عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة مساء الخميس 6 مارس/آذار 2025، لمناقشة قطع إسرائيل المساعدات الإنسانية عن غزة وخرق وقف إطلاق النار وسعي نتنياهو لاستئناف حرب الإبادة. ركزت الندوة على سياسات التجويع المتعمدة التي تنتهجها إسرائيل، وعدوانها المستمر على الفلسطينيين. كما ناقش المتحدثون إخفاق الحكومات الغربية والنظام القانوني الدولي في لجم جرائم الاحتلال، والحاجة الملحة إلى تحرك عالمي لمحاسبة إسرائيل.
شارك في الندوة مجموعة من الخبراء والنشطاء الدوليين، وهم: ميكو بيليد – رئيس دار الحرية الفلسطيني في العاصمة واشنطن، وجيف هالبر – رئيس اللجنة الإسرائيلية ضد هدم المنازل (ICAHD)، والبروفيسور حاييم بريشيث – أستاذ دراسات الأفلام في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، وأليشيا كوتسوليريس – مديرة الاتصالات في منظمة “شركاء من أجل فلسطين”، وبوكر نجيسا أومولي – ناشط سياسي كيني، والدكتور إيبو ماندازا – أكاديمي زيمبابوي ومؤلف وعضو المجلس الاستشاري في معهد أبحاث السياسات.
بدأ ميكو بيليد كلمته مؤكدًا أن انتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار كان متوقعًا تمامًا وليس مفاجئًا، لافتًا أنها كانت تخطط منذ البداية لخرقه، مضيفًًا أنه لدى إسرائيل تاريخ طويل في انتهاك الاتفاقيات منذ نشأتها، مما يجعل أفعالها غير مفاجئة. وأشار إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المعين حديثًا أوضح أن الإبادة الجماعية لم تنته وأن مهمة قتل الفلسطينيين في غزة لا تزال مستمرة. ووفقًا لبيليد، فإن نية قيادة إسرائيل كانت واضحة تمامًا بشأن مواصلة عدوانها، مؤكدة أن عمليات قتل الفلسطينيين لم ولن تتوقف.
وأوضح بيليد أن إسرائيل وافقت على اتفاق وقف إطلاق النار بصورة مؤقتة فقط لأنها كانت بحاجة إلى الموازنة بين تأمين إطلاق سراح بعض رهائنها والاستجابة لمطالب تحالفها الحكومي الذي يدعم إلى حد كبير استمرار قتل الفلسطينيين.
وأكد بيليد أن المذابح المستمرة للفلسطينيين يمكن وقفها بسهولة، ومع ذلك استمرت لأن المجتمع الدولي يرفض التدخل. كما أدان بيليد التقاعس العالمي، مؤكداً أن العالم لم يهتم قط بوقف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل في فلسطين، والذي استمر لما يقرب من قرن من الزمان.
وفي تعليقه على الجهود الدولية لتقديم المساعدات، رفض بيليد هذه الجهود باعتبارها مصممة لخدمة المصالح الإسرائيلية بدلاً من مساعدة الفلسطينيين بصدق. مشددا على أن الحل الحقيقي سيكون تفكيك “معسكر الاعتقال” في قطاع غزة، ومنح الفلسطينيين حرية الحركة، وضمان وصولهم إلى الموارد الوفيرة خارج القطاع مباشرة. كما ندد بتواطؤ المجتمع الدولي في الحفاظ على الحصار من خلال السماح لإسرائيل بإملاء شروط الإغاثة، قائلاً إنه طالما يقبل العالم سيطرة إسرائيل على حياة الفلسطينيين، فإن الإبادة الجماعية ستستمر.
وأكد بيليد أن الطريقة الوحيدة لوقف الفظائع التي ترتكبها إسرائيل هي من خلال العقوبات الدولية الشديدة، بما في ذلك حظر الأسلحة الكامل، والمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية، والحظر المطلق على مشاركة إسرائيل في الأحداث الرياضية والأكاديمية والثقافية. وأضاف بأن التاريخ أثبت أن التفاوض مع مرتكب الإبادة الجماعية أمر غير مجدٍ، مشبهًا الوضع بمحاولة التفاوض مع هتلر بينما كانت المحرقة مستمرة، مُشددًا على أن دولة الفصل العنصري في إسرائيل هي السبب الجذري للمعاناة ويجب تفكيكها لإنهاء الإبادة الجماعية.
