استأنفت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها واسع النطاق على قطاع غزة في الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء، بعد توقف استمر قرابة شهرين، في تصعيد عسكري ينذر بمضاعفة الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع منذ أكتوبر 2023 وأسفرت الغارات الجوية العنيفة حتى الآن عن مقتل وإصابة المئات بينهم أطفال رضع ونساء، وفق مصادر طبية محلية، في حين لا تزال فرق الإسعاف تواجه صعوبة في الوصول إلى الضحايا بسبب الدمار واسع النطاق واستهداف المركبات الطبية.
جاء استئناف الجرائم الإسرائيلية بعد فترة من الهدوء النسبي، لكن القطاع لم يكن قد التقط أنفاسه حيث استمر الحصار الخانق بعد من إبادة جماعية مستمرة طوال 15 شهرًا، أدت إلى مقتل عشرات الآلاف، أغلبهم من النساء والأطفال، إضافة إلى تدمير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات وشبكات المياه والكهرباء.
وأفادت مصادر طبية في غزة أن المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل تواجه نقصًا حادًا في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، مما يحول دون تقديم الرعاية الصحية المناسبة للجرحى. كما تعرضت منشآت طبية إضافية للقصف، ما يعمق الأزمة الصحية التي تعاني منها المدينة. وأكد مسؤول في الهلال الأحمر الفلسطيني أن الطواقم الطبية لا تستطيع التعامل مع الكم الهائل من الجرحى، وأن أعداد المصابين في ازدياد مستمر، في وقت تعاني فيه المستشفيات من نقص في الوقود اللازم لتشغيل المولدات.
المجاعة تتفاقم
في موازاة الحملة العسكرية، يواجه سكان غزة مجاعة متفاقمة، حيث تمنع سلطات الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 80% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما أصيب غالبية أطفال القطاع بحالات هزال شديد نتيجة الجوع وسوء التغذية.
وقالت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها إن الحصار الإسرائيلي المستمر يمنع وصول الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب إلى المناطق المنكوبة، مشيرة إلى أن بعض العائلات اضطرت للعيش على وجبة واحدة في اليوم، وسط انعدام أي بدائل غذائية متاحة.
إن المجتمع الدولي مدعو إلى التدخل العاجل لوقف المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين العزل، مؤكدة أن الصمت الدولي والتواطؤ السياسي لبعض القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية -التي هي شريك رئيسي في كل الجرائم التي تُمارس في قطاع غزة- هو ما شجع إسرائيل على التمادي في ارتكاب المزيد من الفظائع.
التحقيقات الجارية في المحكمة الجنائية الدولية يجب أن تتوسع لتشمل كافة الانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة، بما في ذلك سياسة العقاب الجماعي والتجويع، واستهداف البنية التحتية المدنية والمستشفيات.
إن تحول إسرائيل إلى دولة مارقة، لا تلتفت للقرارات الدولية وتدوس على قرارات الأمم المتحدة وتزدري المجتمع الدولي، لا بد أن يواجه بإجراءات حاسمة لعزل إسرائيل دوليًا، بدلًا من استمرار بعض الدول في مكافأتها بالتطبيع والتعاون الاقتصادي والعسكري.
لقد أصبح واضحًا أن إسرائيل لا تعير أي اهتمام للقانون الدولي، وتمارس سياسات الإبادة والتطهير العرقي دون خوف من العقاب، مستندة إلى الدعم غير المشروط من بعض القوى الكبرى، وإلى تواطؤ بعض الأنظمة العربية التي تواصل تعزيز علاقاتها بها رغم دماء الفلسطينيين التي لم تجف.
عزل إسرائيل دوليًا ليس مجرد مطلب أخلاقي، بل ضرورة قانونية وإنسانية، فكما تم فرض عقوبات صارمة على دول انتهكت القانون الدولي وارتكبت جرائم حرب، فإن استمرار إسرائيل في جرائمها يستوجب حظرها دبلوماسيًا واقتصاديًا، وإيقاف تصدير السلاح إليها، وفرض عقوبات حقيقية تمنعها من الاستمرار في سياساتها العدوانية.
أي دولة تستمر في التعامل مع إسرائيل في ظل هذه الجرائم تتحمل مسؤولية مباشرة، وستكون شريكة في إطالة أمد العدوان ومفاقمة الكارثة الإنسانية في فلسطين. فالمجتمع الدولي، إن أراد الحفاظ على ما تبقى من مصداقيته، عليه أن يتجاوز البيانات الفارغة إلى أفعال ملموسة، تبدأ بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، ودعم الجهود القضائية لمحاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب.