في مجزرة جديدة تندرج ضمن سياق حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، أعلن الدفاع المدني الفلسطيني، صباح الجمعة، أن أكثر من 50 فلسطينياً سقطوا بين قتيل ومفقود إثر قصف عنيف استهدف منزلاً مأهولاً في منطقة جباليا البلد شمال القطاع.
ووفق بيان رسمي صادر عن الدفاع المدني؛ فإن الغارة الجوية دمرت منزلاً مكوناً من أربعة طوابق فوق رؤوس ساكنيه، ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص على الأقل، وإصابة ستة آخرين بجروح متفاوتة، فيما لا يزال أكثر من خمسين شخصاً، بينهم نساء وأطفال، تحت الأنقاض.
وأكد البيان أن عمليات البحث عن المفقودين توقفت بالكامل نتيجة النقص الحاد في المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الركام.
وأفادت مصادر طبية في وقت متأخر من مساء الخميس بمقتل ستة مدنيين فلسطينيين في قصف مشابه طال منزل عائلة دردونة في المنطقة ذاتها، ما يعكس استهدافاً متعمداً للمنازل السكنية دون اكتراث بوجود المدنيين.
ويشكل ما يحدث في قطاع غزة منذ 20 شهراً متواصلة، نمطاً من العنف المنظم والممنهج الذي يستهدف البنية السكانية المدنية، ويعتمد سياسة القصف العشوائي والمفرط على مناطق مكتظة، ما يؤدي إلى أعداد هائلة من القتلى والمفقودين، أغلبهم من الأطفال والنساء.
ويتجاوز هذا النمط تعريف العمليات العسكرية التقليدية، ليرتقي إلى جريمة إبادة جماعية، تهدف إلى تقويض الوجود الفلسطيني من خلال القتل الجماعي، والتدمير الواسع، والحصار الخانق، والتهجير القسري.
وقد خلّفت حرب الإبادة هذه – بدعم سياسي وعسكري غير مشروط من الولايات المتحدة – ما يزيد على 175 ألف قتيل وجريح، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات آلاف النازحين الذين يعيشون في ظروف إنسانية قاسية تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة، كالماء والغذاء والرعاية الطبية.
ويؤكد استمرار القصف على مناطق سكنية، بالتوازي مع الحصار الكامل الذي يمنع دخول الوقود والمعدات الطبية ومواد البناء، أن الهدف لا يقتصر على استهداف أفراد، بل يشمل تفكيك المجتمع الفلسطيني بأسره. كما أن تعطيل جهود الإنقاذ، ومنع إدخال المعدات اللازمة لرفع الأنقاض، يمثل انتهاكاً مضاعفاً يمس حق الضحايا في النجاة، وحق أهاليهم في معرفة مصيرهم.
وفي ظل هذا الواقع؛ لم يعد ممكناً اعتبار ما يجري في غزة مجرد عمليات عسكرية. ما يُرتكب هو تدمير مقصود للبنى المجتمعية، وتجريد ممنهج للمدنيين من الحماية، وتحويل الأحياء السكنية إلى مساحات موت، في مخالفة فاضحة لقواعد القانون الدولي الإنساني، التي تحظر استهداف المدنيين، وتفرض التمييز والاحتياط والتناسب في أي عمل عسكري.
إن هذه المجازر، التي تتكرر بوتيرة يومية، تستدعي وقفة جادة من المجتمع الدولي تتجاوز حدود الإدانات الشكلية، نحو مساءلة قانونية فعلية لكل من يقف خلف هذه الجرائم، أو يدعم استمرارها، سواء بالقرار أو السلاح أو الصمت.