وفي معرض حديثه عن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها دونالد ترامب، رفض بيليد هذه التصريحات باعتبارها مسرحيات لا معنى لها ولا تعمل إلا على تعزيز موافقة الحكومة الأمريكية منذ فترة طويلة على تصرفات إسرائيل. وذكر أن إسرائيل لم تكن بحاجة أبدًا إلى ضوء أخضر من ترامب، حيث أقرت الولايات المتحدة بالفعل الإبادة الجماعية. وأشار إلى أنه إذا كان هناك اهتمام حقيقي بتأمين إطلاق سراح الرهائن، فكان بإمكان إسرائيل أن تفعل ذلك منذ فترة طويلة من خلال تحرير الآلاف من السجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم في ظروف وحشية. وتابع أن الضغط يُمارس دائمًا على الفلسطينيين وليس على مرتكبي الجرائم الفعليين – إسرائيل نفسها. واختتم بيليد حديثه مؤكدا أن إسرائيل لا تريد إطلاق سراح رهائنها، حيث إن استمرار أسرهم يخدم أجندتها الأوسع في تبرير جرائم الحرب المستمرة.
وفي كلمته، بدأ جيف هالبر بالبناء على النقاط التي أثارها ميكو بيليد، مؤكداً أن الأحداث الجارية في غزة لا يمكن النظر إليها بمعزل عن غيرها. وأكد أن الحصار وقضية الرهائن والإبادة الجماعية المستمرة يجب أن تُفهم ضمن الإطار الأوسع للاستعمار الاستيطاني الصهيوني. وأكد هالبر أن الاستعمار الاستيطاني ليس مجرد شعار أو اتهام، بل هو نظام موثق جيداً يتبع بنية ومنطق واضحين، كما رأينا في حالات تاريخية مختلفة مثل الولايات المتحدة، وكندا، وجنوب إفريقيا، والجزائر. وأوضح أن إسرائيل حققت بالفعل السيطرة الكاملة على كل فلسطين التاريخية، من النهر إلى البحر، وهي تتحرك الآن نحو المرحلة النهائية من مشروعها الاستعماري الاستيطاني: التطبيع.
وحدد هالبر ثلاث مراحل متشابكة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني، الأولى كانت تهجير السكان الفلسطينيين، والذي استمر منذ عام 1948 ويستمر إلى اليوم بسرقة الأراضي في الضفة الغربية. والثانية كانت قمع المقاومة الفلسطينية من خلال المجازر والسيطرة العسكرية، لافتًا أن هذه هي المرحلة التي تسعى إليها إسرائيل بقوة الآن، كما يتضح من حربها على غزة ودفعها لمزيد من قمع الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما أشار إلى تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لدونالد ترامب، والتي زعم فيها أنه طالب بتهدئة الأوضاع في فلسطين قبل الانضمام الكامل إلى اتفاقيات إبراهيم. وأوضح هالبر أن حملة التطبيع هذه هي على وجه التحديد سبب استمرار إسرائيل في عدوانها على غزة والضفة الغربية.
أما المرحلة الثالثة فهي التطبيع، حيث يتم إضفاء الشرعية على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي عالميًا، ومحو فلسطين من الأجندة السياسية. ويتحقق ذلك من خلال التطبيع الدبلوماسي مع الدول العربية، وإعادة تسمية الأراضي الفلسطينية بأسماء عبرية، ودمج المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي في النظام الدولي كواقع لا رجعة فيه.
