في تطور قضائي وصف بأنه “غير مسبوق”، أصدرت المحكمة الابتدائية في العاصمة التونسية، السبت الماضي، أحكاماً أولية بالسجن بلغ مجموعها 892 عاماً بحق 40 متهماً في ما يُعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”، من بينهم قيادات سياسية ومحامون ونشطاء مجتمع مدني.
وفي مؤتمر صحفي عقدته هيئة الدفاع بدار المحامين بتونس العاصمة، قال المحامي سمير ديلو إن “الأحكام بُنيت على شهادة شخص مجهول، لم يُستمع إليه حتى الآن من قبل القضاء”، مشيراً إلى أن “هذه الممارسات تقوض أسس المحاكمة العادلة وتسيء لسمعة تونس في الخارج”.
وتوزعت الأحكام بين 4 سنوات و66 سنة، أبرزها بحق رجل الأعمال كمال اللطيف (66 سنة)، والقيادي السابق في “التكتل الديمقراطي” خيام التركي (48 سنة)، والقيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري (43 سنة)، إلى جانب شخصيات أخرى مثل رضا بلحاج وعصام الشابي وغازي الشواشي، المحسوبين على جبهة الخلاص الوطني المعارضة.
وتعود القضية إلى فبراير/شباط 2023، عندما شنت السلطات حملة إيقافات واسعة طالت معارضين وناشطين، اتُهموا بـ”المساس بالنظام العام” و”التخابر” و”التحريض على العصيان”، وسط غياب للضمانات القضائية، وتزايد الملاحقات ذات الطابع السياسي في تونس.
ويُنذر ما يجري بعودة ممارسات ما قبل الثورة، مع غياب واضح للفصل بين السلطات، وخصوصاً بعد الإجراءات الاستثنائية التي فرضها الرئيس قيس سعيّد في يوليو 2021، وشملت تجميد البرلمان ثم حله، وإقرار دستور جديد بصلاحيات رئاسية واسعة، ما دفع عديد القوى السياسية إلى وصف الوضع بـ”الانقلاب الدستوري”.
وتمثل الأحكام الصادرة في “قضية التآمر” انتكاسة خطيرة لحقوق الإنسان في تونس، لا سيما في ظل غياب محكمة دستورية وضمانات قضائية كافية، ما يعمّق القلق من انزلاق البلاد نحو السلطوية بعد أكثر من عقد على ثورة الحرية والكرامة.