الإعلام الغربية في إدامة الدعاية الإسرائيلية، وانتقد منصات إعلامية مثل هيئة الإذاعة البريطانية BBC لتغطيتها المتحيزة لإسرائيل في هذه الحرب. وحث النشطاء على تحدي صمت وسائل الإعلام بشأن الإبادة الجماعية في غزة والمطالبة بتقارير دقيقة وذات مصداقية. واستشهد بدراسة نشرت في مجلة لانسيت تحدثت عن أن عدد القتلى الحقيقي في غزة أعلى بكثير من الأرقام المعلنة، مضيفًا أنه شخصيًا يعتقد أن العدد الحقيقي أعلى بعشر مرات من الأرقام الرسمية، وربما يصل إلى 560 ألف شخص، كما سلط بريشيث الضوء على حجم القنابل التي ألقيت على غزة، والتي قال إنها ضعف ما ألقاه النازيون على بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية.
واختتم بريشيث كلمته بالدعوة إلى مقاطعة أكاديمية كاملة لإسرائيل، مشيرًا إلى أن كل جامعة في غزة دمرت، إلى جانب مقتل 150 أستاذًا، مؤكدًا أن هجوم إسرائيل على التعليم الفلسطيني هو جزء من حملتها الإبادة الجماعية الأوسع نطاقًا، كما حث الأكاديميين في جميع أنحاء العالم على قطع جميع العلاقات مع المؤسسات الإسرائيلية.
بدأ كريغ موراي، الدبلوماسي البريطاني السابق، كلمته بوصف تعليق الحكومة البريطانية لصادرات الأسلحة إلى إسرائيل مؤخراً بأنه “خطوة دفاعية”، موضحًا أن وزراء الحكومة كانوا مهتمين في المقام الأول بحماية مواقفهم القانونية، بعد أن تلقوا نصيحة داخلية من المستشارين القانونيين داخل وزارة الخارجية والتنمية، حيث حذر هؤلاء المستشارون من أن الاستمرار في منح تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، نظراً لاحتمال استخدامها في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، سيكون غير قانوني، ويعرضهم لمساءلة قانونية فيما بعد.
وأكد موراي أن الأدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الإنساني الدولي واضحة للجميع، مضيفًا إلى أن تعليق المملكة المتحدة لبعض صادرات الأسلحة لن يوقف الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. ووفقاً لموراي، فإن الإبادة الجماعية هي عملية طويلة الأمد امتدت لأكثر من 70 عاماً، والمرحلة الحالية لا تختلف عن الماضي باستثناء أن الجرائم تُرتكب بوتيرة متسارعة. وأعرب عن تشاؤمه من أن تعليق نسبة صغيرة من صادرات الأسلحة لن يكون له أي تأثير ملموس على وقف الفظائع الإسرائيلية.
ثم انتقل موراي إلى التركيز على محكمة العدل الدولية، مشيرًا إلى أنه في حين تعمل العملية القانونية في محكمة العدل الدولية ببطء، إلا أنها تؤثر في نهاية المطاف على الأنظمة القانونية في مختلف البلدان. وتوقع أنه في غضون عامين أو ثلاثة أعوام، ستصدر محكمة العدل الدولية حكمًا نهائيًا بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية. وسلط الضوء على أهمية هذا الحكم، مشيرًا إلى أن التواطؤ في الإبادة الجماعية ليس غير قانوني بموجب القانون الدولي فحسب، بل إنه أيضًا جريمة بموجب القانون المحلي للمملكة المتحدة. وأشار إلى قانون الإبادة الجماعية في المملكة المتحدة موجود ستينيات القرن العشرين، والذي تم استبداله لاحقًا بقانون المحكمة الجنائية الدولية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مؤكدًا أن التواطؤ في الإبادة الجماعية يعد جريمة جنائية في المملكة المتحدة.