وفي تعليقه على الحملة العسكرية الإسرائيلية، أبرز هالبر أن التهجير القسري والإبادة الجماعية في غزة لم تكن أفعالاً عشوائية، بل متأصلة في منطق الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. وأشار إلى أن خطة نتنياهو للقضاء التام على الوجود الفلسطيني في غزة قد رددها ترامب الآن، لكن هذه الفكرة كانت دائمًا جزءًا من استراتيجية إسرائيل طويلة المدى. وأوضح أن 85% من الفلسطينيين قبل النكبة، والذين كانوا يعيشون فيما أصبح إسرائيل الآن، نزحوا قسراً في عام 1948، واليوم تعمل إسرائيل نحو هدف مماثل ــ إما من خلال الإبادة الجماعية الصريحة أو حصر الفلسطينيين في جيوب معزولة أو كما أشار إليها “بانتوستان” تحت نظام الفصل العنصري.
ثم تحول هالبر إلى الديناميكيات الجيوسياسية الأوسع نطاقاً، مؤكدًا أن ما يسمى بالمجتمع الدولي ليس لديه مصلحة في ردع إسرائيل. وأشار إلى أنه في حين يأمل الكثيرون في الحصول على الدعم من دول البريكس، فإن هذه الدول اصطفت مع إسرائيل بدلاً من مواجهة الهيمنة الأميركية الإسرائيلية. واستشهد بالعلاقات الاقتصادية العميقة بين الصين وإسرائيل، بما في ذلك دورها في بناء البنية الأساسية الرئيسية مثل ميناء حيفا ومترو تل أبيب. كما سلط الضوء على الانحياز الأيديولوجي للهند مع الصهيونية تحت قيادة مودي. بالإضافة إلى ذلك، حذر من أن دخول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر مؤخراً إلى البريكس يشير إلى أن الأنظمة العربية تعمل على ترسيخ نفسها في تحالفات مؤيدة لإسرائيل بدلاً من الوقوف إلى جانب فلسطين.
كما شدد جيف هالبر على دور الدول العربية ومسؤوليتها في الإبادة الجماعية المستمرة، وذكر أن تصرفات الولايات المتحدة وإسرائيل كانت متوقعة وأن ترامب ونتنياهو والقوى الغربية كانوا يفعلون -في هذه الحرب- ببساطة ما فعلوه دائمًا. ومع ذلك، فإن الفشل الحقيقي يقع على عاتق الحكومات العربية، وخاصة تلك التي تطبع العلاقات مع إسرائيل، مؤكدًا أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر ودول عربية أخرى لعبت دورًا حاسمًا في تمكين الفصل العنصري والإبادة الجماعية لإسرائيل من خلال التوافق مع الأجندة الأمريكية الإسرائيلية بدلاً من مقاومتها.
وأكد هالبر أن التطبيع السعودي شبه الكامل مع إسرائيل من شأنه أن يختم مصير فلسطين، مما يجعل مقاومة هذا الاستعمار الاستيطاني أكثر صعوبة. ودعا إلى الضغط على الحكومات العربية لوقف التعاون مع إسرائيل، لأن هذا هو المكان الذي يجب أن يركز فيه النشطاء والمجتمع العالمي جهودهم بدلاً من توقع التغيير من إسرائيل أو الولايات المتحدة، التي وصفها بأنها محصنة ضد الضغوط.
واختتم هالبر كلمته بالإشارة إلى حملة يعمل معها، وهي حملة الدولة الديمقراطية الواحدة لإطلاق حركة عالمية ضد التطبيع مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، محذرًا من أنه إذا فشل العالم في تحدي عملية التطبيع، فإن إسرائيل ستكون قد حققت هدفها النهائي: الإخفاء الكامل للنضال الفلسطيني.
بدأ البروفيسور حاييم بريشيث مداخلته بالتعليق على تصريحات دونالد ترامب الأخيرة، مؤكدًا أن ترامب شخص “يصعب التنبؤ بما يفعله” في إشارة إلى عدم منطقية تصريحاته وقراراته. ومع ذلك، أكد أن الخطر الحقيقي لقرارات وتصريحات ترامب لا يكمن فقط في طبيعتها غير المنتظمة، ولكن في حقيقة أنها تقوض القانون الدولي. وأكد أنه في حين أن القانون الدولي لم يكن قويًا بما يكفي، إلا أنه الآن في حالة انهيار كامل. وذكر أن القرارات التي اتخذتها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لا معنى لها فعليًا، حيث لا تنوي إسرائيل الامتثال لأي أحكام صادرة عن هذه الهيئات.
