في سياق التصعيد المستمر ضد النشطاء الفلسطينيين؛ أقدمت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية على اغتيال الشاب عبد الرحمن يعقوب أحمد أبو المنى، إثر إطلاقها الرصاص عليه بدم بارد مساء الاثنين.
وجاءت هذه الحادثة في وقت تشهد فيه الضفة الغربية عدوانًا عسكريًا إسرائيليًا متواصلًا، حيث تستهدف قوات الاحتلال مخيمات شمال الضفة، لا سيما جنين، التي تعيش تحت الحصار والقمع منذ أكثر من سبعة أسابيع.
ومع تصاعد استهداف الاحتلال للمقاومين الفلسطينيين؛ فإن تورط أجهزة الأمن الفلسطينية في ملاحقة المطلوبين وقتلهم يثير إشكالات قانونية وأخلاقية، تتعلق بتجاوزات خطيرة في استخدام القوة، وانتهاك الحق في الحياة، وتوظيف السلطة الأمنية في قمع المعارضين والمقاومين بدلًا من حماية المواطنين الفلسطينيين من الاحتلال.
ويُعد مقتل أبو المنى مثالًا جديدًا على نهج الاستخدام المفرط للقوة من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهو أمر طالما انتقدته المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.
إن إطلاق النار على الأفراد بدلًا من السعي إلى اعتقالهم ومحاكمتهم – إن ثبتت أي تهم ضدهم – يشكّل انتهاكًا صريحًا للمادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن “لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمان على شخصه”.
كما أن المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحظر تعسّف السلطات في حرمان الأفراد من حقهم في الحياة.
ولا تقتصر الإشكالية الحقوقية في هذه الحادثة على القتل المباشر، بل تمتد إلى غياب المساءلة والمحاسبة. ففي الوقت الذي يُفترض أن تكون الأجهزة الأمنية الفلسطينية مسؤولة أمام القانون، فإن حالات القتل المماثلة عادةً ما تمر دون تحقيق جدي أو إجراءات قضائية شفافة، مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب.
إن استمرار هذا النهج من شأنه أن يقوض ثقة المواطنين الفلسطينيين في المؤسسات الرسمية، ويدفع نحو مزيد من التوتر والاحتقان الداخلي.
ولا يمكن فصل هذه الحادثة عن سياق أوسع من الاعتقالات السياسية والانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد الناشطين والمقاومين في الضفة الغربية. فخلال السنوات الأخيرة، تم توثيق مئات الحالات من الاعتقال التعسفي والتعذيب داخل السجون الفلسطينية، وهي ممارسات تتعارض مع اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقّعتها فلسطين عام 2014.
ويأتي مقتل أبو المنى في ظل تصاعد الانتهاكات التي أدت إلى مقتل 10 فلسطينيين برصاص أجهزة الأمن الفلسطينية في جنين منذ بدء الحملة الأمنية الأخيرة، بينهم ثلاثة أطفال وصحافية، في إشارة إلى تصاعد خطير بوتيرة العنف الداخلي، تؤكد الحاجة إلى رقابة دولية مستقلة للتحقيق في هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها.
إن اغتيال أبو المنى على يد أجهزة السلطة الفلسطينية، يستدعي إجراء بتحقيق مستقل وشفاف في الحادثة، ووضع حد لاستخدام القوة المفرطة ضد المواطنين الفلسطينيين. كما يستدعي اتخاذ خطوات جادة لضمان احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك وقف الاعتقالات التعسفية والقتل خارج نطاق القانون، والعمل على تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة.