في تطور جديد يعكس استمرار النهج القمعي في التعامل مع قضايا الرأي والتعبير في مصر؛ حددت محكمة استئناف القاهرة يوم 21 يوليو/تموز المقبل موعداً لبدء محاكمة 52 مواطناً مصرياً، بينهم أربعة صحافيين وثماني فتيات، في القضية رقم 680 لسنة 2020 حصر تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، وذلك بعد سنوات من الاحتجاز المطول دون محاكمة.
وتقوم القضية التي طُويت لسنوات قبل أن يُعاد فتحها فجأة، على اتهامات عامة طالما استُخدمت كأدوات لقمع المعارضين والناشطين، من قبيل “الانضمام إلى جماعة محظورة”، و”نشر أخبار كاذبة”، و”تمويل أنشطة مناهضة للدولة”. لكن واقع القضية يُظهر بوضوح أن جوهرها لا يتعدى كونها حلقة جديدة في مسلسل توظيف القضاء كأداة سياسية، تستهدف تقييد الحريات وكتم الأصوات الناقدة.
وعلى مدار السنوات الماضية؛ تعرض المتهمون إلى نمط متكرر من الانتهاكات الجسيمة، شمل الاعتقال التعسفي من المنازل دون إذن قضائي، والإخفاء القسري لفترات متباينة، ثم الحبس المطول في ظروف احتجاز غير إنسانية، دون عرض فعلي على محكمة موضوع أو تمكين من الدفاع القانوني.
ويبرز في القضية وجود أربعة صحافيين ممن تنوعت خلفياتهم المهنية، لكن قادتهم الممارسات الأمنية ذاتها إلى الزنزانة بدل قاعة التحرير، هم الصحافي عمرو محمود القزاز، أحد مؤسسي موقع “رصد” الإخباري، المعروف بتغطيته للقضايا الاجتماعية والسياسية من منظور شعبي، والصحافي مدحت رمضان، الذي تنقل بين عدة منصات صحافية وكان يعمل بموقع “شبابيك”، إلى جانب الصحافيين عمرو عماد عبدالله وعبدالله شحاتة عبد الجواد.
ويكشف وجود هؤلاء في ساحة المحاكمة بوضوح أن الصحافة المستقلة باتت هدفاً مباشراً، وأن خطوط التعبير المسموح بها تضيق بشكل متسارع، لتصبح مجرد امتداد للخطاب الرسمي أو تُواجه القمع.
ويمثل ثماني فتيات أيضاً أمام المحكمة، في مشهد يعكس كيف لم تعد آلة القمع تستثني أحداً، حتى من فئات المجتمع الأكثر هشاشة.
واللافت في هذه القضية أن المتهمين تعرضوا لفترات من الحبس الاحتياطي تجاوزت السقف القانوني المنصوص عليه في التشريعات المصرية ذاتها، والذي يُفترض ألا يتعدى عامين. ومع ذلك، بقي بعضهم محبوساً لأكثر من ثلاث سنوات، دون محاكمة، وهو ما يجعل القضية انتهاكاً صارخاً حتى للحد الأدنى من الإجراءات القانونية.
والإخفاء القسري كان أيضاً سمة متكررة، حيث اختفى بعض المتهمين لأشهر، وتعرضوا خلالها لأشكال متعددة من التعذيب، من بينها الصعق الكهربائي والضرب، ما ترك آثاراً واضحة ظهرت أثناء عرضهم على النيابة.
وتأتي القضية في سياق سياسي وأمني مشحون، تتجه فيه الدولة نحو تأميم المجال العام بشكل كامل. فكل صوت ناقد بات مشروعاً للاعتقال، وكل نشاط مدني أو إعلامي قد يُتهم بتهديد الأمن القومي. أجهزة الأمن باتت تتحكم بمفاتيح الحبس والإفراج، فيما أصبحت النيابة العامة أداة تصديق لا جهة رقابة.
والأخطر أن هذه القضايا تُستخدم لتوجيه رسائل ترهيب، لا للمتهمين فحسب، بل لكل من يفكر في التعبير عن رأي مخالف، أو الانخراط في الشأن العام خارج الأطر الرسمية.
إن ما يحدث في هذه القضية ليس استثناءً، بل تجسيد واضح لطبيعة النظام القضائي والأمني في مصر، حيث تتحول القوانين إلى أدوات قمع، وتُصادر العدالة باسم الأمن، وتُعطّل الحريات باسم الاستقرار.