وأكد البروفيسور بريشيث أن القانون الدولي لا يكون فعالًا إلا عندما يتم فرضه من خلال العقوبات، ومع ذلك لم تواجه إسرائيل أي عقوبات على الرغم من انتهاك القانون الدولي كل عام منذ إنشائها في عام 1948. وأشار إلى أن هذا يجعل إسرائيل فريدة من نوعها بين الدول، حيث لم تنتهك أي دولة أخرى القانون الدولي باستمرار دون عواقب.
وفي مقارنة بين الوضع في فلسطين وأوكرانيا، سلط البروفيسور بريشيث الضوء على المعايير المزدوجة للغرب، مُشيرًا إلى أنه في غضون أسبوع من غزو روسيا لأوكرانيا، وُضعت روسيا تحت عقوبات قاسية. وعلى النقيض من ذلك، لم تواجه إسرائيل عقوبات قط، حتى في أعقاب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. وأضاف أنه تحت حكم ترامب – الرئيس الأمريكي الأكثر خطورة – وفي وجود نتنياهو، تتمتع إسرائيل الآن بقدر أعظم من الإفلات من العقاب، مما يجعل فرض العقوبات أقل احتمالية، مُحذرًا من أن نتنياهو، على عكس ترامب، سيفتح بالفعل “أبواب الجحيم” بمواصلة الحرب، بغض النظر عن الاحتجاج الدولي.
ثم تحدث البروفيسور بريشيث عن مبادرة “أعيدوا أهل غزة إلى ديارهم”، وهي منظمة يشارك فيها ويقودها فلسطينيون وإسرائيليون مناهضون للصهيونية. وأوضح أن هذه الحملة تستند إلى قرار الأمم المتحدة رقم 194 (الذي صدر عام 1949)، والذي يؤكد حق العودة الفلسطيني. وأشار إلى أن إسرائيل رفضت منذ عام 1948 السماح لأي من اللاجئين الفلسطينيين الـ 800 ألف الذين طردتهم من ديارهم بالعودة، وتستمر في حرمان أحفادهم -الذين يعيش عدد كبير منهم في غزة- من هذا الحق. وأوضح أن الحملة تسعى إلى إجبار إسرائيل على الامتثال لهذا القرار الأممي القديم. وأكد أنه يجب السماح للفلسطينيين من غزة بالعودة إلى ديارهم الأصلية، بدلاً من تهجيرهم قسراً إلى بلدان بعيدة تحت ستار “الحلول الإنسانية”.
وفي معرض تحديده للشروط اللازمة لإنهاء الإبادة الجماعية وضمان الحقوق الفلسطينية، ذكر البروفيسور بريشيث أن المتطلب الأول والأكثر إلحاحًا هو تشكيل قوة حماية للفلسطينيين. وأشار إلى أن مقرري الأمم المتحدة، بما في ذلك فرانسيسكا ألبانيز، دعوا بالفعل إلى قوة حماية دولية، لأنه من المستحيل على الفلسطينيين البقاء على قيد الحياة في ظل الهجوم الإسرائيلي الحالي دون مثل هذه الآلية. وأكد أن هذه القوة لا ينبغي أن تقودها الولايات المتحدة أو الدول الغربية، بل يجب أن تتكون من قوات عربية ودولية. وأشار إلى أن هذا يمكن تحقيقه من خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، متجاوزًا مجلس الأمن، حيث يوجد حق النقض الأمريكي الذي يحمي إسرائيل دائمًا.
ودعا البروفيسور بريشيث تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، على غرار طرد جنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974. وأكد أنه بما أن الفصل العنصري جريمة معترف بها بموجب القانون الدولي، فإن الإطار القانوني نفسه الذي انطبق على جنوب إفريقيا يجب أن ينطبق الآن على إسرائيل. وكشف أن منظمته تعمل بنشاط مع سياسيين من دول مثل النرويج وإسبانيا وأيرلندا وممثلي الاتحاد الأوروبي في بروكسل للدفع بهذا الإجراء في الأمم المتحدة. وشدد على أنه نظرًا للمعارضة الساحقة من جانب الجمعية العامة لأفعال إسرائيل، فإن مثل هذا القرار يمكن أن يمر إذا لم يتم منعه من خلال التدخل الأمريكي.
