في مشهد يعكس تدهوراً غير مسبوق في الوضع الإنساني والحقوقي داخل الضفة الغربية المحتلة، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينتي جنين وطولكرم ومخيميهما، وسط صمت دولي مريب وتجاهل للانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب بشكل ممنهج يومياً.
ومع دخول العدوان على جنين يومه الـ89، وطولكرم يومه الـ83، ترتفع أعداد القتلى، ويتسع نطاق الدمار، ويزداد عدد العائلات المهجّرة قسراً، فيما تتحول مناطق كاملة إلى ساحات مغلقة للقمع والتنكيل.
وتستمر قوات الاحتلال في استخدام أدواتها العسكرية لتجريف الطرق وتدمير البنى التحتية، وتحويل منازل المدنيين إلى ثكنات عسكرية، بعد إخلاء سكانها قسراً، في انتهاك صريح لقواعد القانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر تدمير الممتلكات والتهجير القسري للسكان في الأراضي المحتلة.
في طولكرم، أسفر العدوان المستمر عن مقتل 13 فلسطينياً، بينهم طفل وامرأتان، إحداهما حامل، إلى جانب عشرات الإصابات والاعتقالات، في حين أجبرت العمليات العسكرية أكثر من 4000 عائلة على النزوح من مخيمي طولكرم ونور شمس، إضافة إلى مئات من سكان الحي الشمالي للمدينة بعد السيطرة على منازلهم وتحويل بعضها لمواقع عسكرية مغلقة.
أما في جنين، فقد بلغ عدد القتلى منذ بداية العدوان 38، في ظل استمرار عمليات الاقتحام، والتجريف، وتقطيع أوصال المدينة والمخيم بالحواجز والسواتر، ما فاقم معاناة الأهالي، وأدى إلى نزوح أكثر من 21 ألف مدني، بينهم آلاف الأطفال والنساء، في مشهد يعيد إلى الأذهان أزمات النزوح الجماعي في مناطق الحروب.
ويمثل ما يحدث في جنين وطولكرم جملة من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي، بما في ذلك القتل خارج إطار القانون، والعقاب الجماعي، والحرمان من الوصول إلى الرعاية الصحية، ومنع تنقل المدنيين، وتدمير المرافق المدنية، وهي أفعال ترقى إلى جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
كما أن تحويل مناطق سكنية إلى مسارح عمليات عسكرية مغلقة، واستخدام البيوت والمدارس لأغراض عسكرية، يشكل انتهاكاً صارخاً لمبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ومبدأ التناسب، وهما من المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
ورغم وضوح الانتهاكات وتوثيقها من قبل مؤسسات محلية ودولية، فإن المجتمع الدولي يواصل التزام الصمت، مكتفياً ببيانات قلق ومناشدات إنسانية لا توقف جرافة، ولا تحمي طفلاً، ولا تعيد لعائلة مأواها. ويُخشى أن يؤدي استمرار هذا الصمت إلى مزيد من التصعيد وتوسيع رقعة العدوان، ما ينذر بانهيار إنساني واسع النطاق في شمال الضفة الغربية.
وفي الوقت الذي يئن فيه المدنيون تحت القصف والحصار، تبقى مسؤولية المجتمع الدولي قائمة، ليس فقط بالضغط لوقف العدوان، بل أيضاً بكسر حلقة الإفلات من العقاب، التي شجعت الاحتلال على التمادي في سياساته القمعية، وتحويل المدن والمخيمات الفلسطينية إلى مناطق منكوبة بلا حماية أو حقوق.