وصف المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، الوضع الإنساني في غزة بأنه “جحيم يزداد سوءاً”، محذراً من تفاقم المجاعة والأمراض وانعدام الأمن الكامل في ظل استمرار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على القطاع.
وفي مقابلة مع وكالة الأناضول، على هامش “منتدى أنطاليا الدبلوماسي” الذي اختتم أعماله الأحد في تركيا، أكد لازاريني أن قطاع غزة دخل مرحلة جديدة من التصعيد، خصوصاً بعد استهداف الاحتلال 15 من أفراد الطواقم الإنسانية، في جريمة اعتبرها المفوض الأممي ممنهجة ومتعمدة، ودعا إلى فتح تحقيق دولي مستقل لمحاسبة المسؤولين عنها.
وأوضح لازاريني أن “غزة تحولت إلى حقل موت”، مجدداً الاقتباس عن تصريح سابق للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي أكد فيه أن المدنيين الفلسطينيين باتوا عالقين في “دوامة موت لا نهاية لها”. وشدد على أنه “لا يوجد مكان آمن في غزة”، حيث يضطر السكان للتنقل القسري المستمر هرباً من القصف اليومي الذي طال كل مناطق القطاع بلا استثناء.
وأشار إلى أن سكان غزة يعانون من مجاعة متفاقمة وظروف صحية متدهورة و”حياة قذرة بشكل استثنائي”، في ظل تكدس مئات الآلاف في مناطق غير مهيئة للحياة، ووسط شحّ حاد في الموارد الأساسية.
وحمّل لازاريني الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تفاقم الكارثة الإنسانية، بعد أن أغلق كافة معابر القطاع منذ 2 مارس/ آذار الماضي، مانعاً دخول المساعدات الإغاثية والطبية والغذائية، وهو ما أدى إلى نفاد شبه كامل للإمدادات داخل القطاع، بحسب تعبيره.
وقال المفوض الأممي إنه “لم يعد هناك ما نوزعه، المساعدات الموجودة شارفت على النفاد بالكامل، وإغلاق المعبر منذ شهر أدى إلى تفاقم الوضع بشكل لا يُطاق”.
وأدان لازاريني بشدة استهداف قوات الاحتلال للعاملين في المجال الإنساني، معتبراً أن قتل 15 من الكوادر الصحية والدفاع المدني نهاية مارس الماضي يُظهر “تجاهلاً متعمداً وسافراً” للقانون الدولي الإنساني.
وأوضح أن الهجوم الذي راح ضحيته فريق إسعاف مكوّن من 9 عناصر، إضافة إلى موظف في وكالة أممية، كان ممنهجاً، حيث قُتل الأفراد “واحداً تلو الآخر”، رغم أن هوياتهم كانت معروفة بوضوح، وهو ما يستوجب تحقيقاً دولياً مستقلاً، على حد تعبيره.
وكان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قد كشف أن قوات الاحتلال قتلت هؤلاء العاملين أثناء استجابتهم لنداءات استغاثة من مدنيين محاصرين في حي تل السلطان برفح، وعُثر لاحقاً على جثامينهم مدفونة في مقبرة جماعية قرب موقع تدمير مركباتهم.
وأشار لازاريني إلى أن أكثر من 400 من العاملين في المجال الإنساني قتلوا في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، من بينهم ما يزيد على 280 من موظفي الأونروا، في استهداف ممنهج يُعدّ من أكثر الهجمات دموية على الطواقم الإنسانية في التاريخ الحديث.
كما أكد أن قرار الأمم المتحدة تقليص وجودها في غزة منذ 24 مارس جاء لأسباب أمنية، بعد غارة مباشرة على مقر أممي أسفرت عن مقتل موظف دولي وإصابة خمسة آخرين.
وتُعد عمليات استهداف المدنيين والطواقم الإنسانية، وفرض الحصار المطبق، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، وتحديداً لاتفاقيات جنيف الرابعة، التي تحظر العقاب الجماعي وتفرض حماية خاصة للعاملين في الإغاثة.
كما يُصنّف الحصار على غزة، بحسب منظمات حقوقية دولية، ضمن جرائم الحرب، بينما يرى خبراء في القانون الدولي أن ممارسات الاحتلال ترقى إلى جريمة إبادة جماعية، في ضوء استهداف المدنيين والبنى التحتية المدنية بشكل واسع النطاق وممنهج.
ويؤكد القانون الدولي على ضرورة المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، ما يضع على المجتمع الدولي واجباً واضحاً في الضغط لفتح تحقيقات مستقلة ومحاسبة مرتكبي الجرائم، كما نصّت قرارات مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة في مناسبات متعددة.