وبالحديث عن عملية إعادة إعمار غزة، انتقد البروفيسور بريشيث المبادرة التي تقودها الدول العربية لجمع الأموال لإعادة البناء وأصر على أن المسؤولين عن تدمير غزة – إسرائيل وداعميها الغربيين – يجب أن يتحملوا المسؤولية المالية. وزعم أن القانون الدولي يلزم مرتكبي جرائم الحرب بتعويض ضحاياهم، وهذا يعني أن عبء إعادة الإعمار لا ينبغي أن يقع على عاتق الفلسطينيين أو الدول المحايدة، بل على إسرائيل والولايات المتحدة والحكومات الأوروبية التي زودت إسرائيل بالأسلحة والدعم السياسي، باعتباره التزامًا قانونيًا بموجب القانون الدولي، وليس مجرد نداء أخلاقي.
واختتم البروفيسور بريشيث كلمته بتحذير صارخ: إذا فشل المجتمع الدولي في التحرك الآن، فسوف يفقد -إلى الأبد- كل مصداقيته عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي. ووصف الإبادة الجماعية في غزة بأنها فظائع مرئية عالميًا وموثقة إعلاميًا ويدعمها 97٪ من المجتمع الإسرائيلي، مما يجعلها واحدة من أكثر الحالات وضوحًا لدولة ترتكب فظائع جماعية بدعم شعبي. وحذر من أنه إذا سُمح لهذه الإبادة الجماعية بالاستمرار دون عواقب، فإن مفهوم القانون الدولي ذاته سيصبح بلا معنى. ودعا النشطاء والخبراء القانونيين والقادة السياسيين إلى الضغط من أجل اتخاذ إجراءات ملموسة – تشكيل قوات الحماية، وتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، والمساءلة المالية عن تدمير غزة – مشيرًا إلى أن الفشل في اتخاذ القرار من شأنه أن يرقى إلى التواطؤ في جرائم إسرائيل، واختتم حديثه قائلًا “هذا اختبار للإنسانية، آمل أن تجتازه الإنسانية”.
بدأت أليسيا كوتسوليريس بالتأكيد على أن أحداث السابع من أكتوبر لم تكن كما تدعي إسرائيل وداعميها “فعل” والسبب في كل هذا، بل كانت رد فعل لسنوات من القمع الإسرائيلي، مضيفة أن الحصار المفروض على غزة، والمستمر منذ قرابة 18 عامًا، والاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية لعقود من الزمن خلق الظروف التي أدت إلى السابع من أكتوبر. وأكدت أن المرء ليس بحاجة إلى أن يكون خبيرًا سياسيًا لفهم هذا الواقع أو التوصل لهذا الاستنتاج، مشيرة إلى أنه لو لم يخضع الفلسطينيون للحكم العسكري والعقاب الجماعي لعقود من الزمن، لما حدث السابع من أكتوبر. وأشارت إلى أن الأوامر العسكرية في الضفة الغربية المحتلة، والتي كانت سارية منذ عام 1967، من المفترض أن تكون مؤقتة، ولكنها أصبحت أداة دائمة للقمع، تحكم حتى الجوانب البسيطة من حياة الفلسطينيين، مثل المحاصيل التي يُسمح لهم بزراعتها.
كما أكدت أن المسلمين الفلسطينيين ليسوا فقط من يواجهون القمع الإسرائيلي، بل والمسيحيين الفلسطينيين أيضًا يتعرضون بنفس القدر لسياسات الفصل العنصري الإسرائيلية، مشيرة إلى أن العديد من المدن التي يتم ذكرها بشكل متكرر في التغطية الإخبارية الغربية – مثل القدس وبيت لحم والناصرة وأريحا – تشكل مركزًا للتاريخ المسيحي. ومع ذلك، يواجه المسيحيون الفلسطينيون الذين يعيشون هناك نفس الاحتلال العسكري والقيود والعنف الذي يواجهه الفلسطينيون المسلمون.