وأكد موراي أنه بمجرد أن تحكم محكمة العدل الدولية بحدوث إبادة جماعية، فإن الوزراء البريطانيين الذين استمروا في توريد الأسلحة إلى إسرائيل -رغم المشورة القانونية التي أشار إليها سابقًا- قد يكونون معرضين لخطر الملاحقة القضائية بموجب قانون المملكة المتحدة. ووصف هذا بأنه “خطر شخصي” على الوزراء أنفسهم، مقارنًا ذلك بإفلاتهم النسبي من العقاب بموجب القانون الدولي. واستشهد موراي بديفيد كاميرون، وزير الخارجية المحافظ السابق، الذي تجاهل المشورة القانونية بشأن مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وحذر من أن كاميرون وغيره من الوزراء قد يواجهون عواقب قانونية بمجرد صدور حكم محكمة العدل الدولية.
وزعم موراي أن تعليق الحكومة الحالي للأسلحة كان محاولة من جانب الوزراء، وخاصة ديفيد لامي، لحماية أنفسهم من الخطر القانوني مع الحفاظ على دعمهم لإسرائيل، داعيًا الجميع بعدم الوقوف في هذا الفخ الذي وصفه أنه “تدبير رمزي لا معنى له”، والذي أثر على 8٪ فقط من صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل واستثنى بشكل ملحوظ طائرات F-35.
وأوضح موراي كذلك أن قرار الاستمرار في توريد مكونات طائرة F-35 كان مدفوعًا بالعلاقة العسكرية الصناعية الأوسع بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، مضيفًا أن الحكومة البريطانية تخشى أن يؤدي حظر توريد مكونات طائرة F-35 لإسرائيل إلى تعريض العقود العسكرية المستقبلية مع شركة لوكهيد مارتن والولايات المتحدة للخطر. كما تكهن موراي بأن التأكيدات التي قدمت خلف الكواليس لواشنطن على الأرجح بأن تعليق الأسلحة كان رمزيًا بحتًا ولن يكون له أي تأثير حقيقي في العالم الحقيقي.
وردًا على سؤال بشأن الآثار القانونية المحلية لتعليق الأسلحة، كرر موراي اعتقاده بأن وزراء المملكة المتحدة كانوا يحاولون حماية أنفسهم من الملاحقة القضائية المحتملة بموجب القانون البريطاني. وأعرب عن ثقته في أن محكمة العدل الدولية ستحكم في النهاية بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، وبمجرد حدوث ذلك، لن تتناقض المحاكم البريطانية مع نتائج محكمة العدل الدولية. وأكد أن المستشارين القانونيين في المملكة المتحدة حذروا الحكومة بالفعل من عدم قانونية استمرار تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مما يجعل من الصعب على الوزراء ادعاء الجهل في المستقبل.
ثم انتقد موراي محاولة لامي وآخرين لتبرير صادرات الأسلحة من خلال التمييز بين الأسلحة “الدفاعية” و”الهجومية”. وزعم أنه لا يوجد أساس منطقي لاعتبار طائرة F-35 سلاحاً دفاعياً، وخاصة في ضوء استخدامها في غزة. وأشار إلى أن المناورات القانونية التي تقوم بها الحكومة كانت محاولة واضحة لخلق غطاء قانوني لحماية نفسها من المسؤولية الجنائية.
وبالإضافة إلى الجانب القانوني، تناول موراي السياق الدولي الأوسع لتداعيات هذا القرار، إذ حث النشطاء على استكشاف السبل القانونية داخل بلدانهم، وخاصة في أوروبا، حيث قد تكون الحكومات أكثر انفتاحاً على التحديات القانونية. وأشار إلى أنه في حين تواصل الولايات المتحدة توريد الأسلحة إلى البلدان التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك إسرائيل، فإن الدول الأوروبية قد تقدم المزيد من الفرص للنشطاء لتحدي صادرات الأسلحة من خلال الإجراءات القانونية.
