أصدرت محكمة تونسية في ساعة متأخرة من ليل الجمعة/السبت، أحكامًا مشددة بالسجن تراوحت بين 13 و66 عامًا بحق عدد من المعارضين السياسيين البارزين، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”التآمر على أمن الدولة”، وسط احتجاجات من عائلات المتهمين وتنديد من منظمات حقوقية تعتبر القضية أداة لتصفية الخصوم السياسيين في البلاد.
وشملت الأحكام، التي أعلنتها الدائرة الجنائية المختصة بقضايا الإرهاب، 40 متهمًا، من بينهم شخصيات سياسية معروفة مثل نور الدين البحيري، القيادي في “حركة النهضة”، ورضا بلحاج، رئيس الديوان الرئاسي الأسبق، وعصام الشابي، الأمين العام لـ”الحزب الجمهوري”، وغازي الشواشي، الوزير الأسبق والناشط في “جبهة الخلاص الوطني”.
ووفقًا لتصريحات نقلتها وكالة تونس إفريقيا للأنباء عن مسؤول قضائي؛ فإن الأحكام الصادرة بحق المتهمين الفارين من العدالة ستُنفذ فور إلقاء القبض عليهم.
وتنوّعت التهم الموجهة للمتهمين بين “التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”، و”تكوين وفاق إرهابي”، و”التحريض على العصيان”، و”محاولة تقويض النظام العام”، فيما لم تُعرض أدلة واضحة للرأي العام حول تلك التهم، الأمر الذي فاقم من التشكيك في خلفية المحاكمات.
وتواجه هذه القضية انتقادات واسعة حول أن ما يجري هو “محاكمة سياسية مغلّفة بغطاء جنائي”، في سياق حملة أوسع تستهدف المعارضة والرأي الحر في تونس، وتؤكد غياب الشفافية، وخاصة مع احتجاز المتهمين لفترات مطولة دون محاكمة عادلة، ومنع عدد منهم من التواصل مع عائلاتهم أو فرق الدفاع الخاصة بهم.
ومنذ فبراير/شباط 2023، حين انطلقت هذه القضية، تتكرر التحذيرات من تدهور مناخ الحريات العامة في البلاد، مع تصاعد وتيرة الاعتقالات والمحاكمات التي تطال معارضين ومحامين وصحفيين وناشطين في المجتمع المدني، وخاصة أن القضاء التونسي بات يفتقر إلى الاستقلالية المطلوبة، ويُستخدم أداة بيد السلطة التنفيذية لتقييد الحياة السياسية.
وتعود جذور هذه المحاكمات إلى سلسلة الإجراءات الاستثنائية التي بدأ الرئيس قيس سعيّد تنفيذها منذ يوليو/تموز 2021، حين جمّد البرلمان وحل مجلس القضاء، وأعاد كتابة الدستور عبر استفتاء شعبي مثير للجدل. ورغم تبريرات السلطة بأن هذه الخطوات تهدف إلى “تصحيح المسار الثوري”، ترى منظمات حقوقية ومراقبون أن ما يحدث هو “ترسيخ لحكم فردي مطلق”، يُقوّض الضمانات الدستورية الأساسية، ويُعيد البلاد إلى مربع الاستبداد.
وفي ظل غياب إشارات إلى تراجع السلطة عن نهجها الحالي؛ تُنذر هذه الأحكام بتصعيد جديد في الأزمة السياسية والحقوقية التي تعيشها البلاد، ما يُهدد ما تبقى من مكتسبات الثورة التونسية التي انطلقت قبل أكثر من عقد تحت شعار “حرية وكرامة وعدالة اجتماعية”.