وفي تعليقها على الضحايا منذ السابع من أكتوبر، ذكرت أليسيا أن القصف الإسرائيلي يستهدف المدنيين بشكل ساحق، حيث تتعرض المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس ومخيمات اللاجئين للهجوم، مما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 70٪ من النساء والأطفال. واستشهدت بشهادات من الأطباء والممرضات الذين عملوا في غزة، ووصفوا كيف يتم جلب الأطفال وهم مصابون بجروح حرب خطيرة، مما يتناقض مع ادعاء إسرائيل بأنها تستهدف حماس فقط. وأدانت استمرار تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية إلى إسرائيل، مشددة على أنه حتى قبل السابع من أكتوبر، كانت إسرائيل تتلقى 3.8 مليار دولار سنويًا كمساعدات عسكرية لفرض حصارها واحتلالها. وأشارت إلى أنه بدلاً من محاسبة إسرائيل على أفعالها، ردت الحكومة الأمريكية بإرسال المزيد من الأسلحة.
ثم انتقلت أليسيا إلى التحول المتزايد في الرأي العام داخل الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن المواطنين العاديين يشعرون بغضب متزايد إزاء دور حكومتهم في تمكين الإبادة الجماعية. وأوضحت أنه بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد الناس مضطرين إلى الاعتماد على وسائل الإعلام الغربية المتحيزة – يمكنهم رؤية الإبادة الجماعية في الوقت الحقيقي. وقد أدى هذا إلى زيادة في النشاط، حيث يضغط المزيد من الأميركيين على المسؤولين المنتخبين لوقف دعم جرائم الحرب الإسرائيلية. وسلطت الضوء على عملها مع منظمات مختلفة في الولايات المتحدة، مع التركيز على تثقيف الجمهور وتعبئة الضغط الشعبي على الكونغرس. وأكدت أن الناس يجب أن يطالبوا المشرعين الأميركيين بالتوقف عن تزويد إسرائيل بشيك مفتوح للأسلحة ودعم التدابير التي تقطع المساعدات العسكرية وتحمل إسرائيل المسؤولية بموجب القانون الدولي.
واختتمت أليسيا بالتحذير من أن سياسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين كانت من قبل الحرب الحالية، مستشهدة بتقارير من منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة التي وثقت حرمان إسرائيل المنهجي للفلسطينيين من كل حقوقهم حتى قبل السابع من أكتوبر. وأشارت إلى أنه منذ عام 2012، حذرت الأمم المتحدة من أن غزة لن تكون صالحة للعيش بحلول عام 2020، لكن الوضع ازداد سوءًا. والآن، في عام 2025، ومع استمرار الإبادة الجماعية لأكثر من 16 شهرًا، فإن الظروف في غزة تتجاوز الكارثة. وأكدت أن الحصار الإسرائيلي يشتد الآن، ويقطع الغذاء والمياه والإمدادات الأساسية، مما يجعل التحرك الفوري أكثر إلحاحًا.
واختتمت كلمتها بدعوة المواطنين الغربيين إلى ممارسة الضغط المباشر على حكوماتهم، مشيرة إلى أنه إذا رفض المسؤولون المنتخبون اتخاذ موقف ضد الإبادة الجماعية، فيجب التصويت عليهم واستبدالهم بمن سيفعلون ذلك.
بدأ بوكر أومولي كلمته مؤكدًا على التضامن الثابت للحركة الكينية الفلسطينية ولجنة التضامن والحزب الشيوعي مع الشعب الفلسطيني. وأكد بحزم أنه لا توجد وسيلة لهزيمة الاستعمار الاستيطاني إلا من خلال المقاومة، وأكد أن سرقة الأراضي المستمرة في فلسطين، والعقوبات الجماعية التي يفرضها النظام الصهيوني، والقتل المستمر ضد أبناء الشعب الفلسطيني هي تكتيكات متعمدة لكسر الروح الفلسطينية، مُشددًا على أن الطريقة الوحيدة لتحييد الهيمنة الصهيونية هي من خلال المقاومة المستمرة بدلاً من المفاوضات، والتي لم تخدم سوى إضعاف المقاومة الفلسطينية وترسيخ السيطرة الإسرائيلية.
