يجب تشكيل محكمة دولية خاصة لملاحقة الجناة
في الذكرى السنوية الأولى لمقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول لا زالت العدالة تراوح مكانها عاجزة عن معاقبة المتورطين في هذه الجريمة البشعة التي هزت ضمير الإنسانية.
في الأيام الأولى لاختفاء خاشقجي نتذكر كيف كانت النداءات تتوالى من أجل كشف مصيره والسلطات السعودية تصر أن جمال خرج من القنصلية بعد أن أتم معاملته وجاء هذا التأكيد على لسان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في لقاء صحفي مع صحيفة بلومبرغ بعد ثلاثة ايّام من اختفائه.
وإمعانا في الإنكار استدعى القنصل السعودي وكالة رويترز من أجل التصوير داخل القنصلية والكل يذكر مشهد القنصل المرتبك الذي كان يقود الكاميرا على غير هدى ويفتح الخزائن والأدراج ليثبت أن خاشقجي خرج من القنصلية.
عشرون يوما من العذاب النفسي لعائلته وخطيبته وأصدقائه والمجتمع الصحفي الذي ينتمي له كلهم رجاء أن يظهر خاشقجي حيّا رغم التسريبات العديدة التي تحدثت عن مقتله بشكل بشع.
بعد اكثر من 20 يوما من تضارب الأنباء والإشاعات والتسريبات جاء الاعتراف الصادم المخادع حيث اعترف مكتب الادعاء العام السعودي بأن جمال دخل القنصلية ولم يخرج منها فوفقا للرواية الرسمية فإن مجموعه مارقة هي من قامت بعملية القتل بعد حديث تطور إلى شجار وأن جثته سلمت لمتعهد محلي.
الرواية الرسمية لم تقنع الناس فكل من أعلن عن أسمائهم وشاركوا في العملية قريبون من ولي العهد السعودي وأن الرواية بمجملها جاءت لتبرئة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يعتقد أنه هو الذي أمر بقتله.
لم تمارس أي من الدول التي لها نفوذ ضغطا على الحكومة السعودية لكشف الحقيقة كاملة وتقديم كل من له صله بهذه الجريمة لمحاكمة عادلة وعلنية وشفافة فهذه الدول مثل بريطانيا والولايات المتحدة كان همها الأساسي صفقات السلاح والاستثمارات.
عندما وجد النظام السعودي تراخي المجتمع الدولي ودول نافذه مستعده لحماية ولي العهد السعودي شنت أجهزة الدولة المختلفة حملة مضادة على كل الجهات التي تسعى لكشف الحقيقة ومنها الدولة التركية بل أن أجهزة استخبارات غربيه حذرت نشطاء كانوا قريبين من خاشقجي بأنهم هدف للتصفية.
وبدأت الحكومة السعودية بحملة علاقات عامة انفقت عليها الملايين من أجل طمس الحقيقة والاستماتة في تبرئة ساحة ولي العهد السعودي، هذه الحملة أتت بنتائج عكسيه حيث بات الجميع متأكدا أن ولي العهد السعودي هو من أمر بقتل خاشقجي.
لا يعرف حتى اللحظة مصير أولئك المتهمين بعملية القتل والذين قدموا ككبش فداء حيث قدموا إفادات تحصر مخطط قتل خاشقجي في دائرة معينه بعيدا عن ولي العهد السعودي وتدعي الحكومة السعودية أنهم رهن المحاكمة بينما سعود القحطاني مدير مكتب ولي العهد السعودي المتهم بإدارة جريمة القتل مختف ولا أحد يعلم مصيره.
في برنامج 60 دقيقة الأمريكي الذي بث بتاريخ 29/09/2019 اجترح النظام السعودي خطابا جديدا في محاولة لإغلاق القضية فأعلن ولي العهد السعودي أنه يتحمل المسؤولية لأن من نفذ العملية هم موظفو دوله معتبرا أن الجريمة وحشية ارتكابها تم في غفلة من قادة البلاد!
بعد مرور سنه على عملية القتل يراوغ ولي العهد السعودي ويحاول تسويق خطاب عاطفي كرجل دوله منضبط يحترم القانون ،فكل متابع يعلم أنه لن يترتب على هذا التصريح أي نتائج عمليه فإن كان جادا في تحمل المسؤولية يجب أن يخضع لمحاكمة شفافة تحدد مسؤوليته والعقوبة المناسبة.
إن المنشار الذي قطع فيه خاشقجي لن ينتصر على ميزان العدالة والدعوات المطالبة بمحاسبة الجناة وعلى رأسهم ولي العهد السعودي فبدون اجراءات محاكمة عادلة تتيح كشف ملابسات الجريمة ومصير الجثة تبقى هذه الجريمة وصمة عار على جبين المجتمع الدولي.
إن عدم تحقيق العدالة الناجزة في هذه الجريمة يعبر عن تهاوي النظام العام الدولي فهذه الجريمة بشخوصها وأدواتها هي جريمة دوله بامتياز تطلب من صناع القرار في العالم اتخاذ خطوات عمليه نحو تحقيق العدالة في هذه الجريمة.
إن المنظمة العربية لحقوق الانسان في بريطانيا تدعو الأمين العام للجمعية العامة إلى تشكيل محكمة خاصة لملاحقة الجناة على غرار المحكمة التي شكلت باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.