كما دعا موراي إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية، خاصة من أجل تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة. وأوضح بأن هذا لن يحدث على الفور، لكنه أكد أن الضغط الجاد في الجمعية العامة للأمم المتحدة من شأنه أن يمهد الطريق لاتخاذ إجراءات مستقبلية، كما أكد على ضرورة أن تأخذ دول الجنوب العالمي هذه القضية على محمل الجد وتمارس الضغوط داخل منظومة الأمم المتحدة.
وفي معرض حديثه عن دور الدول العربية، انتقد موراي تعاملها مع الإبادة الجماعية، ووصفها بأنها “مخيبة للآمال للغاية”، وعزا ذلك إلى حقيقة مفادها أن العديد من الأنظمة العربية هي دول عميلة للولايات المتحدة، وتعتمد على أجهزة الأمن الأمريكية والإسرائيلية للحفاظ على السيطرة على شعوبها. كما ألقى باللوم على الاستغلال الغربي المتعمد للانقسامات الطائفية في العالم العربي، مما أدى إلى قيام بعض الدول العربية بتقديم الدعم العسكري لإسرائيل، كما أشار موراي إلى مثال إيران والحوثيين الذين هاجموا إسرائيل بالصواريخ، في حين أسقطت بعض الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية، تلك الصواريخ دفاعًا عن إسرائيل.
كما تحدث موراي عن مسيرته كدبلوماسي في مكتب جنوب إفريقيا في الثمانينيات، راسمًا مقارنة بين دعم المملكة المتحدة السابق لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ودعمها الحالي لإسرائيل. ووصف كيف قبلت المملكة المتحدة شرعية النظام القانوني والتقارير الداخلية لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، تمامًا كما تقبل الآن التحقيقات الداخلية الإسرائيلية في أفعالها العسكرية. وأكد موراي أنه حتى ينزع الغرب الشرعية عن إسرائيل كدولة فصل عنصري، فلن تكون هناك مساءلة عن أفعال إسرائيل.
واختتم موراي مداخلته بالإشارة إلى تواطؤ وسائل الإعلام الغربية في إدامة الدعاية الإسرائيلية، وخاصة هيئة الإذاعة البريطانية، التي انتقدها لتغطيتها المتحيزة. وشدد موراي على أن النشطاء يجب أن يستمروا في تحدي وسائل الإعلام ونزع الشرعية عن دولة الفصل العنصري في إسرائيل لإحداث تغيير حقيقي.
في بداية مداخلته، وصف ستيفانو أبوزو، النائب السابق عن حزب الخضر في البرلمان الإيطالي، قرار تعليق المملكة المتحدة لمبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، بأنه خبر جيد لكنه غير كاف، معربًا عن قلقه من أن هذه الخطوة قد تكون سطحية دون تأثير حقيقي، على غرار قرار إيطاليا نفسها بتعليق صادرات أسلحة لإسرائيل، موضحًا أن هذا القرار لم يوقف شحنات الأسلحة بالكامل، حيث استمرت الشحنات القديمة في مغادرة إيطاليا إلى إسرائيل.
كما سلط أبوزو الضوء على المسؤوليات التاريخية لإنجلترا في الشرق الأوسط، مذكرًا الجميع بإعلان بلفور عام 1917. وأوضح كيف سهلت المملكة المتحدة الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتخلت في النهاية عن انتدابها على فلسطين، مما سمح للمستوطنين الصهاينة بتأسيس ما سيصبح لاحقًا دولة إسرائيل. وأشار إلى أن هذه المسؤوليات ليست تاريخية فحسب، بل إنها معاصرة أيضًا، مشيرًا إلى أن المملكة المتحدة تواصل اتباع السياسة الخارجية الأمريكية في معظم القضايا، بما في ذلك إسرائيل.