وانتقد أومولي اتفاقيات وقف إطلاق النار الإسرائيلية باعتبارها ليست أكثر من مناورات استراتيجية تهدف إلى خدمة المصالح الصهيونية بدلاً من جلب السلام. وأشار إلى المشاكل السياسية التي يواجهها نتنياهو في الداخل، مؤكداً أن التوقف المؤقت في حرب إسرائيل كان مجرد تكتيك لتخفيف الضغوط المحلية بشأن الرهائن مع السماح لإسرائيل بالتقدم بأهداف حربها تحت ستار وقف إطلاق النار. وأكد أن الإبادة الجماعية في غزة مستمرة، على الرغم من محاولات تأطير وقف إطلاق النار كخطوات نحو الحل.
وفي تعليقه على تصريحات دونالد ترامب، وصف أومولي ترامب بأنه “إنسان غريب” وسياساته منفصلة عن الواقع. وأشار إلى “صفقة القرن” الفاشلة لترامب، مضيفًا من أن ضغوط ترامب المتجددة للسيطرة على الفلسطينيين ستفشل أيضًا. وأكد أن ترامب، مثله كمثل الإمبرياليين الآخرين، يفشل في التعلم من التاريخ. مشيرا إلى محاولات هنري كيسنجر ذات مرة إقناع القادة الأفارقة بأن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لا يُهزم، لكن التاريخ أثبت عكس ذلك. وعلى نفس النحو، لا يمكن لأي قدر من التفوق العسكري أن يكسر شعبًا مصممًا على النضال من أجل سيادته وتقرير مصيره.
كما تناول أومولي التكتيكات الدعائية للاستعمار الاستيطاني، موضحًا أن القوى الاستعمارية تحاول دائمًا عكس الرواية من خلال تصوير الضحية كمعتدي ولص الأرض كمضطهد، ووصف ادعاء إسرائيل بالدفاع عن النفس بأنه مهزلة، مشيرًا إلى أن الكيان الصهيوني يتلاعب بروايات وسائل الإعلام لتبرير جرائم الحرب والمذابح والاستيلاء على الأراضي. ورفض بشدة وهم القانون الدولي، مُضيفًا بأنه طالما تهيمن الإمبريالية الأمريكية، فلا يوجد قانون دولي حقيقي – فقط هيمنة الولايات المتحدة. وأشار إلى استخدام واشنطن المتكرر لحق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع القرارات الداعمة لفلسطين، فضلاً عن تواطؤها في حماية مجرمي الحرب الإسرائيليين من المساءلة في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. وذكر أن الولايات المتحدة كانت فعالة في دعم نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وهي تلعب الآن نفس الدور في الدفاع عن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
وحذر أومولي من أن الاعتماد على المجتمع الدولي للتحرك سيكون بمثابة تسليم فلسطين للسيطرة الصهيونية. كما أكد أن الطريقة الأكثر فعالية للمضي قدمًا هي محاسبة الحكومات الداعمة للاحتلال وتوسيع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. (BDS) ودعا إلى فرض قيود اقتصادية وعسكرية على اقتصاد الحرب الإسرائيلي، مؤكدًا أنه طالما استمرت الولايات المتحدة في توجيه المساعدات العسكرية إلى إسرائيل، فإن الإبادة الجماعية ستستمر. وأعلن أومولي أن النضال من أجل تقرير المصير الفلسطيني هو في جوهره نضال ضد الإمبريالية الأمريكية، مضيفًا أنه يعتقد أن هزيمة الإمبريالية الأمريكية ستبدأ في غزة إذا توحدت القوى العالمية المناهضة للإمبريالية تضامنًا مع النضال الفلسطيني.
