تعد جرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري من أخطر الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، حيث تصنّف اتفاقية جنيف لعام 1949، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية وحرمان السكان من الغذاء والماء كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وفي هذا السياق، تشهد غزة كارثة إنسانية مروعة إثر حرب إبادة إسرائيلية استمرت 16 شهراً، مخلفة دماراً شاملاً وأوضاعاً معيشية كارثية، في ظل صمت دولي وعجز المنظمات الأممية عن تقديم استجابة فعالة.
ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، بدأ آلاف الفلسطينيين النازحين بالعودة إلى شمال قطاع غزة، رغم الدمار الهائل وانعدام الخدمات الأساسية، وفقاً لما أكده برنامج الأغذية العالمي.
وأشار البرنامج إلى أن الاحتياجات الإنسانية “هائلة”، مؤكداً ضرورة استجابة أممية شاملة لتخفيف الكارثة التي تعاني منها غزة.
وأظهرت مقاطع مصوّرة توافد النازحين على طول شارع الرشيد، مشياً على الأقدام، وسط ركام المنازل المدمرة، حيث يُمنع تنقلهم بالمركبات إلا عبر نقاط تفتيش تديرها قوات مشتركة مصرية قطرية.
وبحسب إحصائيات رسمية؛ تسببت الحرب الإسرائيلية في مقتل أكثر من 61,709 فلسطينيين، بينهم 17,881 طفلاً و214 رضيعاً وُلدوا خلال العدوان ولم يصمدوا أمام تداعياته المدمرة. كما أدى العدوان إلى تيتيم أكثر من 38 ألف طفل، في واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في العصر الحديث.
واستخدم الاحتلال سياسة ممنهجة لاستهداف الطواقم المدنية، حيث قُتل 1,155 من الكوادر الطبية، و205 صحفيين، إضافة إلى 194 من فرق الدفاع المدني الذين كانوا يحاولون إنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض.
وإلى جانب الإبادة الجماعية؛ نفذ الاحتلال عمليات اعتقال جماعية بحق أكثر من 6,000 فلسطيني، تعرض العشرات منهم للتعذيب حتى الموت داخل السجون.
كما أدت الغارات والقصف العشوائي إلى نزوح أكثر من مليوني فلسطيني، بعضهم اضطر إلى تغيير أماكن لجوئه أكثر من 25 مرة، وسط انعدام أدنى مقومات الحياة.
ومع كل هذه الجرائم الموثقة؛ يواجه المجتمع الدولي اختباراً أخلاقياً في التعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة. فقد أخفقت المؤسسات الأممية حتى الآن في اتخاذ إجراءات حاسمة لمحاسبة الاحتلال، بينما تواصل واشنطن تقديم الدعم العسكري والسياسي لها، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني ويكرس إفلات الاحتلال من العقاب.
ومع استمرار الجهود لإغاثة النازحين العائدين، تبقى غزة جرحاً نازفاً في الضمير الإنساني، في انتظار تحرك دولي جاد لوضع حد لهذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها وفق القانون الدولي.