أعرب أبوزو عن أمله في أن تكون حكومة حزب العمال الجديدة أقل ميلاً لدعم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة والضفة الغربية من خلال جهودها العسكرية والدبلوماسية، واصفًا الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري الذي تقدمه الدول الغربية لإسرائيل بأنه “عار” هذا القرن، مضيفًا أن هذه الدول تتعاطف مع إسرائيل لأنها ترى الإسرائيليين مثلهم، تماماً مثل تجاربهم الاستعمارية التاريخية. وذكر أن العديد من الإسرائيليين هم من الأوروبيين والأمريكيين والروس بشكل واضح، وليس لديهم أي صلة حقيقية بأرض فلسطين، باستثناء ادعاءات تاريخية مشكوك فيها بأنهم كانوا على هذه الأرض قبل 2000 أو 3000 عام.
وأكد أبوزو أن الدول الغربية تتضامن مع إسرائيل لأنها ترى نفسها في مستوطني إسرائيل، الذين يأتون من أمريكا وأوروبا وروسيا. ورسم مقارنة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مشيراً إلى أن كلا البلدين تأسس على الإبادة الجماعية: الولايات المتحدة تأسست على الإبادة الجماعية للأمريكيين الأصليين وإسرائيل على النكبة، وطرد الفلسطينيين. وذكر أبوزو أن سياسات إسرائيل لم تتغير أبداً، حيث لا تزال تستخدم سياسات التطهير العرقي والتفجيرات والإرهاب لطرد الفلسطينيين من ديارهم. وأشار إلى أن نفس التكتيكات تُستخدم اليوم في غزة والضفة الغربية، بتواطؤ -أو في أفضل الأحوال، صمت- من جانب المجتمع الدولي.
وانتقد أبوزو المجتمع الدولي بسبب معاييره المزدوجة، مشيرًا إلى أنه في حين يتم تطبيق القانون الدولي بشكل صارم على غزو روسيا لأوكرانيا، فإنه يتم تجاهله عندما يتعلق الأمر بأفعال إسرائيل في فلسطين. واستشهد بمثال شحنات الأسلحة إلى إسرائيل من إيطاليا وأوروبا والولايات المتحدة، بما في ذلك القنابل التي تُستخدم لقتل المدنيين الفلسطينيين. وأشار إلى مجلة لانسيت، التي تقدر عدد القتلى في غزة بنحو 180 ألفًا، وهو أعلى بكثير من 40 ألفًا التي أوردتها وسائل الإعلام الرئيسية. ووصف أبوزو الدمار في غزة بأنه أحد أسوأ عمليات الإبادة الجماعية في العصر الحديث منذ الهولوكوست والإبادة الجماعية للأرمن، خاصة وأن الغالبية العظمى من الضحايا من النساء والأطفال.
وواصل أبوزو انتقاد الولايات المتحدة لاستمرارها في دعم إسرائيل، مذكراً الحضور بأن جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية وأنظمة الطائرات بدون طيار الإسرائيلية تم تمويلها من قبل الولايات المتحدة. وأضاف بأن أي دولة تريد حقًا وقف الإبادة الجماعية ستتوقف عن بيع الأسلحة لإسرائيل.
في ذات السياق شجع الحضور على دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، والتي قال إنها لها تأثير اقتصادي ملموس على الشركات التي تدعم إسرائيل، وذكر أن شركات مثل ليبتون وماكدونالدز تخسر الملايين بسبب دعمها لإسرائيل، وذلك بفضل النجاح العالمي لحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
وفي الختام، أكد أبوزو على أهمية نشر الوعي حول حقيقة الوضع في غزة والضفة الغربية. وأشاد بالشباب الفلسطينيين والصحفيين الشجعان الذين يخاطرون بحياتهم لإظهار العالم ما يحدث، مشيرًا إلى أن أكثر من 150 صحفيًا قُتلوا بالفعل على يد إسرائيل في الضفة الغربية وغزة. واختتم كلمته بتوجيه الشكر للجمهور وتكرار الحاجة إلى الاستمرار في نشر الحقيقة حول الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.