كما سلط أومولي الضوء على محاولات إسرائيل السابقة للتلاعب بأفريقيا من خلال تصوير النضال الفلسطيني على أنه صراع ديني. وأشار إلى أن إسرائيل سعت إلى تقسيم المسيحيين والمسلمين الأفارقة للحفاظ على السيطرة الصهيونية، لكن هذه الاستراتيجية فشلت منذ عام 2010. ووصف كيف يسير المسيحيون والمسلمون اليوم معًا عبر إفريقيا دفاعًا عن فلسطين، مما يمثل تحولًا في التضامن العالمي. وذكر أن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة لم تعطل أجندة التطبيع الإسرائيلية فحسب، بل عززت أيضًا الدعم الدولي لفلسطين ووحدته. واختتم بالتأكيد على أن ملايين الأشخاص في جميع أنحاء إفريقيا يقفون الآن في تضامن ثابت مع فلسطين، مؤكدًا بأن الفلسطينيين لن يُذلوا أبدًا مرة أخرى بالطريقة التي عانى بها الأفارقة في ظل الاستعمار الاستيطاني.
واُختتمت الندوة بكلمة الدكتور إيبو ماندازا الذي بدأ كلمته بالتعبير عن إدانته لاستمرار الحصار الإسرائيلي المستمر على غزة، ووصفه بأنه عمل متعمد لفرض المشقة والجوع والمعاناة على شعب لا حول له ولا قوة. وأدان ماندازا التجويع القسري المفروض على الفلسطينيين، مؤكدًا أن هذا يحدث أمام أعين العالم، ومع ذلك فإن أولئك الذين يدعمون إسرائيل لا يتحركون لوقف هذه الجريمة ضد الإنسانية. وانتقد بشكل خاص الولايات المتحدة لفشلها في ردع إسرائيل، مشيرًا إلى أنه من المروع أن تفشل واشنطن حتى في التعليق على هذا العمل الوحشي. وأبدى دهشته كذلك من أنه على الرغم من مستوى الدمار والمعاناة في غزة، فإن إسرائيل لا تحافظ على الحصار فحسب، بل تهدد أيضًا بغزو آخر، متسائلًا عما تبقى لتدميره بخلاف حياة البشر اليائسين الذين يكافحون من أجل البقاء.
ثم دعا الدكتور ماندازا إلى مستوى أعلى من التدخل الدولي، مؤكدًا أن القرارات والمناشدات لم تعد كافية. وحث الأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية الأخرى على التحرك بشكل عاجل وتوضيح أن استمرار إسرائيل في تصرفاتها في غزة يؤدي إلى تفاقم الوضع الكارثي بالفعل. ووصف العدوان الإسرائيلي المستمر بأنه “يزيد الطين بلة”، ويزيد من معاناة الفلسطينيين بدلاً من العمل نحو أي شكل من أشكال الحل. وأكد أن المجتمع الدولي يجب أن يتوقف عن إدانة إسرائيل بالكلام فقط واتخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبتها.
كما أشار د. ماندازا إلى دور المنظمات الدولية والهيئات الإقليمية، متسائلًا عما إذا كانت أي خطوات ملموسة قد اتخذت لتصعيد هذه المسألة في الأمم المتحدة وغيرها من المنصات العالمية. كما أشار إلى الاجتماع الأخير لجامعة الدول العربية في القاهرة، مقرًا توصياتها، لكنه تساءل عن افتقارها إلى استجابة فورية وقوية لأفعال إسرائيل الحالية. وأكد أن جامعة الدول العربية لها روابط مباشرة مع الإدارة الأمريكية ويجب أن تستخدم نفوذها للضغط على واشنطن لكبح جماح حكومة نتنياهو.
واختتم الدكتور ماندازا كلمته بانتقاد نهج دونالد ترامب تجاه غزة، ووصف اقتراحه بتحويل القطاع المدمر إلى مشروع عقاري بأنه فاحش ومنفصل عن الواقع. وأضاف أن ترامب يرى الحلول فقط من خلال عدسة مصالحه التجارية، متجاهلاً الكارثة الإنسانية التي تتكشف أمام أعين العالم. وكرر دعوته لجامعة الدول العربية وغيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية المؤثرة لاتخاذ إجراءات أقوى، وحثهم على ممارسة الضغط على الولايات المتحدة، بدورها، للضغط على نتنياهو وحكومته لوقف جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني. واختتم كلمته بمناشدة بذل جهود عاجلة ومنسقة لدفع هذه القضية إلى صدارة الأجندة الدولية، محذرًا من أن التقاعس لن يؤدي إلا إلى تمكين المزيد من الفظائع ضد الفلسطينيين في غزة.