تواجه غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، بلغت ذروتها مع تحذيرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من مستويات الجوع الحرجة التي دفعت السكان للبحث عن الطعام في النفايات.
ويأتي هذا التحذير في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي أوقعت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وأدت إلى دمار واسع النطاق طال البنية التحتية والمنازل، مما جعل البقاء في القطاع شبه مستحيل.
حصار وتجويع ممنهجان
يعيش سكان القطاع، البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، تحت حصار إسرائيلي خانق منذ أكثر من 16 عامًا، تفاقم مع الحرب الأخيرة المتواصلة من نحو 14 شهراً.
وتزامناً مع بدء الحرب؛ أغلق الاحتلال كافة المعابر التجارية والإنسانية تقريبًا، مما منع إدخال المواد الغذائية والإمدادات الطبية والوقود، ما أدى إلى نفاد المخزون الغذائي في المتاجر والمستودعات، وارتفاع كبير في معدلات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال.
ووفقًا لتقارير أممية ودولية؛ يعاني أكثر من 80% من سكان غزة من انعدام الأمن الغذائي، بينما أصبح الوصول إلى الحد الأدنى من احتياجات الحياة اليومية حلمًا بعيد المنال.
وتؤكد “أونروا” أن شح المواد الغذائية أدى إلى انتشار المجاعة بين الأطفال وكبار السن، حيث توفي العشرات بسبب سوء التغذية الحاد.
وفي ظل تدمير القطاع الزراعي بفعل القصف الإسرائيلي ومنع وصول الإمدادات؛ باتت العائلات تعتمد على الحد الأدنى مما يمكن الحصول عليه من مساعدات إنسانية، التي لا تصل إلا بشكل محدود وبطيء.
وفي السياق ذاته؛ أدى القصف إلى تدمير شبكات المياه والصرف الصحي، مما جعل أكثر من 90% من سكان القطاع يعتمدون على مياه غير صالحة للشرب، ما زاد من انتشار الأمراض وسوء التغذية.
وأدى نقص الغذاء الحاد إلى تفاقم سوء التغذية، حيث يعاني الآلاف، خاصة الأطفال، من نقص في الفيتامينات والمعادن الأساسية، مما يعرضهم لخطر الإصابة بأمراض مزمنة.
وأشارت تقارير طبية إلى ارتفاع معدل الوفيات بين الأطفال بسبب الجوع والأمراض المرتبطة به، مثل الإسهال وأمراض الجهاز الهضمي، إلى مستويات غير مسبوقة.
تخاذل المجتمع الدولي
ورغم حجم الكارثة الإنسانية في غزة؛ بقي موقف المجتمع الدولي متسمًا بالتردد والعجز. وأصدرت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بيانات تحذر من كارثة غير مسبوقة، وناشدت لفتح ممرات آمنة وإدخال المساعدات، لكن جهودها باءت بالفشل أمام تعنت الاحتلال الإسرائيلي.
أما مجلس الأمن الدولي، الذي كان يمكن أن يشكل إطارًا لحل الأزمة؛ فقد أظهر عجزه مرة أخرى بسبب استخدام بعض الدول الكبرى لحق النقض (الفيتو) لدعم الاحتلال الإسرائيلي، ما حال دون إصدار قرارات ملزمة.
وعلى الصعيد الدولي؛ كانت هناك دعوات محدودة لوقف إطلاق النار، لكنها افتقرت إلى آليات تنفيذ فعالة، مما ترك المدنيين في غزة يعانون دون حماية أو إغاثة تذكر.
وبدت ازدواجية المعايير الدولية واضحة تماماً، إذ تتعامل القوى الكبرى مع الأزمة بمنطق المصالح السياسية، بدلًا من الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، ما زاد من تفاقم الأوضاع.
إن الجوع والمجاعة في غزة هما نتيجة مباشرة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، التي تتعارض مع قواعد القانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقيات جنيف التي تحظر تجويع المدنيين كوسيلة حرب، ما يحتم على المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، التحرك الفوري لإنهاء الحصار، ووقف الحرب، وفتح تحقيق دولي في الجرائم التي يرتكبها الاحتلال.