نزح نحو 500 ألف فلسطيني قسراً من منازلهم في قطاع غزة منذ منتصف آذار/مارس الماضي، نتيجة تصاعد العدوان الذي ينفذه الاحتلال الإسرائيلي، ورفضه لأي وقف لإطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية.
ويأتي هذا التصعيد ضمن سياق الإبادة الجماعية المتواصلة التي تضرب غزة منذ أكثر من ستة أشهر، وسط انهيار كامل للبنية التحتية، وتجويع جماعي لسكان القطاع المحاصر.
وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، فإن موجات النزوح الأخيرة، التي تزامنت مع استئناف العدوان في 18 مارس/آذار، تضاف إلى نزوح جماعي سابق طال مئات الآلاف منذ بدء الحرب، فيما تزداد الكارثة تعقيداً مع غياب الأمن الإنساني وانعدام المأوى ومستلزمات البقاء الأساسية.
واعترف وزير الحرب في حكومة الاحتلال يسرائيل كاتس بأن مئات الآلاف أُجبروا على مغادرة مناطقهم، مؤكداً أن قوات الاحتلال ستبقى في المواقع التي استولت عليها، سواء مؤقتاً أو بشكل دائم، بما يُعرف بـ”المناطق العازلة”.
وتعني هذه التصريحات، وما رافقها من بيانات عسكرية تصف 30% من قطاع غزة كمناطق عمليات أمنية، حصول تهجير قسري جماعي، في خرق واضح للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف التي تُحرّم ترحيل السكان المدنيين قسراً في ظروف النزاع.
ويستخدم الاحتلال هذه المناطق العازلة كغطاء لسياسة التدمير الممنهج، حيث يتم تهجير الفلسطينيين، ثم يُمنعون من العودة إليها، وسط وجود دائم لقوات الاحتلال، وتحويلها إلى مناطق مغلقة يحظر دخول المدنيين إليها. ويندرج هذا الإجراء ضمن جرائم التطهير العرقي، ويكشف النية المبيتة في تفريغ مناطق كاملة من سكانها.
ورغم تفاقم الكارثة الإنسانية؛ يواصل الاحتلال منع القوافل الإغاثية من دخول غزة. وأفادت الأمم المتحدة أن سلطات الاحتلال لم تسمح إلا بحركتين إنسانيتين من أصل ستة تحركات تم التنسيق لها خلال يوم واحد فقط، في حين رفضت أربع بعثات، بينها واحدة كانت مخصصة لنقل الوقود من معبر رفح.
ويضاعف هذا التضييق الممنهج على عمل المنظمات الإنسانية معاناة النازحين، الذين يعيشون في ظروف مأساوية بمناطق مكتظة وغير مهيأة للحياة.
وقد وثّقت فرق الإغاثة الدولية حالات متفاقمة من الجوع، وتدهوراً صحياً خطيراً، خصوصاً في مناطق مثل خان يونس، حيث لم تعد الخيام أو البطانيات متوفرة، ويعاني السكان من نقص المياه والدواء والغذاء.
ويأتي هذا التدمير الممنهج ضمن حصار خانق يفرضه الاحتلال على قطاع غزة منذ 18 عاماً، اشتدّ بشكل غير مسبوق منذ 2 مارس/آذار الماضي، حين أُغلقت المعابر بالكامل، ومنعت حتى الإمدادات الغذائية والطبية من الدخول، ما أدى إلى دخول القطاع في حالة مجاعة فعلية، وارتفاع معدلات الوفيات بسبب الجوع وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يرتكب الاحتلال، بدعم أمريكي علني، واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في العصر الحديث، راح ضحيتها أكثر من 167 ألف قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود لا يُعرف مصيرهم تحت الأنقاض.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة؛ فإن ما يقارب 1.5 مليون فلسطيني في غزة باتوا بلا مأوى، بعد أن دُمّرت منازلهم بالكامل أو أُجبروا على مغادرتها بفعل القصف.
وفي ظل غياب أي تحرك فعّال؛ تبدو منظومة القانون الدولي مشلولة، بينما يُترك المدنيون في غزة لمصيرهم تحت نيران حرب لا تفرّق بين مقاتل ومدني، وتجعل من الغذاء والماء والدواء أدوات قتل جماعي.