في ظل الحصار المشدد الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ ما يزيد على 80 يوماً؛ تتفاقم الكارثة الإنسانية بوتيرة متسارعة، حيث أودى نقص الغذاء والدواء بحياة مئات المدنيين، معظمهم من الأطفال وكبار السن، في وقت تصر فيه قوات الاحتلال على منع دخول المساعدات الإنسانية المتكدسة على المعابر، متسببة في تفشي المجاعة على نطاق واسع.
وفي هذا السياق؛ شددت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على أن السبيل الوحيد لتفادي انهيار كامل للوضع الإنساني في القطاع، هو تدفق المساعدات بشكل فعّال ومتواصل، مؤكدة أن الفلسطينيين في غزة لم يعودوا يحتملون مزيداً من الانتظار.
وبحسب تقديرات “الأونروا” يحتاج القطاع ما لا يقل عن 500 إلى 600 شاحنة مساعدات يومياً، بإشراف الأمم المتحدة، لتغطية الاحتياجات الأساسية للسكان.
إلا أن هذه المساعدات لا تجد طريقها إلى الداخل، بفعل إغلاق المعابر، وتقييد إدخال الإمدادات الضرورية، وهو ما يكرّس سياسة تجويع ممنهجة تستهدف ما يقارب 2.4 مليون فلسطيني في القطاع.
وفي ذات الإطار؛ أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة، مساء أمس السبت، وفاة الطفل محمد مصطفى ياسين (4 أعوام)، جراء سوء التغذية في ظل الحصار واستمرار سياسة التجويع الإسرائيلية.
وقال متحدث الدفاع المدني محمود بصل، في بيان مصور: “إن محمد ياسين، قُتل جراء الجوع؛ بسبب منع الاحتلال إدخال المساعدات الغذائية والطبية”.
وأضاف وهو يحمل جثمان الطفل ياسين: “لم يكن محمَّد الطفل الأول، والخوف أصبح يقينا أنه لن يكون الأخير، في ظل تواصل حرب المجاعة”.
وفي وقت سابق السبت؛ أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أنه خلال 80 يوما من الحصار الإسرائيلي توفي 58 شخصا بسبب سوء التغذية، و242 آخرين بسبب نقص الغذاء والدواء، معظمهم من كبار السن.
ولا يكتفي الاحتلال بتجويع المدنيين، بل يواصل في الوقت نفسه تصعيد عدوانه العسكري عبر تنفيذ عمليات برية وغارات جوية في شمال وجنوب القطاع، في إطار حرب شاملة لا تفرّق بين أهداف عسكرية ومدنية، وتُظهر إصراراً على إفناء مقومات الحياة، سواء عبر تدمير البنية التحتية، أو استهداف مخازن الغذاء، أو عرقلة الإغاثة.
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يخضع قطاع غزة لحرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، خلّفت أكثر من 176 ألف قتيل وجريح، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بينما يعاني مئات الآلاف من النزوح القسري، دون مأوى أو خدمات أساسية.
ولا تندرج هذه الجرائم ضمن السياق التقليدي للنزاعات المسلحة، بل تعكس نمطاً ممنهجاً من الاستهداف المتعمد للمدنيين كوسيلة ضغط وإخضاع، وهو ما يتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني. فسياسات العقاب الجماعي، وتدمير سبل العيش، وحرمان السكان من الغذاء والدواء، تشكل في مجملها جرائم ضد الإنسانية، وقد ترقى إلى جريمة إبادة جماعية وفقاً للتعريفات القانونية المعتمدة.
ووسط هذا الواقع الكارثي؛ تتزايد الحاجة إلى موقف دولي فاعل يضع حداً للجرائم المستمرة، ويفرض آلية فورية لتأمين المساعدات الإنسانية دون قيود، وإنقاذ ما تبقى من حياة في غزة المنكوبة.