تفرض قوات الاحتلال حصاراً خانقاً على مدينة جنين ومخيمها لليوم الـ101 على التوالي، وعلى مدينة طولكرم ومخيميها، لا سيما مخيم نور شمس، لليوم الـ95 على التوالي، وسط حالة من الانهيار الكامل في مقومات الحياة اليومية، وغياب أي استجابة دولية فاعلة لوقف الانتهاكات التي تطال كل ما هو مدني.
ففي جنين؛ يتواصل العدوان منذ 21 كانون الثاني/يناير، حيث حول الاحتلال المخيم إلى منطقة معزولة، مغلقة تماماً أمام الحركة والإغاثة، ويمنع الدخول إليه في ظل عمليات تدمير ممنهجة لمعالمه.
وتعرضت جميع منازل ومنشآت المخيم تقريباً لضرر كلي أو جزئي بفعل القصف المتكرر وعمليات التجريف التي تستهدف البنية التحتية، فيما تزايدت المخاوف بعد أن نصبت قوات الاحتلال بوابات حديدية على مداخل المخيم في خطوة تعزز من عزل السكان.
وأكدت بلدية جنين أن الأضرار لم تقتصر على المخيم فقط، بل طالت أيضاً أحياء المدينة نفسها، حيث تم تدمير ما لا يقل عن 15 مبنى، وتضررت 800 وحدة سكنية بدرجات متفاوتة، وتركزت الأضرار بشكل خاص في الحي الشرقي وحي الهدف.
وبالتوازي مع ذلك؛ يواجه السكان موجة نزوح قسري غير مسبوقة، إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من 22 ألف شخص اضطروا إلى مغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان المفقود.
ولا تقل الحالة في طولكرم مأساوية، فالمدينة والمخيمات التابعة لها، خصوصاً مخيم نور شمس، تشهد عمليات اقتحام يومية واعتداءات مستمرة على السكان وممتلكاتهم.
وفي الليلة الماضية؛ أضرمت قوات الاحتلال النار عمداً في أحد المنازل، ما أدى إلى حريق كبير التهم المنزل ومركبة كانت بجواره.
ومع كل يوم يمر؛ تزداد معاناة السكان تحت الحصار العسكري، حيث تُغلق المداخل بالسواتر الترابية، وتتحول أحياء بأكملها إلى ساحات اشتباك بعد أن تفرض قوات الاحتلال سيطرتها على منازل المدنيين، وتجبر سكانها على الإخلاء وتحولها إلى ثكنات عسكرية.
ومنذ بداية الحصار؛ قُتل 13 مواطناً في طولكرم، بينهم طفل وامرأتان إحداهما حامل، كما أُصيب واعتُقل العشرات، فيما أدى التصعيد إلى تدمير 396 منزلاً بشكل كامل، وأكثر من 2500 بشكل جزئي، إلى جانب تضرر المحال التجارية والبنية التحتية، وانقطاع سبل العيش الأساسية عن آلاف العائلات.
ولا يمكن اعتبار ما يجري في جنين وطولكرم مجرد عملية أمنية، بل هو سياسة ممنهجة تستهدف تقويض حياة الفلسطينيين، وضرب استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي عبر الحصار، والتجريف، والترويع، والتهجير.
وتشكل هذه الانتهاكات، التي تشمل الاستهداف المباشر للبنية التحتية المدنية، واستخدام منازل المدنيين كثكنات عسكرية، ومنع حرية الحركة؛ خروقات فادحة للقانون الدولي الإنساني، وعلى رأسه اتفاقية جنيف الرابعة، التي تُلزم قوات الاحتلال بحماية المدنيين، لا بترويعهم.
الحق في السكن، وحرية التنقل، وعدم التعرض للتهجير القسري، كلها حقوق ثابتة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. أما ما يشهده المدنيون في الضفة الغربية، وتحديداً في جنين وطولكرم، فيرتقي إلى مستوى العقاب الجماعي المحظور دولياً، ويعكس حالة من الإفلات الممنهج من العقاب.
ورغم كل هذه الوقائع اليومية؛ ما يزال المجتمع الدولي يكتفي بالصمت، في وقت يتعرض فيه أكثر من 47 ألف فلسطيني في هذه المدن والمخيمات لنكبة إنسانية متجددة، تستدعي وقفة حقيقية لوقف هذا العدوان الممتد، وإنهاء حالة الطوارئ التي يعيشها سكان الضفة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.