في مشهد يعكس تصعيداً غير مسبوق لسياسات التدمير الممنهج؛ كثّف جيش الاحتلال، يوم الأحد، عمليات نسف المنازل والمباني السكنية في مدينتي غزة ورفح، شمال وجنوب قطاع غزة، بالتزامن مع استمرار القصف الجوي والمدفعي الذي طال منازل وخيام نازحين في مختلف أنحاء القطاع المحاصر.
وأفاد شهود عيان بأن مدفعية الاحتلال كثّفت قصفها على المناطق الشرقية من حيي الشجاعية والتفاح شرق مدينة غزة، تزامناً مع إطلاق طائرات مسيّرة من نوع “كواد كابتر” النيران على منازل المواطنين في حي التفاح.
وأكد الشهود أن جيش الاحتلال نفّذ عملية نسف لعشرات المنازل في المنطقة باستخدام متفجرات، ما يفاقم من معاناة السكان الذين يواجهون دماراً كاملاً لمنازلهم وتهجيراً قسرياً متكرراً.
وفي مدينة رفح جنوب القطاع؛ تواصلت عمليات نسف المنازل على يد جيش الاحتلال، ترافقت مع إطلاق نار من طائرات مروحية شمال المدينة، في مؤشر على تعمّد استهداف البنية التحتية المدنية ضمن حملة عسكرية اتخذت طابع الإبادة والتهجير الجماعي.
ومنذ فجر الأحد، قُتل 14 فلسطينياً وأصيب آخرون في سلسلة غارات جوية وقصف مدفعي استهدفت منازل مدنيين وخياماً تؤوي نازحين في مناطق متفرقة من القطاع.
وأفاد مصدر طبي بمقتل أربعة أفراد من عائلة قنن في قصف على شقة سكنية بمنطقة المواصي غربي خان يونس، فيما قُتلت امرأة وأُصيب آخرون في قصف استهدف منزلاً لعائلة أبو شمالة في حي الأمل.
كما قُتل شاب من عائلة النجار وأُصيب آخرون في قصف لطائرة مسيرة استهدف خيمة نازحين في منطقة واد صابر شرقي خان يونس، فيما توفي ثلاثة فلسطينيين متأثرين بجروح أُصيبوا بها في غارات سابقة على خان يونس وبيت حانون.
وخلّف قصف خيمة لعائلة أبو عاصي في القرارة 6 إصابات، بينما سقط أربعة قتلى، بينهم ثلاث نساء، في قصف استهدف خيمة للنازحين في منطقة المواصي.
وامتد القصف إلى وسط القطاع، حيث قُتلت امرأة وأُصيب آخرون في غارة على منزل لعائلة أبو هويشل في مخيم النصيرات.
وفي الشمال، أُصيب فلسطينيان في قصف استهدف مخازن في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة.
وتشير عمليات نسف المنازل التي ينفذها جيش الاحتلال بشكل متعمد ومتكرر في غزة ورفح إلى نمط ثابت من التدمير المنهجي للبنية التحتية المدنية، في غياب أي مبررات عسكرية حقيقية.
ولا يمثل هذا النمط فقط خرقاً للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر تدمير ممتلكات السكان تحت الاحتلال، بل يكشف عن سياسة متعمدة لتجريف المجتمع الفلسطيني، عبر تدمير مقومات بقاء السكان وتهجيرهم القسري.
ويمثل استهداف خيام النازحين، الذين فُرض عليهم النزوح نتيجة العمليات العسكرية ذاتها، خرقاً سافراً لمبادئ التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ويضرب عرض الحائط بالحماية الخاصة التي يكفلها القانون الدولي للنازحين والأعيان المدنية.
ولا يمكن فهم هذه الممارسات بمعزل عن السياق الأشمل لحرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي تهدف بوضوح إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين.
ووفقاً للتعريف القانوني المنصوص عليه في اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948؛ فإن القتل واسع النطاق، والتدمير الشامل، والحصار المحكم، والتجويع الممنهج، كلها عناصر تُركب نمطاً ممنهجاً من الإبادة الجماعية.
وقد أسفرت هذه الحرب، التي دخلت شهرها التاسع عشر، عن أكثر من 170 ألف قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، في ظل انهيار شامل للمرافق الصحية، وتدمير مئات آلاف المنازل، وحرمان السكان من أدنى شروط البقاء.
إن ما يجري على الأرض ليس مجرد تجاوزات فردية أو عمليات عسكرية خارجة عن السيطرة، بل هو مشروع إبادة مكتمل الأركان، يستهدف الإنسان الفلسطيني في وجوده ومأواه وحقه في الحياة، والتقاعس الدولي في مواجهتها لا يُعد صمتاً فحسب، بل تواطؤاً غير مباشر، يزيد من خطورة الانحدار نحو مرحلة أكثر دموية.